واضحة هي لغة الخطاب التي يتوجه بها النظام السوري إلى شعبه سواء عبر القتل الممنهج وحملات الإبادة المتنقلة على جنازير الدبابات في المدن والقرى والبلدات السورية المنكوبة ، أو عبر ماتخطه أيدي ميليشياته على بعض جدران تلك المدن بعد الفتك بها وبأهلها من عبارات تضع للشعب السوري خيارين بين ( الأسد أو نحرق البلد ) أو ( الأسد أو لاأحد ) بكل ماينطوي عليه هذا الخطاب من صلافة وصفاقة ووقاحة وصلت إلى حد أن توضع سوريا بشعبها وتاريخها وحضارتها المتجذرة لأكثر من خمسة آلاف عام في ميزان واحد مع سلطة بوليسية مافيوية أخطبوطية تمكنت عبر نصف قرن من التنكيل والقمع من تفكيك البنى الأساسية للدولة وتحويلها إلى مجرد اقطاعات أمنية عسكرتارية مافيوية رهنت مستقبل الدولة كلها ككيان بمستقبل السلطة كأداة حكم وإدارة .. بحيث لاتزول تلك الأخيرة إلا بزوال الأولى ، ماوضع الشعب السوري أمام خيار مر فإما الإبقاء على ماأبقاه هذا النظام من بقايا دولة والإبقاء بالتالي على السلطة المهيمنة عليها وعليه ... وإما زوالها وزوال بقايا الدولة برمتها معها ! .
هو الإفنـــــاء من أجل البقـــاء إذا ذاك الذي يوصل العدد المعلوم حتى الآن لشهداء ثورة الحرية والكرامة إلى مايزيد عن أحد عشر ألف شهيد ... فهل بعد ذلك ثمة امكانية للتعايش والمساكنة بين مطلب الحرية وسلطة الإفناء والاستبداد ، من أجل الحفاظ على الدولة ؟
وهل من الممكن صياغة أرضية للتعايش بين مايرنوا إليه الشعب السوري من كرامة وحرية وتعددية سياسية وتداول سلمي للسلطة وتوزيع عادل للثروة .. وبين سلطة أدمنت الاستبداد عبر استفرادها بحكم البلاد لمدة تزيد عن نصف عمر سوريا منذ تكوينها الحديث بعيد الاستقلال مع مارافق هذا الاستفراد بالسلطة من استئثار بمقدرات وطن كامل لصالح فئة قليلة حولت الناس إلى رعية تعمل بالسخرة في مملكة القهر والصمت والإقصاء ؟؟!.
يبدو إلى الآن أن كل الحلول الترقيعية التي يجترحها عتاة الديبلوماسية الدولية (من غربيون وأمريكيون وروس وإيرانيون ) تقوم على فكرة استغباء الشعب السوري أو ابتزازه بمزيد من القتل والتشريد من خلال فسحات الوقت المديد التي يمنحها المجتمع الدولي للنظام عبر مبادراته التافهة وشهود زوره العاجزين وجلسات الشد والجذب والتكاذب في مجلس الأمن .. كل ذلك بهدف دفعه للقبول بفتات تنازلات وهمية يرشون الشعب السوري بها مقابل تعويم النظام بعد اجراء بعض العمليات التجميلية التي تزيل بعضا من قبحه وشيخوخته ... بدعوى الحفاظ على السلم الاقليمي وتجنيب المنطقة ارتدادات زلزال التغيير السوري ، باعتبار أن هذا التغيير – وهذه حقيقة لاجدال فيها – لن يمس فقط البنية السياسية والدستورية للنظام في سوريا ، بل من شأنه إعادة رسم ملامح الخارطة السياسية والاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط بكليته .
ويبدو أن هذه القوى لم – أو لاتريد – أن تدرك بعد مع الأسف رغم مرور أكثر من عام على ثورة الشباب السوري لاسترداد كرامته المسلوبة وحريته المستلبة ، أن مايريده الشعب السوري ودفع من أجله عشرات ألوف الشهداء من خيرة أبنائه ليس عملية تجميل لملامح حياة قبيحة بل عملية تغيير نوعي شامل في حياته وطرائق عيشه عبر التغيير في بنية حياته الدستورية والسياسية والاقتصادية والثقافية والنهضوية ولأجيال قادمة وبالتالي هي عملية ولادة حقيقية لسوريا جديدة خالية من القهر والأحادية والاستئثار وبالتالي لامجال في ذلك لأنصاف الحلول .. لأن نصف ثورة تعني بالضرورة قبرا جماعيا للمجتمع السوري كله ...
وهذا مايقودنا للقول بأن كل ماهو مطروح دوليا اليوم من مشاريع حلول لاتعدو أن تكون – حتى اليوم – مجرد حلول ترقيعية لحالة ماتزال مستعصية على الحل بسبب مراوحة دولية في المكان ناجمة ليس عن توازن قوى .. بل عن توازن مصالح وإرادات لاتأخذ في الحسبان – إلى الآن – إرادة الشعب السوري وتطلعاته في الانعتاق والحرية ... فالنظام السوري مايزال – حتى اللحظة – حاجة روسية وضرورة أمريكية ووظيفة اسرائيلية ومجال حيوي ايراني ... وتعبير صارخ عن حالة انعدام وزن عربي !!!
ولكن .. وعلى الرغم من كل حملات الترويع والإبادة التي تمارسها سلطة الاستبداد في رحلات عربدة عسكرية عبر المساحة السورية في محاولات يائسة لتركيع الشعب السوري وكسر إرادته فإن الشعب السوري لن يخضع بعد اليوم لإرادة تلك السلطة التي سلبته أمنه وكرامته ولقمة عيشه وحريته وآدميته .. ولن يقبل بمعادلة ( الأسد أو لاأحد ) أو يرضخ لمقولة ( الأسد أو نحرق البلد ) وسيرغم بإصراره الجميع على تغيير موقفه أو مغادرة تردده ليقف إلى جانب مطلبه العادل بالتغيير الديمقراطي ... فالثورة السورية هي لكل السوريين .. ولحرية كل السوريين ورغد عيشهم وحقوقهم الدستورية التي تحترم انسانيتهم وتؤكد مواطنتهم بصرف النظر عن قوميتهم أو دينهم أو مذهبهم أو انتماءاتهم الفكرية ...
هي إرادة تغيير شامل لوضع سوريا بسورييها جميعهم على عتبات التقدم والارتقاء بحيوات الناس وحقوقهم إلى مرتبة المواطنة التي ترفض الاستعباد والاستبعاد ، وتقبل بالتشارك وتحترم التعددية ... لتكون سوريا لكل السوريين وليس لبعضهم أو ( للاأحد ) ! .
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية