أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

رسالة أثاربية .. إلى حمص العدية

عزيزتي حمص .. الكتابة إلى من أحب شكل من أشكال العشق ، فلا يمنعني من الكتابة إليك الرقابة الأمنية ، أو الحواجز العسكرية .
أيتها الحبيبة المسافرة في الحزن والغبار .. في القتل والدمار .. في الصبح والأسحار .. هل تسمحين لي أن أضع يدي على جبينك المتعب لأتلمس قطرات العرق ، وأزيل الغبار الكثيف الذي غطى وجهك الجميل ، وأن أغسل ما سال من دم أبناءك الطاهر على أرصفتك وشوارعك ؟ .
أيتها الغالية الباسلة .. أعلم أنك مشغولة الآن بلملمة جراحك ، وأعلم أن جراحك عميقة ، وغير مندملة ، وأثق أن ما حل بك هو لرفضك منطق الاحتلال ، والقبول بالإذلال من العصابة الإجرامية الأسدية .
فجلادوك يا عزيزتي ، هم بشارون .. ساديون .. يتلذذون بكل صرخة تنطلق من فم معتقل في أقبيتهم الأمنية ، وما رفعهم لشعار المقاومة والممانعة وغيره هو أجوف مقعور يختبؤون بداخله للمتاجرة ، وتحقيق المكاسب ، وما الاستمرار في ظلمهم وغيهم وإجرامهم إلا لبسط نفوذهم على الجغرافية السورية ، واستباحة كل ما تقع عليه أعينهم ، حتى سموا كل شيء باسمهم .
فهم من دمروك ، وصبوا نار غضبهم ، و حقدهم ، وأطفئوا النور الساطع من مآذنك ، وكنائسك ، والذين رملوا نسائك ، ويتموا أطفالك ، وهجروا أبنائك إلى مخيمات يقتاتون على ما تجود به أنفس الخيريين بعد أن أفقدوك الأمن والأمان وتركوك تأنين أنت وأخواتك المكلومات تحت مطرقة مذهبية طائفية مقيتة ، وسندان أممي تخاذلي بامتياز ،وأنت ما فتأت صباح مساء تبتهلين ، وتدعين إلى الله .. اللهم أهدي قومي فإنهم لا يعلمون .
لكن ..لا تحزني ، ولا تجزعي فأنت يا حمص الوليد درة بلاد الشام ، وأنت للثورة عنوان .
ليست كل البلاد يا باسلة ، تعرف كيف تستشهد ، ولا تعرف كيف تقرأ ثقافة الاستشهاد، أو تتحمل سوط الجلاد ، وتقاوم الأوغاد .
الشعوب يا عزيزتي ، هم بشر .. لهم أخلاقهم ، وطبائعهم ،و أمراضهم ، وأفراحهم ، وكرهم ، وحبهم .
ثمة شعوب تحلم بتغير العالم بكبسة زر ، وثمة شعوب ترى العالم من خلال وقفة عز .
ثمة شعوب لا تريد أكثر من كسب الرضا ، والالتفاف على موائد الحكام اللئام ، لتحظى بفتات الطعام ، ولا يعنيها الذنب أو الغفران ، أو القهر والذل والمهان.
ثمة شعوب لها شموخ أشجار السنديان .. التي لا تخشى الطوفان .
ثمة شعوب باعت هويتها ، وغيرت جنسيتها .. وأصبحت تتقن فن القفز فوق الأشلاء ، وتتلون كالحرباء ، وتتاجر بالدماء .
وأخيرا ، ثمة شعوب يسكنها الخوف ، ويستبطنها الهوان ، وتعيش في صقيع الأذهان .
عزيزتي حمص الصامدة :
لقد شاهدت في وسائل الإعلام الأرضية والفضائية المسموحة والممنوعة ، صور ومشاهد تشيب لها الغلمان من الموت المنظم الذي لحق بك بصمت أممي مطبق ليس له مثيل إلا صمت أهل القبور ، ومن جامعة عربية ليس لها نصيب من اسمها , وهي برسم البيع ، أو الاستثمار، ومن مجتمع دولي يتاجر في سوق الدم العربي السوري الرخيص .
يريدون يا صامدة أن ينهون زمن الفرح ، ويقتلوا الحلم بالحرية قبل التكوين.. فقد روعوا سكانك ، وصبوا لهيب نار حقدهم على أحيائك ، ومساجدك ، ومنازلك ، وساحاتك ، ومستشفياتك ، وعصافيرك ، وأشجارك ، وبهائمك ، وأطفالك ، وشيوخك ، ونسائك ، حولوها إلى كتلة من الدم والرماد ، هولوكست حقيقي .. فساد في الأرض ، وهلاك للحرث والنسل .
لا أريد أيتها الحبيبة ، أن أثير أشجانك ، ولا أن أنكأ جراحك التي لا تزال تسيل كشلال دافق .
كل ما أريد أن أقوله لك يا عزيزتي .. ما قيمة العربي والمسلم إذا لم يناصر أخاه ، ويقف إلى جانبه في السراء والضراء ؟؟
ما معنى العروبة إذا لم ترفع في وجه الظالم .. المستبد .. المتغطرس .. المجرم كل البطاقات الحمراء ؟؟.
يا عروسة الصمود والثورات .. لك وللشهداء ، وللثائرين الصامدين نقدم التحية من أختك مدينة الأتارب المحتلة المنسية ، واعلمي أننا نقاسمك كل الآلام والآمال ، ولا نملك لك إلا يراعنا وقلوبنا وإيماننا ، ونقول لك : دعي كلام الحاقدين الكارهين ، وانتفضي من تحت الركام كطائر العنقاء لأنك خلقت لتكوني كبيرة .
إن الإنسان أهم من المدن .. والإنسان هو الذي يعمر الأرض ويشيد البنيان . المهم ألا تسقط إرادة الإنسان .. المهم هو إنسانك وساكنك وثائرك أنت .. لا المدن والبيوت التي نسكنها من حجارة وطين .
إن الإنسان السوري كالإنسان التونسي ، والمصري ، والليبي ، واليمني ، كأي إنسان ينشد الحرية في كل مكان .
المهم أن يبقى هذا الإنسان واقفا على قدميه .. مغروسا في أعماق الأرض كالرمح عصي على جلاده وسجانه ، منتزعاً لحقوقه بيده .
صحيح أن الأمن ، والشبيحة ، وعساكر بشارون أكلوا لحمك ، وكسروا عظمك ، و هتكوا عرضك ، و هدموا بيتك ، واغتالوا وذبحوا طفلك وأوثقوا قيدك وحاصروا واعتقلوا و أرهبوا وأرعبوا شرفاء سكانك .
صحيح أنهم استطاعوا أن يكسبوا في مجلس اللا أمن ( دبل فيتو ) ، ووضعوا القانون في خرج جوقة المهرجين ، وعلى أوتاره عزفت ألحان المونقين ، ونعقت أصوات المستأجرين .. المتآمرين .. المنتفعين .. المسبحين بحمد السلاطين ومنهم روسيا وإيران والصين .
صحيح أنهم دمروا المساجد .. وأحرقوا سجادها ، وقرآنها ، وقطعوا أعناق مآذنها بقذائف مدرعاتهم وطائراتهم التي نحن من جوعنا دفعنا أثمانها على مرأى ومسمع العالم ، وبمباركة من علماء السلطان ، الذين برروا ، ومرروا ، ونافحوا ، وتاجروا ، وحللوا ، ولم يحرّموا .
صحيح أنهم انتقموا من كل حجر ، ومن كل باب ، ومن كل شجر ، ومن كل غيمة عابرة تحمل المطر .
صحيح أنهم استخدموا كل ما توصلوا إليه من علوم القتل والفبركات وتلفيق التهم وتوزيعها على المحطات ، التي لا تعرف من الإعلام إلا الاسم بين القنوات .
صحيح أنهم أغرقوك في ظلام دامس ، وقطعوا الكهرباء عن مستشفياتك ، والاتصالات عن هواتفك .
مع كل ذلك لم يستطيعوا أن ينتزعوا منك ثقافة الحياة ، لأنك تسطرين ملاحم حقيقية في البطولة والتضحية والفداء ، وسوف تنشرين أريج عطرك على كل المدن العربية برائحة الحرية ، وستتحدى هذه الرائحة كل العطور العالمية .
وأخيرا :
يا عشاق الحرية : قفوا على أبواب حمص العدية ، وقولوا لها :
لله درك يا مدينة ابن الوليد .. يا حمص الأبية .

الأثاربي
(103)    هل أعجبتك المقالة (100)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي