يختلف الرجال فتختلف المواقع، فالرجل الذي يرى نفسه أكبر من منصبه لا يهمه أن يتركه عندما يرى ذلك في مصلحة أمته، أما الذي يرى أن وجوده مرتبط بمنصبه لا يمكنه أن يترك هذا المنصب ما دام حيا، وهذا النوع من " الرجال " لا يقيم وزنا لأرواح الناس وممتلكاتهم وأعراضهم فكل شيء يهون في سبيل بقائه في منصبه.
الرئيس السوري الأسبق أديب الشيشكلي ترك الرئاسة بمحض إرادته عندما قيل له: إن هناك مجموعة ضباط دبروا انقلابا عليه وأن بإمكان جنوده القضاء عليهم بسهولة، لكنه رفض أن تسيل دماء مجموعة من مواطنيه في سبيل بقائه رئيسا فتخلى عن الرئاسة وتوجه للعيش في بيروت. أما الرئيس الحالي " بشار الأسد " فهو يرى أن وجوده مرتبط بمنصبه، ولهذا فهو من حوالي سنة وهو يمارس أبشع أنواع الإرهاب ضد مواطنيه؛ قتل وتدمير واغتصاب وتهجير، أما سجونه فلم تعد كافية لاستيعاب الأعداد الغفيرة من المواطنين فاستعان بالمدارس والمستشفيات التي أفرغها من مهماتها الأساسية ليحولها إلى سجون رهيبة لأبناء شعبه.
السوريون عملوا الكثير من أجل الحصول على حريتهم، ودفعوا أثمانا باهظة وما زالوا يفعلون ذلك، وأعتقد أنهم لن يتراجعوا إلا بعد الوصول إلى مآربهم المشروعة.
الثوار في سوريا بحاجة عاجلة إلى وقفة عربية جادة تخفف معاناتهم ونزف دمائهم، ومن أولويات متطلباتهم التسليح لكي يكونوا قادرين على الدفاع عن أنفسهم من إرهاب الجيش الحكومي وشبيحية النظام.
في المنتدى الإستراتيجي الأول الذي عقد في الرياض قبل يومين بحضور وزراء خارجية دول الخليج ووزيرة الخارجية الأمريكية كان وزير الخارجية السعودي تركي الفيصل واضحا في مطالباته بتسليح الثوار لأن من حقهم الدفاع عن أرواحهم وممتلكاتهم، ومثله كان موقف وزير الخارجية القطري الذي عبر عن أهمية دعم الثوار بكل شيء وفي أكثر من موقف..
وبغض النظر عن موقف وزيرة الخارجية الأمريكية التي جاءت لوأد فكرة التسليح – هكذا أعتقد – لأن ما يقوم به الأسد مصلحة إسرائيلية – حاليا – وما كان يفعله سابقا هو – أيضا – يصب في مصلحة إسرائيل، ولهذا فإن السياسة الأمريكية يهمها أن يستمر الأسد في تحقيق هذه المصالح، لكن دول الخليج لها مصالح مغايرة تماما ومن واجبها أن تعمل من أجل تحقيق مصالحها، بل ومن واجبها الإنساني والأخلاقي أن تقف مع الشعب السوري الذي يتعرض لأبشع المجازر في التاريخ الحديث.
المؤتمرات والندوات لا تكفي وحدها، والعمل الفعلي هو الذي ينتظره الشعب السوري؛ مساعدات لكل اللاجئين، وهم بالألوف، وتسليح جيد للجيش السوري الحر لكي يتمكن من حماية مواطنيه، وبدون ذلك يبقى كل الحديث عن الثورة السورية لا فائدة منه.
لو كان الرئيس بشار عاقلا لفعل كما فعل الشيشكلي، وحافظ على دماء السوريين وأعراضهم، لكنه أبى ذلك لأنه يعرف أنه لا شيء من دون منصبه الذي بناه على جماجم شعبه.
الشرق
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية