أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

بشار و العرعور... د.هشام الشامي

في ساحة الشيخ ضاهر في اللاذقية جلس الرجل الأربعيني أبو ياسر ساعات طويلة داخل سيارته الصفراء الصغيرة صينية الصنع متململاً متضجراً و هو ينتظر راكباً يستقل سيارته التاكسي دون أن يأتي هذا الزبون منذ الصباح ، يبدو التململ و التأفف على وجه أبي ياسر و هو ينفخ سحائب دخان سيجارته الحمراء الطويلة في الهواء ، كان أبو ياسر يفكر بعائلته التي تركها في البيت تنتظر عودته محملاً بحاجياتها الكثيرة ، ويفكر بالوضع الاقتصادي المزري الذي ازداد سوءاً بعد بدء المظاهرات التي عمت سوريا منذ منتصف آذار الماضي و انتشار الدوريات و الشبيحة في الساحات و الشوارع و على مفاصل المدينة و الدبابات و المجنزرات في الساحات الرئيسية و القناصة فوق البنايات العالية ، و بينما هو يفكر بشهادته الجامعية التي تزين جدار غرفته منذ تخرجه قبل أكثر من عشرين سنة و لم يستفد منها شيئاً ، و بيت والده في حي الصليبة الذي بيع بعد وفاته لتاجر صاعد من أقارب الأسد ليقيم عليه مشروعاً تجارياً ضخماً ، و من حصته في الإرث الذي استأجر منه شقة صغيرة و تزوج بها و وفر بعض المال ليعمل به ، و كم حاول تنمية هذا المال ؟؟ و دخل عدة مشاريع و تعرض لمحاولات متكررة من النصب و الاحتيال ، و استقر به الحال بما بقي معه من النقود أن يحافظ عليه و يشتري هذه السيارة الصغيرة و يعمل عليها بنفسه بعد أن فقد الأمل بالعمل بشهادته الجامعية ، و قد أضاع سنين طويلة و هو يتوسط و يرشي المسؤلين و المدعومين من أقارب الرئيس و حاشيتهم دون طائل
و بينما كان يدور شريط الذكريات في مخيلة أبي ياسر التعبة المنهكة ، إذ فتح باب السيارة شاب عشريني أرعن قبيح المنظر و هو يقول :
- بكم بتوصلني للقرداحة؟ و رغم أن أبا ياسر لا يحب الذهاب لمثل هذه المشاوير ، لكنه بعد يأسه من زبون آخر أجابه :
- حاجتك 600 ليرة
- ما في غير خمسمية
- ولاك طلاع أحسن من هالوءفة
صعد الشاب العشريني السيارة و أغلق باب السيارة بقوة و استهتار، و ما لبث أن أخرج من جيبه جهازاً خلوياً ضخماً و أخذ يلعب به و يعرض صور عشيقاته و خليلاته و نزواته و سهراته ، ثم بدأ يعرض لأبي ياسر بعض الفيديوهات التي تشير لبطولاته و مغامراته مع الشبيحة في قمع التظاهرات في أحياء اللاذقية و قراها ، فسأله أبو ياسر :
- ليش شو بتشتغل ؟
- كنت شغال عتال بالمينا و هلق متفرغ مع قوات حفظ الامن
- يعني مع الشبيحة
- متل ما بدك سميهم شبيحة شبيحة
- و تركت شغل المينا
- لاء معاشي ماشي هنيك ، بس مفروز عالأمن ، هون اربحلي ، كل يوم باخد 10 لـ15ألف ليرة حسب الشغل
لعنه أبو ياسر في قلبه لعنة كبيرة و كم فكر أن يصطدم سيارته في جدار و يضحي بنفسه مقابل قتل هذا الشبيح القبيح و لكنه استغفر الله وقال في نفسه : ما هو إلا شبيح صغير ، متلو و أمتال ، الله يخلصنا من رأس الأفعى ، و أصل بلاء البلد كلها 
أراد أبو ياسر تغيير موضوع الحديث الذي أزعجه كثيراً فقال:
- كم اشتريت هذا الخلوي الجميل
- اشتريتو من كام يوم بـ 25 ألف ليرة
- بـ 25 ألف ليرة ؟!
- أي هذا جوال و كمبيوتر و كاميرا و كل شي
لكن الشبيح عاد لموضوعه الأساسي و قال بحقد دفين :
- بدهم يغيروا بشار الأسد ، ولاك هذا رب ، هذا ما بتغير ، الله بيتغير و هو ما بيتغير
استغفر أبو ياسر ربه في قلبه و هو يسمع هذا الكلام الفاجر و تمنى لو سد أذنيه و لم يسمع مثل هذا الكلام
سار الوقت بطيئاً على أبي ياسر ، و هو يستمع لقصص و بطولات و مغامرات هذا الشبيح السفيه ، و لا يستطيع أبو ياسر الرد إلا بهز رأسه ، و كلما شعر الشبيح بتضايق أبي ياسر من حديثه كلما تبجح واستمر في كلامه البذيء الممل
و كم كانت فرحة أبي ياسر كبيرة عندما قال له الشبيح :
- وقف عندك نزلني
- تفضل انزل
نزل الشبيح مسرعاً دون أن يدفع الأجرة و أغلق باب السيارة بعنف ، فصرخ أبو ياسر:
- الأجرة
- شو؟!!  روح  ما في مصاري
- يا عمي لسه ما استفتحنا اتفءنا على 500ليرة بس
- أي روح خدها من شيخك العرعور
- ولك يا عمي شو بدي أنا من العرعور و غيرو أنا عم اترزق الله ، اولادي عم يستنوني و الله من أسبوع ما عندي جرة غاز و لا حليب لابني
- شو ، هنت ما بتفهم ولا ، عم تسب الرئيس قدامي ، عم تقول ما في غاز ولا حليب ، بتمشي ولا وديك للفرع
عض أبو ياسر على جرحه و سار هائماً على وجهه و هو يلعن الساعة اللي شاف فيها هالوجه ، و عم يلعن الشبيحة و أبو الشبيحة و الأسد و أبو الأسد اللي خلو هالناس الواطيين يتجرؤوا عليه
و عندما مر أبو ياسر على مزار المقبور حافظ الأسد أخذ يتمتم ويقول:
- أجمل ما قاله الثوار في مظاهراتهم : يلعن روحك يا حافظ ، فهو اصل البلاء في هذا البلد ، لقد حول سوريا إلى مزرعة لآل الأسد ، و جعل هؤلاء الشبيحة كلاباً على أطراف هذا المزرعة ، إلى متى يا رب نبقى في هذا الذل و الظلم ؟، إلى متى يتسلط عليها هؤلاء الأوغاد ؟، و الله إننا رجال ، لكننا عزل
و بينما كان أبو ياسر يلعن حظه العاثر الذي أوقع هذا الشبيح الوغد في طريقه ، و إذا بجوال يرن على الكرسي الذي بجانبه ، نظر أبو ياسر على الكرسي ، فإذا بالخلوي الذي كان يتباهى به الشبيح قد نسيه في السيارة ، رفع أبو ياسر الخلوي مستغرباً ، ضغط زر الرد :
- مين ؟!!
و إذا بصوت الشبيح السفيه يرد بصوت خافت و مؤدب :
- أبو ياسر نسيت الجوال معك ، إذا ممكن ترجعلي ياه
- و الأجرة ؟!!
- عم امزح معك يا رجل ، ارجع بعطيك ياها
- بس قلتلي روح خذها من شيخك العرعور
- هنت ما بتلقى مزح
- لاء ، بلءى ، و رح امزح معك نفس المزحة ، روح خذو من ربك بشار ....




مركز الدراسات الإستراتيجية لدعم الثورة السورية
(117)    هل أعجبتك المقالة (113)

م.عبدالرحمن الحمصي

2012-05-07

شكرا للكاتب على النهاية السعيدة وليهنئ أبو ياسر بموبايل الشبيح.. وسوف لن نهنئ في سوريا إلى بعد سقوط العصابة بالكامل واسترداد حقوق الشعب كاملة..


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي