أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

النظام السوري من الإستبداد و الطائفية إلى التمييز العنصري ... مروان سليمان

بدأ الاستبداد في سورية عندما إتنتقلت الدولة من كونها تعبيرا عن إرادة الشعب السوري وأداة للحكم بين أبناء هذا الشعب إلى مصادرة هذا الحق في التعبير وخاصة عندما تحولت هذه الأداة بيد شخص الحاكم فقط، و في خدمة مصالح فئة معينة من الناس وهم أيضاً من المستفيدين ومن بطانة هذا المستبد.
و هذا الحكم المطلق هو حكم جماعة ضيقة و حكم أسرة واحدة ذات صبغة طائفية تحكم البلد و ترث السلطة في دولة جمهورية يسيطر الحاكم المطلق المستبد بذاته على مفاتيح السلطة ، دون الأخذ بعين الاعتبار رأي الشعب ومصالح المواطنين، و إضمحلت فيها ا لقوى السياسية و الاجتماعية و حتى المعارضة منها، و تحولت من وطن لشعب إلى شخصنة الدولة و تحول النظام السياسي و الإقتصادي بكل مؤسساته إلى أداة بيد الأسرة الحاكمة المستبدة فقط و التابعة لإرادة هذا الواحد المستبد ، و تم تفريغ القانون و الدستور من محتواه ليصبحا في خدمة رأس الدولة و من يدورون في فلكه ، و حدث إنفصام بين المجموعة الحاكمة المستبدة و بين الشعب السوري المغلوب على أمره من قبل تلك السلطة على شاكلة العصابات، نظام منغلق لا ينفتح إلا على نفسه و ليست لديه القدرة على التجديد الذاتي،ومهما تكن القيادة فتية و مهما حاول التغيير فإنه يأخذه من القديم البالي المهترئ و هو من إنتاج ما فعله الأب المقبور، و من هنا فإنه لم يعد يفيد تغيير الدستور أو تعديله بتغيير أهداف الشعب نحو الحرية و الديمقراطية ، فلا بد من البحث عن قوى سياسية و إجتماعية بالتحرك عملياً كالمظاهرات و الثورات السلمية و الإعتصامات و العصيان المدني من أجل إخراج الدولة من الشخصنة و العائلة، حتى تعود الدولة الممثلة للشعب الوطني الحر، يحكمها من يستطيع أن يراعي الشأن العام للمواطن و الشعب.
و النظام السوري المستبد الذي يحكم سورية بحلقة شديدة الضيق بالنسبة إلى الأفراد الممسكين بزمام الدولة، و كلما زادت دائرة الضيق هذه كلما زاد التضييق على المعارضة خصومهم السياسيين، حيث تم إستخدام العنف مع القوى المعارضة و الداعية إلى التغيير و تم تصفيتها و تهجيرها إلى الخارج،لأن شخصنة الدولة أصبحت القيادة فيها لعائلة الأسد و من قبل أفراد محدودين ، وهنا فقدت الدولة مصلحتها ؛ لأنها اقتصرت على مصالح الشخص الحاكم و حاشيته ،وزاد النظام استخدام آلة الدولة الأمنية لقمع أي حركة مخالفة في مهدها كما حصل في حماة في الثمانينيات من القرن الماضي،هذا النظام الذي يستخدم عنف الدولة الذي يعتبرالحل الجاهز دائما والسريع لمواجهة أي تحرك أو أي تجمع ولو في مهده، لإجهاض ما يتكون ولردع ما هو في طور التكوين.
و هذا ما كان يستدعي من المعارضة السورية أن تتوقع عنف الدولة و أن تتحمل عنف الدولة دون الرد عليه و أن تتقبل هذا العنف بالقدرة على المواجهة السلمية و وحدة القوى المعارضة ضد المستبد الطاغي ، لأن العنف الذي يمارسه النظام السوري و أجهزته الأمنية و شبيحته تصدر أوامره من إرادة سياسية و قرار سياسي لا يملكه غير القابع في قمة الدولة المشخصنة المتمثل بالرئيس.
يقول غاندي: إن الحاكم عندما يواجه الحركة الشعبية السلمية بالعنف يكون كمن يضرب الماء بسيفه ليقطعه، فالعنف لا يهزم الحركة السلمية مهما آذى رجالها.
مهما كان الحاكم ذات سلطات مطلقة،. لا بد للحاكم من الشرعية، و هذه الشرعية تستمد من الشعب
ويلاحظ أن علاقة الحاكم بمحكوميه أشد احتياجا؛ لأنه لن يكون حاكما بغير طاعة المحكوم.
تحركت الشعوب في حركة سلمية احتجاجية في تو نس و مصر و ليبيا لتعبر عن الرفض الشامل لحكم النظام المستبد ، وكانت هذه الحركة شاملة وسلمية رغم ما لاقوه من عنف الدولة وأجهزة القمع فيها، ولكن الإصرار على الفعل الاجتماعي السلمي ما لبث مع مضي الوقت أن فصل بين قيادة الدولة صاحبة القرار وبين أجهزة التنفيذ والضغط، فانحل وثاق الدولة، وكان امتناع أجهزة القمع عن إطاعة الأوامر بالضرب هو في ذاته إنهاء للنظام السياسي.
و الوضع في سورية مختلف تماماً عن باقي الدول لأنها تقوم على الحكم الطائفي من قبل السلطة الحاكمة و تم بناء القوى الأمنية و الجيش على قواعد و أسس حساسة جداً بحيث يسيطر النظام و بدائرة ضيقة قدر الإمكان على جميع مفاصل الدولة نتيجة تسليم المراكز الحساسة في الدولة إلى طائفة معينة و تخويفها من المستقبل المنظور إذا ما تم تغيير نظام الحكم و لذلك تستميت هذه الفئة الحاكمة في سبيل بقائها على سدة الحكم.
و عندما يضرب النظام السوري المظاهرات السلمية إنما يقصد إلى أمرين: أولهما القضاء على الشعور الشعبي الموحد ، سواء كان سياسياً أو اجتماعياً ، وثانيهما القضاء على التعبير السياسي أو الاجتماعي المتمثل بالحركة الشعبية السلمية في الساحات العامة، وفي الشوارع والميادين وغير ذلك،
وعلى الشعب السوري أن يفكر بمواجهة السلطة المستبدة جماعياً من خلال القوة الفاعلة بالمظاهرات المليونية و مشاركة كافة أطياف الشعب بغض النظر عن إنتماءاتهم ، لأن الفرد في التجمعات القليلة يشعر بالضعف و عدم الأهمية إلا من خلال المشاركة الجماعية و التجمعات البشرية التواقة إلى الحرية و الديمقراطية و العدالة الإجتماعية التي بمقدورها أن تقلب الموازين و تجلب التغيير مقابل هذه السلطة القمعية التي تتكون من عصابات الأمن و الشبيحة و ذات تشكيل هرمي تخضع لإمرة رجل واحد.
إن النظام السوري المستبد لن يبقى قويا إلى الأبد أو مدعوما من قبل دول مثل روسيا و الصين إلا بقدر تشتت قوى المعارضة ، و على هذه القوى المعارضة أن تجد طريقاً لتوحيد صفوفها و لو على أضعف المشتركات ، لأنه عليهم أن يفهموا جيداً بأن الحاكم لايعطي المواطن حقوقاً يجعله يقوى به على الحاكم.
والقمع الذي يواجه به النظام ضد التجمعات الشعبية فعل منتظر ومتوقع، وما دامت الثورة و التجمعات الشعبية و الإعتصامات مستمرة مع تحمل التكاليف المترتبة على ذلك، ومع التصميم على الالتزام بالممارسات السلمية الخالصة، فإن القمع هنا ما يلبث أن يؤدي إلى عكس النتائج المتوقعة منه،تزامنًا مع تنامي الغضب الشعبي السوري على النظام من خلال التماسك الشعبي والتجمعات و المظاهرات و الإعتصامات من جهة، وزيادة التفكك وضعف الترابط بين إرادة الحكم وبين أجهزة التنفيذ، وبه تزداد المعارضة قوة جماهيرية وتزداد الإنقسامات و الإنشقاقات في صفوف المدافعين عن النظام الطائفي العائلي مما يزيد في سرعة سقوطه.

25.04.2012

المراجع: موسوعة الإستبداد

(89)    هل أعجبتك المقالة (105)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي