أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

التوافقية أساس توحيد المعارضة السورية ... مروان سليمان


إن التفرقة بين أفراد المجتمع سواء أكان مدنياً أم عسكرياً هو أول ما يدفع للفوضى و ذلك بسبب وجود طرف قوي يملك كل شئ و يستقوي بقانون و دستور لا يسري مفعوله إلا على الضعفاء دون أن يشعر و لو للحظة واحدة بوجع و شكوى الطرف الآخر ذاك الضعيف المستضعف .
إن الدعوة التي يدفع بها النظام من أجل إستباحة دماء السوريين و توريط البعض في عملياته العسكرية بالقتل و الإغتصاب و التهجير و سحق الآخر هو تعدي حقيقي على حقوق الإنسان و حقه في العيش كبشر، و هذا ما يؤجج الإنقسام العميق في المجتمع و فسح المجال لحالة صراع طويل الأمد بين العنف و العنف المضاد، و نتيجته إزهاق الأرواح البريئة و في كلتا الحالتين الخاسر الوحيد هي سوريا الوطن و المواطن.
فإذا كان المجرم هو من يحكم البلاد و يملي دستوره و قانونه على الناس و يستبيح دمائهم و نسائهم و أموالهم فمن واجب جميع المواطنين الدفاع عن أنفسهم بكافة الوسائل المتاحة للمحافظة على أرواحهم وممتلكاتهم و سلامة أسرهم و عوائلهم.
إن الثورة التي إنطلقت شرارتها في آذار 2011 كان لها أسبابها التي تبدأ من الحالة الإقتصادية المزرية للأفراد و العوائل و المجتمع ، مروراً بالظلم و الفساد و التمييز الذي يعاني منه المجتمع السوري منذ عشرات السنين و الذي مارستها أنظمة الحكم الديكتاتوري المطلق الصلاحيات، و إنتهاءً بطلب الحرية و المساواة و العدالة ، إنها حقاً ثورة ستدخل التاريخ من أوسع أبوابه قياساً بمدى شجاعة الشعب السوري و تحمله القسوة و الظلم و عمليات التطهير العرقي من قبل الطبقة الحاكمة و رجالاتها عديمي القيم الإنسانية و الأخلاقية حتى أصبحت هذه الثورة منتشرة على كامل التراب السوري.
إن أكذوبة الإصلاحات و المراسيم الورقية التي تصدر بين الحين و الآخر ما هو إلا ذر الرماد في العيون، لأن عقيدة هذا النظام تقوم على مبدأ القائد الواحد و تقييد الحريات و تكميم الأفواه ، عقيدة تعتبر كل القوانين و الدساتير يجب أن تكون في خدمة القائد الأوحد و الطبقة الحاكمة، فلا أحزاب إلا التي تخدم هذا النظام ، فما الذي يستفيده المواطن من دستور عصري يضمن نظرياً حرية المواطن و كرامته و لكنه عملياً تحت أقدام الشبيحة و الأجهزة الأمنية و جنرالات الأسد العسكرية.
يجب على السوريين جميعاً أن يتخذوا موقفاً صريحاً وواضحاً من الثورة الجارية ، لأنه لا مجال للوقوف على الحياد، لأن السوريين جميعاً يتلقون الضربات الموجعة منذ عشرات السنين من قبل الطغمة الحاكمة .
إن موقف الصمت المتخذ من قبل البعض سواء في الداخل السوري أو خارجه و خاصة ما يتعلق بالقضايا الإنسانية لهو وصمة عار في جبينهم إلى أبد الآبدين و لن يسامحهم الشعب أبداً.
إن النظام المنتهية صلاحيته هو من أسس العصابات المسلحة و الشبيحة و هو من دفع بالجيش لقتل الشعب و هذا أدى بالنتيجة إلى الإنشقاقات بين صفوفه الذي لم يكن في يوم من الأيام جيشاً وطنياً أو يحمل صفة الوطنية كقيادة و مركز القرار و إنما هو جيش عائلة الأسد الذي تأسس على مبدأ طائفي بحت ،و من جميع هذه الأخطاء و الحماقات و الإنتهاكات التي إرتكبها النظام أصبحت سوريا مرتعاً للتدخلات الأقليمية و الدولية.
الشعب السوري الذي قال كلمته يوم خرج للثورة أثبت بأنه لا رجوع حتى يسقط النظام أو الشهادة و إن إستشهد فهو يستشهد على سقوط النظام لأن دماء الشهداء سوف تعود بالأمان و الإستقرار إلى سوريا.
إن طول مدة الثورة السورية و صعوبة عملية الإنتقال إلى الديمقراطية مرده إلى عاملين أساسيين هما:
الأول هو العامل الخارجي الذي يتصف بعدم وجود رغبة جدية لإسقاط النظام حفاظاً على مصالح إقليمية .
و الثاني العامل الداخلي الذي يكمن في ضعف المجتمع المدني في سوريا الذي إغتاله النظام الحاكم طوال أكثر من أربعين سنة الماضية و بالتالي يؤثر هذا على سير عمل المعارضة في تنفيذ المطلوب منها في سبيل اسقاط النظام.
كما أن المعارضة السورية بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى أن تواكب حركة الشارع الثائر و إعادة الأمل إلى النفوس التي تحن إلى موقف موحد من المعارضة وخاصة الخارجية منها تجاه ما يجري في الداخل السوري، لأن جميع المؤتمرات المنعقدة حتى الآن لا تمثل جميع الحراك الثوري و لا تمثل جميع القوى السياسية بجميع أطيافها، و كل يوم يمر يدفع الشعب السوري مزيداً من الدماء التي تتحمل المعارضة جزءاً ليس بالقليل منها.
أصبح تشكيل المجلس الذي يعبر عن آمال السوريين ضرورة ، و يجب أن يكون تشكيل المجلس بنوع من التوافق بين جميع أطياف المعارضة، لا أن يكون مفروضاً من جهة خارجية أو من أصحاب النفوذ فيه، و هذا ما يفسر على أنه سرقة للثورة و إجحاف بحق الثوار ، إذاً لا بد من صيغة جديدة لتوحيد جهود المعارضة على أساس التوافق الذي يليق بدماء الشهداء و يلبي طلبات الثوار على الأرض، لا رغبة و مصالح الأشخاص في الفنادق الفاخرة و الإملاءات الأقليمية السافرة.
فالمعارضة يجب أن تحمل رسالة واحدة فقط و هي رسالة الحرية و الكرامة، رسالة تتضمن طموحات الشعب السوري بكل مكوناته، فالإعتراف بالمجلس الوطني السوري يبقى بلا شرعية إذا لم يستمد شرعيته من الشعب السوري نفسه.
على المعارضة أن تتنازل قليلاً عن المبادئ الضيقة و المصالح الشخصية الآنية من أجل تحقيق أهداف الثورة ووقف سفك الدماء ، ليس بإنتظار الدعم من الدول الأخرى الذي يعتبر ضرورياً أيضاً و لكن بتوحيد جهود جميع القوى الوطنية السورية الذي يعتبر من أعظم الضرورات.
على المعارضة السورية إسقاط الفكر الإقصائي قبل إسقاط النظام لإنتاج سلطة جديدة بطريقة حضارية دون الهواجس التي لا تجلب إلا التفتيت و التشتت و تقوي مركز النظام و تضعف المعارضة بالدرجة الأولى.
لكي تكون المعارضة قادرة على تغيير النظام و الإنتقال من دولة مفصلة على قياس عائلة واحدة إلى دولة تتسع للجميع كمواطنين و الحفاظ على حقوق الآخرين و تقديم مشروع واضح تجاه حقوق الشعب الكردي في سوريا و الإعتراف بوجوده القومي على أرضه التاريخية،و يصون حقوقه في دستور عصري لم يعد للحاكم المتأله و حزبه الواحد مكان فيه .
على المعارضة أن تدرك هذه الحقيقة قبل فوات الأوان لكي يساهم الجميع بدون إستثناء من أجل ولادة نظام جديد يقوم على الآليات الديمقراطية و يحافظ على حقوق الإنسان.
إن تضحيات الشعب السوري و على عظمتها لم تجد من يطبقها عملياً و يترجمها إلى واقع و أن المعارضة حتى الآن أثبتت عجزها عن توظيف هذه التضحيات الجسام أو على الأقل في توحيد صفوفها .
إن النظام لا يستطيع القضاء على المعارضة الناشئة من رحم الألم و المعاناة و الظلم و لكن المعارضة إذا بقيت بهذا الشكل المتشرذم لن تستطيع أيضاً الإطاحة بالنظام المدعم من دول لا تهمها سوى الحفاظ على مكاسبها الطائفية و مصالحها الذاتية ، و في كلتا الحالتين لن يسقط النظام بدون دعم خارجي لأن تغييير النظام يحتاج إلى مشاركة دولية فعالة، هذا ما أثبته على الأقل درس العراق و ليبيا و صربيا.


08.04.2012



(100)    هل أعجبتك المقالة (90)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي