مع أننا رأينا، ولا نزال، أن خطة عنان تحمل بعض الإيجابيات في طياتها، إلا أننا ربطنا ذلك بتطبيقها على الأرض. فإذ لم تطبق فلا حاجة لها، ولا معنى، إلا أن تكون في إطار مهلة جديدة للنظام لعله يستطيع القضاء على الثورة، ويتحالف من جديد مع أصدقائه الذين أشادوا يوماً بانتقال سلمي للسلطة بين الأسد الأب وابنه وفرشوا له السجاجيد الحمراء في عواصم بلادهم.
لا نعرف على وجه التحديد، لماذا قدم عنان إحاطته لمجلس الأمن من خلال دائرة تلفزية مغلقة. ولا نعرف أيضاً لماذا تأخر السيد عنان لتقديم إحاطته يومين كاملين، إذ كان المقرر أن يخاطب مجلس الأمن يوم الخامس من أيار/ مايو وليس يوم الثامن منه. ولكننا نتوقع أن الموفد العربي – الأممي فعل ما فعل، نزولاً عند رغبة أعضاء مجلس الأمن، فهم يريدون أن يسمعوا وحدهم دون الرأي العام المحلي والعالمي، كي يبرروا تقاعسهم عن مساعدة الشعب السوري حسب القوانين الدولية. وإلا فلماذا لم يلق عنان مؤتمره الصحفي قبل الإدلاء بشهادته على ما يجري في سورية.
تحدث السيد عنان عن انخفاض في مستوى العنف في سورية وذكر أن جيش النظام، خفف من استخدام الأسلحة الثقيلة. وهذا يعني أن الأسد يستخدم بالفعل الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، وهذا يعني أنه لا يزال يقتل وينكل بالشعب السوري. فما الفائدة إذاً من استمرر هذه الخطة إلا إعطاء النظام مزيداً من الوقت للفتك بالثوار والناشطين.
الأنكى من ذلك أن السيد عنان، اعتبر أن مبادرته هي الفرصة الأخيرة أمام دمشق، وعندما تلفظ بهذه العبارة، ظننا أن الرجل سيقول الفرصة الأخيرة قبل التدخل المباشر أو تأمين مناطق عازلة لحماية المدنيين. ولكنه قال، قبل أن تنزلق البلاد إلى حرب أهلية. ولعلكم تلاحظون أن هذا التصريح يفتقر حتى إلى المعايير الأخلاقية. فعنان يعلم أن خطته فشلت منذ اليوم الأول. وهو يعرف بالتالي أن البلاد قد تنزلق إلى الحرب الأهلية، ويعلم أنه ذهب إلى سورية لإجبار الأسد على إيقاف القتل. فالرجل غير آبه بالذين يقتلون يومياً بل هو يدعي الخوف من الحرب الأهلية بدل العمل على حماية المدنيين والإفراج عن المعتقلين.
منذ أن وقّعت الأمم المتحدة البروتوكول المشؤوم مع نظام الأسد، ارتقى ما يقارب ألف شهيد في سورية، واعتقل الآلاف من الناشطين السلميين. فكيف يقول كوفي عنان أن العنف تراجع في البلاد.
الجواب واضح، عنان موظف لدى القوى الغربية، التي لم تعقد العزم حتى اليوم على إسقاط نظام الأسد، فهم يخافون على الكيان الصهيوني وأمنه واستقراره، وهم لا يريدون أن يخسروا موظفاً مطيعاً كبشار الأسد، حافظ على كرسيه من خلال الصمت على جرائم هذا الكيان في فلسطين ولبنان والجولان.
الصادم خاصة في موقف عنان، أنه يزعم بشكل أو بآخر أن خطته لم تفشل بعد، فهو يكرر عبارة: إذا فشلت الخطة، ويتجاهل الحديث عن المعتقلين، ولم يعلق على الصور التي تظهر مراقبيه وهم يعتلون الدبابات بأنفسهم، فكيف يتكلم الرجل عن سحب جزئي للقوات من المدن وعن تحسن مستوى الأمن في البلاد. وهذا أمر خطير فعدم اعتراف عنان بفشل خطته، وهذه رغبة الغرب وأمريكا، سيروج لمجلس الأمن النكوص في وعوده بمساعدة الشعب السوري واللجوء إلى وسائل أخرى لحماية هذا الشعب، ولهذا فإننا نعتقد أن هذه العبارات كانت مقصودة تماماً وهي من باب الالتفاف على واجبات مجلس الامن تجاه سورية.
مسؤولو البلاد الأوروبية وأمريكا يكررون عبارات عنان، فهم يهددون الأسد في حال فشل الخطة، ولا ندري إن كانوا سينتظرون تسعين يوماً حتى يعرفوا أن الخطة فشلت أم لا. وكأنهم لا يرون القتل الطائفي ولا يرون أسلحة النظام تقصف المناطق السكنية الآمنة وتدمرها على رؤوس ساكنيها. ولم تبلغهم أخبار عمار الأبرش الذي قتل مع زوجته وأطفاله الخمس لأنه تلاسن مع حاجز أمني في حي الإنشاءات ولأن اسم ولده أبو بكر.
المسؤولون الذين يرون الأطفال مسلوخي الجلد ومنزوعي الرؤوس، ثم يتكلمون عن احتمال نجاح خطة عنان، هم مشاركون في القتل وفي الجريمة، وهم لا أخلاق لهم، حالهم حال الأسد وشبيحته.
إننا نعتقد اليوم، أن خطة عنان ما هي إلا تكملة لخطة الدابي، فبينما قامت الجامعة العربية وخاصة أمينها العام، بإرسال المراقبين العرب إلى سورية ليمعن النظام في قتل السوريين قامت الأمم المتحدة بإرسال عنان وفق نفس المنهج بالضبط. لن نتوقع من عنان اليوم غير ما رأيناه من الدابي، وبكل حال فلن يأتي النصر من خطته ولا من تصريحات سوزان رايس ورئيسها، إنما يأتي فقط بحول الله من استمرار الثورة حتى إسقاط النظام.
*دكتوراه في الإعلام - فرنسا
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية