أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ثنائية المفكرة والحائط .... ثورة حتى الحرية؟... ماجد الشيباني *

لم تعد الجدران تحتمل. انتفضت. اهتزت. ضاق بها الفضاء  ضاق بها مقابلة بعضها طيلة الزمن ومنذ ان وجدت. فاض بها الكيل. الجدار على اطراف شارع شهد ما لم يقدر على تحمله. اعتلاه قناص قذر. تفوح منه رائحة عفنة. ومزيج من رائحة خنزير هائم في اكوام زبالة. واستند اليه شبيح رخيص. ارتكز وفاضت بندقيته بلهيب نارها على شباب بعمر الورود ينادون بالحرية لهم وللقاتل نفسه. ويح القاتل ما ابشعه.... يعتقد عبدة الصورة ان من ينادي بالحرية ينادي بشئ خاص به وله. لانه لايعرف طعم الانعتاق ونشوة الاحساس بالحرية. استند الى الجدار جاسوس يراقب بعيون حاقدة لاترى الا السواد ليببلغ القتلة عن متظاهرين مطالبين بالكرامة.....جدار اسند وبكل حنو الدنيا متظاهر شاب اصيب على مقربة منه فكان له السند عله يلتقط انفاسا.... تكابد بين شهيق وزفير.  وحشرجة أصمت للجدار آذانه. الجدار .... الحائط ...شاهد رآى كل الجرائم ثابتا في مكانه. وبعضا منها تم هدمه بقذيفة عمياء اطلقها صاحب قلب اعمى. جدران تهاوت واخرى قاومت ببعض ما تبقى لها. كل الحيطان تحمل على صفحاتها شهادات لا تخطئ العين تفسيرها...؟ آثار الحقد والكراهية لكل ما يمكن ان يقف في الهواء. لاعتقاد الحاقد الاعمى ان الجدار قد يكون قد أخفى ذات مرة ما لا يطيق. أو مناد بالحرية. او منها ما حمل عبارة ضد سيده و ولي كفره وسادته الشياطين.
الجدار. الحائط. الساتر..... هو احد اربعة اركان لبيت يأوي عائلة حر الصيف وقر الشتاء. ما أثار حفيظة الشياطين من عبدة الصورة. فكان ان حزموا أمرهم بقصف البيوت على رؤوس ساكنيها ومن مسافات لا تقل عن الثلاثة كيلو مترات على اقل تقدير.... فهدموا بقذائف الحقد كل الجدران التي تأوي أبناء جلدتهم. ومن الجدران من مالت واكلت من اجساد الضحايا. هي نفسها الجدران والحوائط التي حملت صور القائد الفذ المغوار الهمام الممانع المقاتل الوحيد الاوحد. على يمينه ولي عهده المقتول على دوار المطار. و وريث عهده المستدعى على عجل. وهي نفس الجدران للمدارس والمباني الحكومية و الخاصة التي ناءت لعقود سوداء من تاريخ البلد بعبارات تمجيد القائد. وتاريخ القائد الذي لا يشق له غبار. وكلمات القائد الخالدة. هي نفس الحوائط التي جاورت تماثيل القائد. بوضعيات مختلفة. رفرفت الاعلام وصور القائد من فوق هاماتها عقودا مرت. هي الجدران ذاتها عانت من القهر.  وعهر القائد وفكر القائد. وعربدة المنافقين والمطبلين. حتى أنجبوا لنا نظاما يجيد فنون الذبح بالسكين لاي معارض او مدني مسالم لا يعجب شياطينه !!! او متهم بالمطالبة بالحرية. هي معادلة الحيطان وفكر القائد وشياطين القائد الملهم. الذي لم ينجب التاريخ له مثيلا. ولا يصلح لقيادة الامة والكون الا نسله من اولاده واحفاده واحفاد احفاده...؟؟ ومن يدعي غير ذلك اما تجز رقبته. أو يدق عنقه. أو يدفن حيا في مكان مجهول. أو يرمى في أعماق المياه الاقليمية مثقلا بكتل حديدية في ساقيه ليستقر سريعا في القاع.....! هو النظام ..... الذي وفر افضل انواع الحماية للجدران والحوائط فما كان لاحد يقوى على النظر اليها بريبة الا بنظرة استحسان واستيعاب ما تجود به من شعارات للقائد وفكره. وفجأة انقلب نفس النظام وشياطينه على الحيطان والجدران.... انقلبوا عليها بقدرة قادر .... ليس لهم عزيز... مسكينة تلك الحيطان. أصبحت بكماء. شاهدة ترى لكنها لا تسمع. على صفحاتها تسجل مرور آلة البغي والطغيان. لم يعد لها آذان....؟ 
الحيطان عادة ما تحتضن المناظر والرسوم. تبعث على الاسترخاء... تبث فينا الحنين واستذكار عزيز غاب او رحل. منها ما يحتضن لوحة سام عاشق للحياة استفاض في حب الحياة. وكل الحوائط تشترك في احتضان مفكرة ..... يالها من متلازمة بين الاثنين عبر التاريخ.... حيث لا يذكر الحائط الا وتقفز للذاكرة المفكرة. والعكس ايضا صحيح..... هي حكمة الاشياء وصيرورة الزمن...؟ وفي سوريا. تطلع الشمس عند كل صباح على دماء زكية وشهداء أبرار جدد احتضنتهم السهول والغابات والمزارع !!! واخرى ابتلعتهم الارض احياء او مصابين او اعدمتهم قوات الطاغية بدم اكثر من بارد.... وعند كل صباح ينتزع السوريون ورقة من مفكرة معلقة على الحائط. لا يكترثون للتاريخ...؟ ولا متلازمة الميلادي والهجري وما الفرق بين الاثنين....؟ لا يهم .... هي ارقام تلي بعضها البعض. وتاكل من سماكة مفكرة..... ويوما بعد يوم تناقصت وريقات المفكرة على كل حائط.... ومعها كان تساقط العشرات والمئات كل يوم من شباب الوطن. تسقط وريقات المفكرات .... ويسقط مقابل الورقة العشرات من الشباب!!!  والدموع تحرق المآقي في انحاء سوريا..... الدموع والعويل تختلط بالزعاريد خلال تشييع الجنائز.  وقصاصات ورق لتأريخ كل واقعة تمر أمام الكاميرات لتتوافق مع ما ترمز اليه المفكرة على الحائط..... على صحيفة كل حائط في بيت كل سوري تناثرت وريقات مفكرة حول مضى.....!! ومضى معه لا يقل عن عشرين الف شهيد. وعشرات الالاف من المغيبين ومجهولي المصير. وعشرات الالاف مثله في أقبية السجون والسراديب في طول الوطن وعرضه.... لا علاقة لهم بوريقات مفكرة وليس لايامهم معنى في عرف السجان الظالم.... رمى السوريون غلاف مفكراتهم بعد عام مضى واستبدلوها بمفكرات جديدة على نفس الجدار وبدأوا بانتزاع ورقة كل صباح..... وعيونهم معلقة على تواريخ فقدت كل معنى.... حيث لم يعد اي منها بمدعاة للفأل ...؟ او الاستبشار او التفاؤل ..... مر العام الاول وجرب السوريون كل التواريخ بين دفتي المفكرة.... ولم يتوقف القتل في أرجاء سوريا.... بل ازدادت شراسة القتل وارتكاب المجازر. فكانت جرائم الابادة من ادلب الى بابا عمرو الى الانشاءات الى جسر الشغور وخربة الجوز واخواتها. وبلدات درعا وقراها احتضنت في كل زاوية رواية لن ينساها الزمن.....
انتهت وريقات مفكرة الحول الاول من عمر الثورة. عافت الجدران في منازل السوريين احتمال تعليق المفكرات عليها..... لم يعد للتاريخ معنى.... فرت الارقام والرموز من مكانها في وريقات مقموعة منضدة على المقاس مصلوبة على حائط مسكين..... شاهد على كل الفجائع.... مفجوع حتى النخاع..... مصلوب في مكانه منذ اقامته الى ان يقضي الله امرا كان مفعولا..... عافت الجدرات تحمل المفكرات بعد اليوم...... ستطير تلك المفكرات من اماكنها لا مكان لها بعد اليوم تلك الجدران ..... سنعد على اصابعنا .... حتى اصابعنا ما فائدة ذلك ..... او لن نعد بعد اليوم....؟ سنبقى على عهدنا لدماء شهداءنا في قافلة اليوم الاول للثورة ...؟؟ بل منذ اول ظفر تم اقتلاعه من اصابع اول طفل اعتقل في درعا بتاريخ ٢٠١١/٢/١٦ لتكون اول ورقة سحبناها في مفكرة العام الاول للثورة السورية ضد الطغيان. وليكون اقتلاع النظام ورأسه ورموزه ومكوناته تماما كاقتلاعنا للورقة الاولى من المفكرة...  وكاقتلاع اضافر اطفال درعا على يد الجلاد ابن خالة وريث العرش المغتصب..... حتى سوريا الحرية ولنبدأ مصالحة جديدة وفجرا جديدا بين الجدران والمفكرة. وليبدأ تعداد الايام بشكل مختلف...؟! اياما مليئة بالكرامة والحرية. والمجد لشهداءنا  ؟؟؟؟

* صحفي سوري مغترب 

(128)    هل أعجبتك المقالة (137)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي