
"ثوار السلم"... أدونيس.. زياد.. مرسيل...

انهض يا ثائر يا ثائر يا عاصف زندك
فالأغاني تشتهي تعشق فندك
الكلمات للشاعر أحمد سعيد إسبر المعروف باسم الأسطورة الفنيقية "أدونيس"والألحان والغناء لمارسيل خليفة.
أما الثائر المزعوم في القصيدة المُغناة تلك، بقي سابحاَ في بحر العوام، ينتظر التوقيت المناسب، وفي أفضل تخصيص، كان المُستمع المُتأثر بلحن مؤجج للعواطف.
كلمات عاصفة تبدأ غالباً بـ"يوما مويل الهوى"، فيُظن أن المقصود هو الفلسطيني الثائر الذي كُتبت آلاف الأعمال الفنية باسمه، في بعض الأحيان... دون أن تتعدى كونها أعمالاً صَعَدت على هامش القضية التي وحدت الشعوب العربية في عدائهم لقاتل أخوانهم.
وحين أصبح لكل بلد عربي قضيته وقاتله وثورته الخاصة، صمت بعضٌ من "أصحاب القضايا الكبرى" من فنانين وشعراء أولئك الذين عرفوا بأعمالهم ذات، " الطابع الوطني!"، وفضّلوا عدم الزج بأنفسهم في مواقف تُحسب مع أحد الأطراف المتنازعة. ... باعتبار" انه أفضل المواقف الآنية وأسهلها، وأقلها تكلفة من وجهة نظرهم غير المُعلنة".
الثنائي أدونيس - مارسيل لم يكن الوحيد الذي انتظر منه "جمهور القضايا" الوقوف إلى جانب ثورة شعب ضد حاكم غاشم، وإذا كانت الثورتان التونسية والمصرية لم تستمرا أكثر من أيام ..اقتصرت مواقف الفنانين تجاههاعلى أبناء البلد، فإن الثورتين الليبية واليمنية بقيتا لأشهر ولم نسمع من هؤلاء المعروفين بمواقفهم المؤيدة لحقوق الشعوب أي تصريح واضح !. غير أن الأكثر إحراجاً لا شك هو الثورة التي لم تنته بعد... ثورة الحرية في سوريا

ثوار أم عبيد
وفي حالة الثورة السورية التي يرفض العديد تسميتها بـ"الثورة" حتى من المُعارضين أنفسهم، تبدو الأمثلة صارخة جداً في تخلي نخبة ثوّار أيام السلم عن الشعب المُسلح منه وغير المسلح، فما أنفك شاعرٌ سطّر أروع الدواوين عن نقد الأنظمة مثل نزيه أبو عفش، في بث مخاوفه من المتطرفين ووصف الثوار السوريين بالعبيد.
وفي قراءة عميقة لفكر أبو عفش يجد المرء أن ابن مرمريتا هو رجل مفكر وجريء من جهة.. لأنه قال رأيه في زمن يذهب الجميع لاستسهال الرمي بالخيانة على كل مخالف للرأي ( أبرع من رام لذلك هو النظام نفسه)، ومن جهة أخرى هو يرى نتيجة الحراك قبل انتهاءه ويبحث في وجه واحد له لا في أوجهه كافة ولا في أسبابه.
وفي أبسط قاعدة لحل أي مشكلة يجب أن تعرف السبب لتصل إلى نتيجة أفضل، وقد يكون صاحب ديوان"عن الخوف والتماثيل" على حق من وجهة نظره في تخوفاته، ولكن يتسأل كل من قرأ له صرخته الافتراضية أمام رجل المخابرات "نتشابه في كل شيء.. في كل شيء.. لكن سامحني : تحت قميصي قلب.. وتحت قميصك.. مسدس"، لماذا لم يُثر الرجل الستيني موت أي طفل ليكتب له قصيدة؟؟
وفي العودة إلى مرسيل خليفة الذي أحيّا في السنوات الخمس الأخيرة عشرات الحفلات في سورية ووجد سوقاً ممتازاً اعتبر من الاكثر جماهيريةً في الوطن العربي، فصاحب نشيد الحرية انتظر حوالي سنة على بدأ الثورة في سورية ليلمح تلميحاً وفي مجالسه الخاصة أنه ضد قتل الأبرياء.
ثم وككليشة عامة قبل كل حفل وعند أغنية "عصفور طل من الشباك"لأميمة خليل يهدي العمل لجميع المعتقلين في السجون الإسرائيلية والسجون العربية، هذا العام أضاف لها بضع كلمات بما يتناسب مع الربيع العربي، فأهدى تحياته لجميع الثوار العرب، جميع الثوار؟ بدون استثناء....
ولكن هل هذا يكفي لأولئك الذين آمنوا بأغنياته ومواقفه تجاه القضايا التي غنى لها، وحين وصل الدور على قضيتهم صمت! . ما هزّ الصورة أكثر في ذاكرة البعض هو الأنباء التي أشارت إلى طلب خليفة لمبلغ 30 ألف دولار لقاء حفل خيري دعته إليه جمعية موزاييك. والتي لم ينفيها أو يؤكدها.
أما أدونيس فيبدو ومع كل الاحترام لتاريخه ...بان رأيه المُنتهي إلى كونها ثورة تخرج من المساجد، هو الذي لم يعش الحياة السورية منذ عشرات السنين، بالتالي هل يمكن مناقشته؟ ألم يعلم ان النظام لا يسمح حتى لتجمع مدني صغير؟! وأنه يعتبر المناقشة السياسية حراماً. وكفراً به؟!
وينسحب الانتظار السوري ذاته إلى فنان آخر لم يبخل عنه جمهور دمشق وأخواتها بأكبر عاطفة مُنحت لرجل من آل الرحباني بعد وفاة عاصي ومنصور، بالتأكيد هو زياد الذي دُعي قبل نحو عام لاعتصام يُعبر به ولو صامتاً عن تأييده لمطالب السوريين يوم كان النظام يضطر لوضع السلاح بين صفوف السلميين.
أما زياد صوت المقهورين والمعذبين؟!، لم ينبس ببنت شفة عن الأوضاع السورية.
وهذا يقفز السؤال في رؤوس من أحبوا صاحب "عايشة وحدها بلاك"
ألا يستحق الشهيد السوري عملاً..يشابه ما كان يتناول زياد العامل السوري بالوقوف إلى جانبه في العديد من الاسكيتشات (سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي)
بالتأكيد لا ينتظر الثوّار في سورية أي دافع معنوي للاستمرار في مساعيهم، لأن ما يفعله النظام هو الدافع الأول لحراكهم منذ البدء وحتى وصولهم إلى الحرية، ولكن صدمتهم في أصحاب المبادئ تجاه أزمتهم الإنسانية أولاً، كانت كافية ليعيدوا النظر بتاريخ هؤلاء...ويحاصروا كل منتجاتهم .... بالسؤال هل كان فصاماً بين التجربة والفكرة ؟ أم أنهم ثوريين أيام السلم بانتظار التوقيت المناسب!.
يتنكر لسوريته
عابد عازريه مغني صوفي من مواليد حلب 1945، أحيّا عدداً من الحفلات في سورية، لعل أبرزها افتتاحه لتظاهرة دمشق عاصمة الثقافة العربية عام 2008، وكان قضى معظم حياته في باريس غير أن الولادة والنشأة كانتا في سوريا. فهو مذ عام 1976 أمَّ بلاد العطور.
عازريه الذي ما أنفك يتغنى بالنصوص الأندلسية .. وعند سؤاله في لقاء مع راديو فرانس ميوزك" عن الأحداث في سوريا، باعتباره منها -كما يقوي المحاور حجته في اختيار هذا السؤال-، يستدرك عازريه فورا المذيع بالقول إنه ولد وترعرع في سوريا، وبعد ذلك أصبح مواطناً فرنسياً من أصول سورية، وليس مواطناً سورياً مقيماً في فرنسا، وليس لديه العقلية السورية،ولا ثقافة المطبخ السوري.
ولدى سؤال المذيع ما إذا كان يحمل شعوراً وطنياً كسوري، يجب بتنكر متلهف "أبداً ابداً"..، وأنه عمل مصادفة على نصوص للشاعر أدونيس.
عواد حمدان- زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية