قد يتساءل الكثيرون حول جدوى الثورات العربية بشكل عام والثورة السورية بشكل خاص ويسألون ماذا حققت هذه الثورة إلا الخراب والدمار لبلد كان يعتبر خط الدفاع الأول ضد العدو الإسرائيلي المتربص على الحدود. لكن السؤال المطروح هنا هل الثوار هم الذين دمروا البلد بالدبابات والصواريخ والطائرات ؟ هل هم من أتحفوا العالم بمقاطع فيديو لم يُشاهد مثلها في التاريخ من تعذيب وقتل وتهجير فضلا عن امتهان كرامة الإنسان والانتقاص من آدميته على أيدي مغول العصر من عصابات الأفرع الأمنية والشبيحة؟ هذه المنطق العجيب يدل على انفصام بل عمى فكرى يرفض مشاهدة الحقيقة ..لكننا إذا استقصينا أصحاب هذه المقولة نجد أنهم هم أنفسهم كانوا من وقت قريب يستنكرون هذا المنطق ( باعتبارهم ممانعين ومقاومين) عندما كان البعض يلوم حماس عندما تختار المواجهة إذا أمطرهم المحتل الإسرائيلي بقذائفه وحممه وهو محرم عليهم الرد أو حتى الصراخ؟؟ نجدهم أيضا يتهكمون ويستنكرون على من وصف حرب تموز 2006 التي سببها حزب الله بأنها مغامرة جلبت الدمار للبنان وبنيته التحتية؟ هذا المنطق المتمثل بلوم الضحية لماذا وقفت في طريق الجلاد ولماذا انتفضت أو صرخت يتكرر اليوم في سورية لكن مع اختلاف المتبنين له هذه المرة وهم المقاومون الممانعون!!
لكن لو عدنا إلى ا لسؤال ماذا حققت الثورة السورية للسوريين؟
لقد حققت الثورة وتحقق الكثير وربما خشية الإطالة تدفعنا إلى الاقتصار على بعض هذه المنجزات في نقاط :
أ- لقد كشفت الثورة السورية كثير من الحقائق التي كانت غائبة عن كثير من العرب والسوريين على وجه الخصوص من بين هذه الحقائق :
1- لقد كشفت زيف النظام وحلفائه من ادعاء المقاومة والممانعة تلك المقولة التي أصبحت تثير السخرية والشفقة! هذه المقولة سقطت بإطلاق أول رصاصة على المتظاهرين السلميين في درعا العام الماضي إذ كيف لمقاوم ممانع أن يطلق النار على أبناء شعبه ويوجه جيشه للانتقام من كل من طالب بحق أو حرية! كيف يمكن لعاقل أن يصدق هذه الأكذوبة وهو يرى النظام( المقاوم الممانع) يقاوم شعبه ويطلق –بكرم- قذائفه وصواريخه لتدك المدن والأحياء السكنية؟ كيف له ان يصدق ممانعة من منع شعبه حريتهم وامتهن كرامتهم بفروعه الأمنية التي هي أشبه ما تكون بقطعان متوحشة وحاقدة على كل إنسان ؟؟ لقد سقطت هذه المقولة عندما سحبت الدبابات من الحدود مع العدو لتوضع في مواجهة الشعب! وسقطت مرة أخرى عندما أخرجت الأسلحة من مخازنها لا لتقاوم وتمانع العدو وإنما لتدك بيوت الآمنين بالأسلحة التي اشتروها من قوت عيالهم؟
2- تتوالى سلسلة السقوط لتشمل أحد حلفاء النظام الذي كان الكثير من العرب وخاصة السوريين يكنون له الكثير من الاحترام ويضعون صوره في كل مكان هذا الحليف هو( السيد) حسن نصر الله. عندما كان الكثيرين يتمنون أن لا يسقط السيد في الفخ السوري وأن يسلك مسلك الحياد – تقديرا للعلاقة الخاصة بين حزب الله والنظام السوري وكما اختارت حماس هذا المسلك- لكن يتفاجئ الجميع بالوقاحة التي ظهر فيه السيد لينصح السوريين بالاحتفاظ بنظامهم لأنه مقاوم، وإن كان قاتلا ومجرما؟!! هذا الموقف لا يمكن أن يفسره إلا العفن الطائفي الذي انساق له كثير من الفنانين والأدباء أمثال ادونيس و زهير رمضان و سلاف فواخرجي وغيرهم كثير من أصحاب الغرائز الطائفية النتنة! وكان ذلك أيضا غير مستغرب من الموقف الإيراني وتابعهم المالكي ليتضح بذلك للعرب و السوريين سوء النية وخبث الطوية التي تكنها إيران للمنطقة ومدى متاجرتها بالقضية الفلسطينية لتغطي على مصالحها وبرنامجها النووي ، ولتمارس التشييع في المنطقة العربية وسيلة تضمن لها مزيد من العبيد والخدم المؤمنين بولاية الفقيه، تحقيقا لمشروعها التوسعي.
3- كشفت ثورة الحق والحقيقة كذلك كثيرا من الشخصيات التي كانت تحيط نفسها بكثير من التعظيم لدى عموم السوريين من أمثال الشيخ البوطي والفنان( الناقد) دريد لحام لتظهر بمظهر المؤيد والمناصر للمجرم تحت ذريعة واهية هي( المؤامرة التي تستهدف صمود النظام السوري)؟؟ وهناك الكثير من الحقائق التي كشفتها الثورة يطول الحديث بذكرها يكفي أن ينظر القارئ الكريم حوله ليشاهدها .
ب- أدرك الشباب السوري ذاته وانتزع كرامته وحطم حواجز الخوف وجدران الصمت ليسطر بطولات تغنى التاريخ كثيرا بما هو اقل منها وستتغنى بها أجيال وأجيال.
ج- أعاد السوريين التعرف على شركاءهم في الوطن وكيف عبئ النظام رؤوسهم بأفكار وهواجس ومخاوف تجلت بالوحشية التي انساقت فيها طائفة بأغلبيتها للانتقام من شركاء الوطن واصفة إياهم بأوصاف تبيح لهم دماءهم وأموالهم بل وأعراضهم. انه الكره الذي سهر نظام المقاومة على تأجيجه بين الأقليات الدينية والإثنية لتبقى دائما مخلصة لها في مواجهة الأكثرية وأي صوت حر.
د- جعلت الثورة السورية ثمن الاستبداد مكلفا ومكلفا جدا ، فقد جعلت النظام المستبد يعاني الأمرين ليستعيد زمام الأمور وجعلت ضريبة التسلط غالية وغالية جدا، في حين كان سابقا يمارس استبداده وتسلطه دون خوف أو وجل. كما أفقدت الثورة كثيرا من الفاسدين و من أقارب رئيس النظام كثيرا من ثرواتهم، التي هي أصلا منهوبة من أموال الشعب وقوته، في محاولة منهم للحفاظ على الاقتصاد من أن ينهار وبالتالي ينهار النظام. بالإضافة إلى إنها حاصرت النظام دوليا فلم يبق له صديق إلا من لون واحد مبني على أسس طائفية بحتة.
نعم لقد أسقطت ثورة الحق والحقيقة كثيرا من الأقنعة وكشفت كثيرا من الحقائق وأسقطت النظام بالمعني الأخلاقي والدولي وبقي فقط إعلان السقوط النهائي وبغير رجعة لنظام الوحشية والقتل طال الزمن بذلك أو قصر.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية