أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

نقد في , إمرأة في حالة إنتظار

المذهب السمحاني


من أشهر قد خلت و العقل منهك ,
وهو في حوار دائم مع الحرف , و صراع مع الكلمة , و تجييش مذهل مع الأفكار , من فحص و قياس و مقارنات , و تحليل و إستنباط و إستشراف , من معانٍ و مغازٍ و مضامين , وفي لجة صراع العقل و الفكر الوارد ورود الإبلِ للغدير , هنا في ضجيج العقل الباحث في ثنايا الخلايا عن المباديء السياسيةِ و دراساتها و مقارناتها , كل هذا لترسم لشعب و لأمةٍ سطر مشرق من حضارتها , وهي مفاهيم حزبية على أمل أن يلد في الشرق حزباً , ليرضي عامة الشعب و الأمة . و ليزهر شيئاً عظيماً . بزمن الحشيش العربي الغربي .
وفي هذهِ اللجةِ , و إذ في المجموعة القصصية الثانيةِ , للشاعر و القاص المحامي موسى سمحان الشيخ , تسكن محاذاة سريري , و تنتظر الفرصةِ للغوص في عالمها , و أقرأ لصديقنا الطيب الفذ ما جادت بهِ لنا قريحتهُ في المجموعة الثانية ( أمرأة في حالة إنتظار ) وهو صاحب ثلاثة دواوين سابقةٍ و رائعةٍ , و للتذكير بها هي , أمي إذ تعانق ريحها , و تضاريس الجرح النازف , و لم تزل نوافذ المطر تضيء , و مجموعتهِ القصصية الأولى التي نالت شهرة متقدمة , رجل يريد أن يحيا ,
و اليوم هذا نحن معاً ندخل بهذه المجموعة الثانية , أمرأة في حالة إنتظار , و قد أنتظرت على مقربةٍ مني لحين و لأجل محدود , وحتى أخرج من حالةٍ نفسيةٍ , لحالةٍ أخرى تستقبل الفكر الأدبي , و الفكر الأدبي بحاجةٍ دوماً لطقس و طقوس للدخول إلى محرابهِ و الخشوع في معبدهِ , فلا يجوز أن تقرأ الأدب و أنت مشتت الأفكر , و ضائع في متاهات الحياة , فالأدب حياة تتجلى فيها عوالم قد خلت تعجُ في الإبداعات الموضوعية للسلف من أهل الأرض , يجب أن نحترمهم و إن كانوا ليس بيننا , إذن كان بي أن أخرج من حالةٍ نفسيةٍ لتناسب الفكر الأدبي الذي طرح بين يدي , و كأن شاعرنا و كاتبنا قد قالها لي ,
خذ كتابك أيها الفتى و أمضي .
وها أنا هنا لن أتحدث كناقد تقليدي , أبارك هنا , أتذمر و أذم هنا , و أعلق هنا معجباً أو رافضاً أو مصححاً , أبرز محاسن هذه القصةِ , و أغمز بسيئات تلك , لا فهذا نقد تقليدي عفى عليهِ الزمن و غير بناء , وغير مستصاغ للنفس الأبيةِ و الأدبية ِ , إنما همي و هدفي الأسمى النظر للفعل كفعل ومن منظار علمي فلسفي , يسعى للغوص في الحدث و ما وراء الحدث , و طبيعتهُ و سلوكياتهُ المتأتية من الموروث لدى الإنسان , فهذا يظهر لنا ماهية تلك الأزمان , و أنماط الفكر تلك الأيام لنفهم مجرياتها و حثياتها و خفايا الذات .
فقلت عندما تناولت الكتاب , مستعرضاً قصصهِ في قراءتي للمرة الأولى , يا لهذا القاص الإنسان كنهر جارف دافق , و للحقيقة لقد تمتعت و تذوقت و تعلمت , ولماذا لا يتعلم الإنسان من المهد للحد , وكنت في مدرستهِ الطالب المهذب الخجول , يستمع بكل شغفٍ و حبٍ للدرس و معلمهِ , و أخيراً أكتشفت , ينابيع و جداول وافرة و عامرة العطاء تغذي النهر السمحاني , مما جعلهُ قاص وافر الفكر مبدع حتى حدود الأبداع , غني في مفرداتهِ الأدبية الخلاقةِ , لذيذ في الطرح للمذاقات الأدبية , يسحبك في عوالم الأخرين , وبين الفينة و الفينة , يدفع لك عبارة محببة لتخرجك عن النص و تبعث فيك الضحكة و المسرة و السعادة , و بروح النكتةِ ينكتها نكتاً كمن على شغف القلبِ يلصقها رسماً و وشماً , هنا تذكرت القاص اللبناني الشعبي الشهير في هذا النمط القصصي , هو إسلام الراسي , من قرية إبل السقي , من الجنوب مرجعيون .
وكلاهما عذب المعاني و بشفافيةٍ لترتوي فكراً و علماً حتى النهاية ,
و إن قيل لي من هو السمحاني , أقول بتواضع جم , اليوم لقد برز لنا سيد القصة العربية الفلسطينية , فإن قلت عنهُ يوماً بأنهُ محامي القضية , فاليوم هو يوم تاريخي للقضية , فهو قاص القضية بلا منازع فلسطينياً , لكن هناك من ينازعهُ وهو إسلام الراسي اللبناني , وكلاهما من نفس الطينه و العجينه و الفصيلية الكنعانية , يتصارعون على مجد و تاج القصة القصيرة الشعبية لبلاد كنعان ,
وهذا هو الشاعر و القاص و المحامي موسى سمحان الشيخ , لا يتعب قارئهُ بل يأخذهُ بكل عفويةٍ لحقيقة الحدث و الحدثية , و أسباب السبب و السببية , فيعللها فتكون العلةِ و العليةِ , فلا دهاليز تُضيع القاريء , ولا جهدٍ جهيد يتعبه , بل تحبب لهُ متابعة القصص , إن كانت في مجموعتهِ الأولى , رجل يريد أن يحيا , أو بهذهِ , أمرأة في حالة إنتظار , ومن روعة القاص السمحاني , الدفع بلطفٍ و حنيةٍ للقاريء للأندماج في أحداث قصصهِ , و الشعور لدى القاريء بأنهُ جزء لا يتجزء من القصةِ و من شخوصها ,
فأين لنا كتاب للقصةِ يشرك القاريء في الحدثية و كأنه جزء من القصة , فهذا إبداع ما بعدهُ إبداع أدبي متميز , وعلى هذا يحسد كاتبنا على هذه الملكة الفكرية لإستقطاب روح القاريء معهُ في القصص هذه ,
هنا إن كانت الفلاسفة لهم نظرياتهم المخلدةِ , فاللأمانةِ و المصداقيةِ , يحق أن يقال مستقبلاً لكل قاص يكتب على هذا النمط القصصي , بأنهُ يكتب على النمط أو النظرية أو المذهب السمحانية ,
و إن قلت يوماً بكل أدب , بأن الشاعر القاص موسى سمحان الشيخ , هو محامي القضية , نعم هو محامي القضية , التي لم يتورع في الدفاع عنها بكل إنتماء و ولاء و عفويةٍ مطلقةٍ , هنا و إن قيل بأن آخر الدراويش هو شاعر القضية , عذراً أيها السادة , فالحقيقة لا , فهو كتب ليقبض فقبض مالاً و أعلاماً و شهرةٍ , أنما شاعرنا و قاصنا السمحاني , فقد كتب و من جيبيهِ دفع الثمن لتحيا القضية , و شتان بين مرتزق القضية , و صاحبها الذي يضحي بوقتهِ و سكينةِ و حياتهِ ومن دمهِ و مالهِ و معاناتهِ , و يقدم عن طيب قلب و خاطر لهذا إستحق ما يوصف بهِ من صفات الشهامة و النخوة لقضيتهِ المقدسة , ومازال ديك القضية يصيحُ كل فجراً حيا إلى الأقصى , ولم يكن من دجاجها المهجن بحثاً عن أعلافها .
وعلى التاريخ أن لا يخجل , إن وقف في بيت عسل قصة وردة في كتابهِ رجل يريد أن يحيا , أو بيت القطةِ الشقراء لاحقاً , ويجب على التاريخ أن يدلف البيت السمحاني كما القطةِ و المطر ,
إن قال قائل منكم , أهذا نفاق أدبي , لا أيها السادةِ قطعياً , فالفقراء لا تنافق الفقراء , و من يجلسون على حافة الكون , لا ينظرون و لا ينتظرون حمداً و لا شكورا من أحد , بل هم تولدوا ليتركون بصماتهم المضيئةِ في جبين الزمن و البشر , و كلانا في عوالم مختلفة الإتجاهات الفكرية , وما بين الفكر الفلسفي و الأدبي بون شاسع و بعيد و لا يلتقيان , لكن كنتُ في المدرسة السمحانية كطفلٍ صغيرٍ , قد تذوق حلو الأدب الأدب من خلال شفافية قاصنا المرهف , فمن إستطاع التأثير بي أنا شخصياً صعب التذوق و نافر من كل فعل أدبي متجعد متكلس , إلا يستحق الثناء و التقدير الجزيل , فكيف في الإنسان القاريء الآخر العادي , أكيد سيقف أمامهُ و يرتل الأحترام ترتيلا .
أيها القاص السمحاني , و الشاعر , و المحامي الطيب النبيل , عذراً لقد إختصرت , ومازالت عندي شذرات من الضروريات التي تبيح المحرمات , أنت تعلم إني أدخن سجائري بنهمٍ وولعٍ , أشتريها بلا قيود و حدود , و أعقابها في منفضتي جحافل كجند كسرى أنو شروان و القيصر , وعندما أمسكت أمرأة في حالة إنتظار , أشعلت أحدى سجائري , فراحت تجذبني قصة تلو الأخرى , كما تجذب الأزاهير نحلاتها , و مرت ساعات و ساعات , ومن غيبوبتي الإندماجيةِ الفكرية التي كتبتها لي و كأنها لي لوحدي , إستفاق هذا العقل المخدر من روائع قصصك و كأنها لاهوتية , و تذكرت سيجارتي , و إذ بي أكتشف بعد ساعات لم أدخن من سجائري شيء , و إن دل هذا و دلل , فيا سيدي أنت تستحق أن تنال أعلى مراتب القاص الشعبي الأنيق و الرائع المهذب في الفعل الأدبي , لكن لن ينصفك إنسان و زمان و مكان , كونك غير منافق ومن سكان باب السلطان , فالزيت لدى دبشليم قد شح في سراجهِ , وهو ينام على طبول و أنغام زرياب , فعذراً يا تاريخ الأدب العربي , فأنت مباح و مباع في سوق النفاق و العبيد .
الشاعر الفيلسوف , سامي الاجرب . 15/4/2012 عمان .

سامي الاجرب
(76)    هل أعجبتك المقالة (86)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي