من الأخطاء الكبرى التي وقع فيها البعض و هو يحاول وصف نظام بشار الأسد كانت القرمطي , المجوسي , إلى غير ذلك من الصفات التي لا تعبر بأي حال من الأحوال عن حقيقة هذا النظام الديكتاتوري , أو تشبيه الثوار السوريين بأشخاص كيزيد و معاوية و الحجاج على أن هؤلاء كانوا "سوريين" أيضا و إن لعبوا في أيامهم الدور الذي يلعبه بشار الأسد اليوم أي دور الطاغية و الجلاد .. هذا باختصار تشويه كبير سواء للثورة السورية أو للنظام الذي تواجهه .. هل هناك تشويه أكبر من تشبيه ديكتاتور طاغية بواحدة من أهم تجارب العدالة في تاريخنا , كان القرامطة باختصار أحد أهم المشاريع في هذا الشرق لمحاولة بناء مجتمع يقوم على درجة متقدمة جدا من العدالة و الحياة الكريمة لجميع أفراده , صحيح أن هذا المشروع فيما يتعلق بمسألة الحرية كان سلطويا بشدة لأنه افترض طاعة شبه مطلقة للإمام بما في ذلك حقه شبه المطلق في تفسير النص المقدس بطريقة تختلف بل تناقض تفسير رجال دين السلطة القائمة يومها الذين كانوا يستخدمون النص لتبرير الواقع القائم على الظلم و الاستغلال و التباينات الطبقية الحادة .. في تلك الأيام من تاريخ أجدادنا , كان النضال ضد السلطة يعني النضال ضد مذهبها و تفسيرها الديني للنص المقدس و يأخذ أيضا شكل صدام مع المجتمع الذي يعترف بتلك السلطة أيضا , هكذا كانت هجمات القرامطة ضد مدن العراق و الحجاز جزءا من الشكل المألوف يومها لمواجهة النظام القائم , الخوارج , الذين سماهم البعض بالحزب الجمهوري في الإسلام لأنهم رفضوا السلطة المستبدة و حاربوها أيا تكن موازين القوى مختلة لصالحها دون أية مهادنة أو مساومة و لأنهم رفضوا حصر "الإمامة" في قريش و اعتبروا أنها تصح حتى في عبد حبشي , في موقف يناقض موقف الأرستقراطية العشائرية التي تولت السلطة في الدولة الإسلامية يومها , و رفضوا أن يتنازلوا عن شرط العدالة في السلطة تحت طائلة إسقاط الشرعية عن الإمام و لا حتى لصحابي ( عثمان أو علي ) بل ينقل عن ذي الخويصرة الذي ينسب مؤلفو كتب الملل و النحل الخوارج إليه , أنه طالب النبي ( ص ) نفسه بالتزام العدالة في تقسيم الغنائم , هؤلاء الثوار الشجعان اعتبروا أن معركتهم لم تكن فقط مع السلطان الغاشم بل أيضا مع من يستسلم لسلطانه رافضين هذه المهادنة أو التقية و استحل بعضهم حتى دماء نساء و أطفال من لا يثور على ذلك السلطان الغاشم حتى لو كان من ضحاياه , أيضا لم يفرق الزنج العبيد الذين ثاروا على مالكيهم و سلطان هؤلاء الملاك يومها , لم يفرقوا بين أسيادهم من ذوي البشرة البيضاء من العرب الذين كانوا يستعبدونهم و بين البيض العرب الآخرين الأكثر فقرا الذين كان بعضهم يعيش من ممارسة أعمال لا تزيد كثيرا عن كدح هؤلاء العبيد الزنج , لكن العبيد لم يفرقوا بين هؤلاء و هؤلاء عندما انتفضوا و ثاروا , بالنسبة لهم كان كل أهل البصرة يستحقون المصير الذي أوقعوه بهم عقابا على كل ما عاشوه من ظلم و قهر لا إنسانيين عندما أحرقوا مدينتهم على بكرة أبيها , للأسف , هكذا كانت طريقة محاولة تغيير العالم يومها , أن ترفض فكرة العدالة التي نادى بها القرامطة و حاولوا تطبيقها بكل قوة لا يمكن أبدا أن يكون مبررا لتساويهم بطاغية يقوم نظامه على انعدام مطلق للعدالة و الحرية لصالح أقلية من اللصوص و الجلادين .. إننا اليوم نرفض أن تقوم أقلية , أية أقلية , علمانية أو دينية , بفرض آرائها على الآخرين بالقوة , هذا التغيير العميق في مقاربة حقوقنا كبشر كلنا دون استثناء عن الوقت الذي ثار فيه الخوارج و القرامطة و الزنج لم يكن بفضل مؤامرة ما , لقد انتزعه البشر بفضل نضالهم المرير و تضحياتهم في كل مكان تقريبا على هذه الأرض طوال قرون طويلة .. أيضا ليس ما هو أكثر تشويها من تشبيه ثوار نهضوا في سبيل حريتهم بطغاة دمويين قساة القلوب و مهووسين بالسلطة لحد المجازر كالحجاج و يزيد و معاوية اغتصبوا السلطة في زمانهم من الجماهير و حولوها إلى سلطة وراثية عائلية و فعلوا بمدينة الرسول ( ص ) نفسها و بقبلة المسلمين ما فعله الجلاد هذه الأيام ببابا عمرو , هؤلاء يفترض أن يكونوا أسلافا حقيقيين لبشار الأسد لا للثائرين على طغيانه .. المجوسية أيضا ديانة شرقية لا يعني الانتساب إليها شيئا محددا , أكثر من أن الإنسان قد ولد لأبوين مجوسيين , و أن الناس هناك يتضرعون لآلهتهم تلك في كل مرة يجوعون فيها أو يواجهون شرطيا وقحا أو يمرض أحد أحبائهم , تماما كما يفعل الجميع في كل مكان .. لا يوجد الكثير ليضاف إلى الحقيقة البسيطة جدا عن الثورة السورية , أنها ثورة شعب , جماهير , مقهورة , مقموعة و مهمشة ضد النظام الذي يضطهدها و يقمعها , هذا التعريف البسيط جدا يضعنا في نفس الخانة مع كل المضطهدين و الفقراء الذين نهضوا طوال تاريخ البشرية في كل مكان و زمان , بما في ذلك اليوم في تونس و مصر و اليونان و البحرين , مهما اختلفت الديانات و المذاهب , الألوان و اللغات , فالقمع واحد و الطريق إلى الحرية واحد , هو ما يفعله السوريون اليوم بدمائهم , كما فعله المصريون و التونسيون بالأمس القريب و من قبلهم الانكليز و الفرنسيون و الأمريكان و الروس و غيرهم و غيرهم , إنها الثورة , و إنها الحرية , و هي نفسها في كل مكان و زمان , كما الطغيان نفسه في كل مكان و زمان
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية