الشارعُ السوريُ حيثُ بدأتِ الثورة، ما زالَ في ذهنِ الكتابِ والمحللين أسيراً لمرحلة ما قبلَ الثورةِ، وما زالَ التصحرُ الذي صنعهُ النظامُ في الحياةِ السياسيةِ والشأنِ العامِ يتداولُ على الألسنِ من قبلِ المعارضينَ والمختصين كعذرٍ لكل الأخطاء، لكن بعدَ سنةٍ وشهرٍ منَ ثورةٍ هزتِ العالمَ الحديثَ فأعتقدُ أنَّ الفرضياتِ السابقةَ أصبحت من الماضي.
يدلُ صمودُ الشارعِ السوريِّ حتى اليوم والطرقُ والأساليبُ التي يبدعها الناشطونَ يوماً بعدَ يومٍ للتعبير عن الشارعِ ورأيهِ وثورتهِ، على خطأ وصفِ الشارعِ بالبعيدِ عن الشأنِ العامِ بعدَ اليوم، كما أنَّ المعارضةَ أو القوى السياسيةُ بشتى أطيافها والتي جابت أصقاعَ الأرضِ وملأت فضاءاتِ الإعلام، لا يصح بعد اليومِ وصفها بالجديدةِ أو المتصحرة، ولم يعد لها أي عذرٍ، كما لن تستطيع الالتفافَ على هذا الشارعِ الذي قوي عودهُ سياسياً بظروفٍ استثنائية.
كانَ الشارعُ السوريُ غيرَ واضحِ المعالمِ أو بالأصح مكبوتَ المعالمِ، إلى أن خلعَ عن نفسهِ الزيَّ الذي ألبسهُ إياهُ النظام بأدواتهِ الثقافيةِ والإعلاميةِ، ظهرَ الشعبُ السوريُّ الحقيقيُّ لكلِّ العالمِ عن طريقِ مظاهراتٍ يوميةٍ وإسبوعيةٍ تعجزُ أيُّ قوةٍ سياسيةٍ في العالمِ عن تنظيمها بهذا الشكل والانتظام والامتداد والصمود (تقدر بـأكثرِ من 100 ألف خلال الـ 13 شهراً الماضية) كما يعجزُ النظامُ عن إيقافها، مما يؤكدُ إنهُ الشارعُ السوريُّ الحقيقيُ لا أحد سواه.
يعبرُّ الشارعُ عن نفسهِ بالمشاجراتِ على أسماءِ الجمع، والجدالاتِ عن السلميةِ والقوى الخارجية، والالتفافِ حولَ قوىً ورموزٍ سياسية، وبالهتافاتِ واللافتاتِ والأهازيجِ التي تتلونُ بتراثهِ المناطقيِّ والقوميِّ والثقافيِّ، وخلفَ هذا الشارعِ وأمامهُ يقف آلافُ الناشطين على شكلِ تنسيقياتٍ ولجانٍ ومجالسٍ وتجمعاتٍ وجمعياتٍ وحركاتٍ ومستقلينَ، يشكلونَ وجهَ قوى النخب الجديدة وأول ملامح هذا الوجه هو التمايز الذي يزداد وضوحاً بين التيار الإسلامي والتيار العلماني بغض النظر عن رصيدهما من الاتباع أو الداعمين.
الفكرةُ التي أريدُ الوصولَ إليها، هيَ أننا نضجنا وآنَ لنا أن نعيَ ذواتنا ونبنيَ مواقفنا وتوجهاتنا بكلِ حريةٍ توفرها ثورةُ المعلوماتِ والاتصالاتِ ولا نلتفتُ إلى التقليديِّ أو السائدِ أو الغالبِ فنحنُ في ثورةٍ جديدةٍ تغير وجهَ العالم، والقادرُ على التطورِ واستعاب الواقع وطرح الرؤية المستقبلية بناءً على حقائق وأرقام هو الذي سيفوز بعقول وقلوب السامعين، فـ 13 شهراً من الثورةِ كفيلةٌ بزرعِ الشكِ وزعزعةِ اليقينِ بكلِّ ما هوَ تقليديٌ وسائدٌ وغالب، والدفعِ لتلمسِ الخلاصِ بما يلامسُ القلبَ ويقنعُ العقل.
"أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب ( 19 ) - سورة الرعد"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية