أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ميلاد سوريا ---متى؟ ... د الياس حلياني

الميلاد وبعيداً عن الأديان ، هو البداية من جديد ، الخروج من ظلمة الماضي ، الى نور المستقبل . كل منا يجد في نفسه ، الحاجة الى الميلاد ، الحاجة الى البدء من جديد . الحاجة الى خلع الأثواب البالية ، وارتداء الأثواب الجديدة . الحاجة الى الفرح بعد عهود من الحزن والألم . الحاجة لأن نكون أبناءً في وطن ، وليس عبيداً في وطن . الحاجة لأن نعيش ، لا أن ننتظر الموت كل يوم ، وفي كل منعطف من حياتنا البائسة .   وقفت على شرفة منزلي ، يوم الأحد ، الساعة الثانية بعد الظهر . في انتظار وجبة الغذاء .مراقباً حركة الشارع ، والمارة. من الفرن الذي يصنع فطائر الجبنة والزعتر ، والذي يقبع أسفل البناء . خرج رجل ومعه طفله ، والذي لم يتجاوز الثامنة ، على ما قدرت . كان هذا الرجل يحمل في يده فطيرتي جبنة ، في ورقة بيضاء . قدم لولده احداهما ، وانتظره وهو يأكل ، ثم قسم الفطيرة الثانية الى قسمين ، وأعطى ولده ، نصف الفطيرة ، وأيضاً راقب ولده وهو يأكل ، وأخيراً أعطاه النصف الباقي ، فأخذه الطفل ، وأكله ، غير عابئ ، بأن والده لم يتناول أي لقمة من الفطيرة . جمع الوالد الورقة وقذف بها في الشارع ، ووضع يده بيد ابنه ، ومضى في طريقه . الأب لم يعد ، لشراء فطيرة أخرى . قد يكون دفع كل ما في جيبه ثمناً لهاتين الفطيرتين ! قد يكون ظن أن فطيرة واحدة لولده فد تكفيه ، ويأكل هو الفطيرة الثانية؟ . ولكن الأكيد أن هذا المواطن ، لم يكن يملك ، أكثر من ثمن هاتين الفطيرتين . تعمدت أن أذكر هذه الحادثة ، لأنها جديدة ، ولم أذكر ولن أذكر ، ما أراه يوميا حول الحاويات ؟؟!!!! لا شك أن كل يوم جديد ، كل ميلاد جديد . يطرح علينا أسئلة جديدة اذا ما قررنا الدخول معه في حوار . المواطن الفقير المعوز سيسألني كم بقي لي من القدرة على التحمل ؟ وهل سأمضي بقية حياتي هكذا؟ ومن سيساعدني في الغد؟ ولماذا مكتوب علي الشقاء والفقر في هذا الوطن؟ وهل يحق لي أن أدعوه وطني؟ وهل وطني هو نفسه وطن أصحاب المليارات والملايين ؟ ومتى سأتناول ثلاث وجبات؟ ومتى سيلبس ابني لباس جديد؟ ومتى سنخرج في نزهة ونجلس في مطعم؟ وهل سأعيش لأرى عائلتي في منزل فوق الأرض؟ وهل يمكن أن يُطلق على أمثالي لقب بشر؟   والدة صديقي المعتقل ستسألني : متى يفرجون عن ولدي؟ ولماذا طال غياب ولدي؟ وهل يُشكل ولدي كل هذا الرعب على دولة قوية؟ وحقيقة ما الذي فعله ولدي؟ وهل سأراه قبل أن أغادر الوطن والدنيا معاً . وهل لهؤلاء الذين اعتقلوه اولاد؟ ومن سيقول لي كل عام وانت بخير يا أُمي؟ ولمن سأقول كل عام وانت بخير يا بني؟   أسئلة وأسئلة وأسئلة--- -هل حدث أن وجدت نفسك أما شخص ينتهك كرامتك كل يوم ، ويسرق تعبك، وقوت أطفالك ، ويقمع حريتك، ويسرق الضحكة والأمل من حياتك . ولا قدرة لك  على مجابهته؟؟ - هل حدث لك ان بكيت في آخر الليل داخل سريرك ، وتحت لحافك، ألماً من غد ، لا تملك فيه سداداً لديونك، ولا طعاماً لأطفالك، ولا وقوداً لتدفئتك، ولا ثياباً لستر عوراتك. ولا قدرة لك على تلبية واحدة فقط من كل هذا . - هل حدث أن كان لديك القدرة ،أن تعترض ،  على حجب موقع غير مبرر، أو على اعتقال غير مفهوم، أو على ضريبة ظالمة . ولا قدرة لك على تحقيق  واحدة منها . - هل حدث لك أن حلمت بطعام وفير ومسكن صحي ودخل معقول وماء غير آسن وشارع نظيف . ولا قدرة لك على تحقيق واحدة منها . - هل حدث لك أن بنيت أمالاً كبيرة على (زودة معاش متوقعة) وفي اليوم التالي تبخرت كل احلامك. - هل حدث لك أن عويت ونبحت وبكيت على طفل لم تستطع تأمين الدواء له ، أو اجراء عملية له.   الوطن ذاته سيسألني : متى أعود وطن؟ متى أعود لأحضن أبنائي في الداخل والخارج؟ متى أعود رمزاً للحضارة والرقي والتسامح والمحبة واللحمة الوطنية؟ متى أولد من جديد ؟ متى يكون ميلادي الجديد؟ متى ينتصر عبق النهج الاصلاحي الجديد على عفن مراكز القوى وسطوة المستبدين ونهب بعض رجال السلطة وشركائهم من تجار الدم والروح والحياة؟ ميلاد سوريا الحقيقي قد يكون هذا العام 2008! لا يكفي أن نؤمن بهذه الحقيقة بل يجب أن نعمل بهديها . وعلينا أن نستمر في السلوك بحسب قناعاتنا ، بأن الميلاد الجديد لسوريا قد أزف واقترب .   كل هذا القمع والفساد والانحراف والاستبداد يزول بقدر ما يعي أصحابه حجم الجرائم التي ارتكبوها بحق الوطن ، وكلما زالت الانحرافات تحرر الوطن وانفسح المجال وحل الميلاد الجديد لوطن جديد جميل. دمشق ليلة الميلاد 2007 ميلاديات: احترام المواطن الانسان نصادفه في حقيقة أن الله جعله محترماً لآوامره ونواهيه ، أي جعله مسؤولاً . واحتقار المواطن الانسان نصادفه في حقيقة أن السلطة المستبدة جعلته منبوذا نكرة لا دور له في الحياة .

بونجور شام
(108)    هل أعجبتك المقالة (116)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي