أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

من "لِبوش" بسَيف يؤدّب به دمشق ... د. عوض السليمان

كأني بجورج بوش وقد أطلق تصريحاته الأخيرة ضد سورية، قد وقع في زلة لسان أخرى، فقد اشتهر المسكين بزلات لسانه، على مدى سبعة أعوام من إقامته الدموية في البيت الأبيض، ذلك البيت المسؤول عن مقتل ملايين الأطفال في أنحاء العالم، واغتصاب ملايين النساء، ناهيك عن مسئوليته في نشر الأمراض والرذيلة في معظم بقاع الدنيا حتى في أعماق البحار.

زلة اللسان هذه، تختلف عن سابقاتها بكثير، فهي لم تكشف عن اضطرابه وارتباك مخيلته فحسب، بل كشفت عن ضعفه وحيرته في مواجهة بلد صغير، حجمه بحجم بعض الياسمين، لا يملك أسلحة نووية ولا جرثومية، ورئيسه بالكاد تجاوز الأربعين عاماً وعدد سكانه أقل من عدد سكان ولاية واحدة في أمريكا.

بالطبع فإن ما ذكره بوش من أن الحرب على العراق هي حرب صليبية، هي زلة لسان، لكنها زلة فضحت بعض أهدافه في العراق، وما تخفي صدورهم أعظم، فقد فضحت تلك الزلّة أيضاً إجرام إدارة بوش وطغيانها.

أما زلة اليوم فهي فضيحة لهذا الرجل بكل المقاييس، فهو بدل أن يهدد ويتوعد ويحلف الأيمان الغلاظ، سارع للقول أن صبره نفذ على الرئيس بشار الأسد منذ وقت طويل.

وقد تسائلت من فوري، طالما أن صبر الإدارة الإجرامية في أمريكا على دمشق قد نفذ منذ وقت طويل، سنوات مثلاً، فلماذا لا تقوم هذه الإدارة المتخصصة بالإرهاب، بالهجوم على سورية وتأديبها وإعادتها إلى الطريق الأمريكية القويمة، كما فعلت مع كثير من دول العالم، فأخذت سلاحها وعينت حكامها، ورسمت لها السياسة التي تريد. وطالما أن الصبر نفذ من زمن طويل، فماذا ينتظر جورج بوش حتى يتحرك ولمَ لم يتحرك سابقاً. أم سينتظر صابراً قرنا آخر من الزمان.

عندما سمعت تصريحات البيت الأبيض حول نفاذ الصبر من دمشق، بذلت جهداً حثيثاً للحصول على صور الرئيس الأمريكي وعلى مقاطع مصورة من كلماته الكثيرة والمتعددة. والحق أقول، فقد كانت صور المسكين وهو يقول إن صبره نفذ على الأسد حزينة مهمومة وما كان ينقصه إلا التأوه، ولعله أراد أن يقول" ولك ما في حدا يخلصنا من الأسد ونرتاح".

عجيب أمر هذه الإدارة، وعجيب أمر صناع الموت الأمريكان، ظنوا الناس عبيداً، فأرادوا أن يسترقّوهم ويركبوا على ظهورهم، ولا شك أنني أستطيع أن أفهم هذا، فلطالما أمر بوش دولاً عربية فاستجابت خانعة ذليلة، بل لطالما أمر كولن باول أو كونداليزا رايس عرباً فاستجابوا، فكم من مرة جاءت حمالة الحطب هذه إلى المنطقة العربية، وحضرت اجتماعات عربية - عربية. فأمرت ونهت وعادت إلى بلادها بعد أن أكلت الحلويات وتنعمت "بشربات" التوت والعرق سوس. ولكل هذا ظن بوش أنه اصبح رب الدول العربية كلها ورب سورية، فهو يأمر وعلى الأسد أن يجيب، وحاش لله، فما عرفنا عن الأخير بيعاً للأوطان ولا خذلاً للمبادئ. لكن من كان في وضع بوش لا يعرف ماذا يقول وكيف يقول.

اختلط عليه، أن له أذنابا كثيرة يأتمرون بأمره ويسمعون قوله وغيّروا قبلتهم فجعلوها البيت الأبيض. وقارن الرجل، ولبئس المقارنة ،بين إمّعات ضعاف لا يرفعون رؤوسهم، بل ليس لهم رؤوس أصلا وبين بشار الأسد، فضلّ الطريق. تعود أن بعض الحكام يبيعون أرضهم وأجوائهم وموانئهم للعدو فطمع في سورية.

الرئيس بوش، الحاقد على كل عربي ومسلم، تألم وهو يقول إن صبره نفذ على بشار الأسد، وأنه لن يحادث الأسد بشكل مباشر، يكذب على نفسه وعلى الصغار مثله، فالرئيس الراحل حافظ الأسد ما دخل أمريكا مرة في حياته، ورفض مجرد التفكير بدخول تلك الأراضي وكذلك ولده من بعد. بل أعرف شخصياً آلاف السوريين وآلاف العرب الذين رفضوا الذهاب إلى أمريكا، مع ما أتيح لهم من عروض عمل مغرية.

فمن يركض من السوريين خلف بوش ليكلّمه!!، ولكن الأمر اختلط عليه مرة أخرى بسبب علاقة إدارته مع بعض الخونة كفريد الغادري فظن أن لديه من يعتمد عيه فإذ به يعتمد على السراب.

لا نحتاج إلى كثير من التحليل والفهم، لإدراك أن جورج بوش هذا غاص في وحل العراق |إلى عنقه، وضاع ماء وجه حتى جف جلده. فالمقاومة العراقية الباسلة، أظهرت الإدارة الأمريكية بمظهرها الحقيقي حيث صمد رجال المقاومة أمام الأسلحة المحرمة وألحقوا بالعدو أشد الخسائر وأنكر الفضائح الميدانية، وكما تلوّع بوش وهو يشتكي دمشق، فقد تلوّعت إدارته وقواده العسكريون حيث أطاح الرجال بهم واحداً تلو الآخر. هذه المقاومة علمت بوش كيف يتألم، وكيف يتمنى رحيلاً لم يعد يحسن تنفيذه دون خسائر.

وكما فعلت العراق ستفعل سورية ويدرك بوش أنّ ما باليد حيلة فيكفيه ما حل به في بلاد الرافدين، وألا قدرة له ليتوجه إلى دمشق التي لا تزال وستبقى، إن شاء الله، شوكة في حلقه وفي حلق إدارته أبد الدهر.

نحن نعلم أن بوش اليوم يمر بأصعب أيام حياته، فهو سيغادر البيت الأبيض إلى غير رجعة، ويريد أن يحقق آخر أيامه نصراً ما في أي جهة كانت، لتحسين سمعته الملوثة من ناحية، ولتكون دعماً للمحافظين في محاولتهم الوصول إلى البيت الأبيض من ناحية أخرى. ولهذا فهو عندما يتكلم عن العراق يتأوه، فقد خسر نصف إدارته بسبب المقاومة هناك، وعندما يتكلم عن أفغانستان يتأوه، فهو لم يمسك مجاهداً واحداً هناك، بينما يدفع أرواح جنوده لمعركة من صنع خياله. وعندما يتكلم عن سورية فهو يتأوه أيضاً، فصبره نفذ منذ وقت طويل على الأسد وما عنده من وسيلة يؤدب بها سورية، ولا عنده من وسيلة، مع كل هذا الإرهاب، ليتجاوز سورية في لبنان ويعين من يشاء رئيساً للجمهورية هناك.

فماذا بقي لجورج بوش وإدارته إلا مزيداً من الصبر، هو اليوم يشتكي دمشق، تمنى لو أنّ أحداً ينقذه مما هو فيه، لم يستطع أن يكظم غيظه وحرقة قلبه من الأسد، ولسان حاله يقول من لي بسيف فأؤدب به دمشق.

هي نصيحة أسديها للقيادة السورية، إياكم أن يرضى بوش عليكم، فإن فعل، فأنتم لا شك على خطأ، فهذا الرجل لا يرضى إلا على "المعتدلين" وأرجو ألا تكونوا منهم، وهو لا يرضى إلا على العبيد وأنتم حتماً لستم منهم. "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين".

دكتوراه في الإعلام - فرنسا
(113)    هل أعجبتك المقالة (114)

محمد

2007-12-25

اراك تعول كثيرا على سوريا ؟؟؟ وتعول كثيرا على تغيير سلوكها ؟؟ أنت واهم واهم .


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي