تعالت الأصوات الدولية والاقليمية والمحلية في الأشهر الماضية، منادية بضرورة توحيد جهود القوى السياسية "المعارضة" أو الممثلة للحراك الثوري في سورية.
وتكمن المفارقة في أن الثورة التي أحيت ذكراها الأولى، وجدت نفسها في مواجهة مزيد من الشقاق والفرقة بين التيارات والتنظيمات والأجسام السياسية الناطقة باسمها، فكل يوم جديد كان يحمل معه خلافات أكبر ومنازعات أشد بين هذا الفريق وذاك.
ومن هنا فإن السؤال الذي يلح في الطرح في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ البلاد، هو : هل ستجد الثورة السورية بوصلتها السياسية؟ أم أن على السوريين أن يوطنوا النفس على انقسامات أكثر في هياكلهم البديلة؟
لقد جاء تشكيل المجلس الوطني السوري بعد مخاض عسير، أعقب سلسلة من المؤتمرات والاجتماعات بين شخصيات وتنظيمات وقوى عرفت باسم المعارضة، في محاولة لتلبية مطلب وحدة الصف والخطاب فيما بينها، والذي ألح عليه المجتمع الدولي الحر منذ الأشهر الأولى للثورة
وما من عاقل يمكن أن يزعم بإمكانية دمج مفاهيم ورؤى خرجت من رحم نظام جثم على روح الشعب لنيف وأربعين عاماً، ولا بالقدرة على "تدجين" تلك القوى، بحيث تصبح كتلة واحدة يتكلم بلسان واحد.
ربما لا يدرك من وجه سهام النقد للمجلس الوطني الذي لم يمر على وجوده سوى خمسة أشهر، أن المهمة الرئيسية التي أنيطت بهذا المجلس هي في أن يصبح ذراعاً سياسياً للثورة ومظلة جامعة لكل الطامحين في التغيير السياسي الجذري في البلاد. ولكي لا يبدو الأمر مجرد دفاع عن أداء المجلس الذي يواجه عقبات دولية واقليمية جمة، فإن الأداء الذي بدا في بعض المناحي غير متناغم مع الأمال الكبيرة التي علقت، لا يجب في أي حال أن يكون عاملاً في تناسي الهدف المركزي الذي جاء إلى الحياة من أجله.
وإذ يحلو للبعض أن يشبه المجلس السوري بذلك الليبي، فإن من المناسب التذكير بأن التجربة الليبية اختلفت في كل عناصرها الموضوعية، لاسيما من ناحية توفر عاملي الأرض والدعم الدولي، حيث كانت المنطقة الشرقية من ليبيا مقراً طبيعياً لتواجد الأعضاء في مكان واحد مما أعطى زخماً كبيراً لصورتهم أمام العالم لجهة تمتعهم بموطئ قدم مادي اقليمي، وساعد في ابرازهم كسلطة سياسية حقة في المناطق المحررة، فضلاً عن منحهم مصداقية في الخطاب.
في أعقاب مؤتمر استانبول "الجامع" وتوقيع وثيقة العهد الوطني، فإن جملة من الاستحقاقات سيترتب على المجلس الوطني أن يقوم بتنفيذها، ولاسيما : أولاً- الاستمرار في اعتبار القرار الشعبي ملزماً وهادياً لنهج المجلس. ثانياً- تفعيل المهام التي يفترض أن يؤديها كل مكتب مختص وحث الاعضاء على تقديم اسهاماتهم بأقصى طاقة ممكنة، وعلى الأخص في المجالين الاعلامي والاغاثي. ثالثاً- العمل على توحيد رؤى الجهات المنضوية تحت لواء المجلس، سواء كانت حديثة الانضمام أو مؤسسة. رابعاً- رفع مستوى التنسيق مع هياكل الجيش الوطني السوري. خامساً- اطلاق مبادرة لتلاحم الداعمين للثورة السورية في أوساط المغتربين، والاستفادة من طاقاتهم.
وأياً كانت النتائج التي تخلص إليها المؤتمرات واللقاءات، فإن القوة الضاربة لهذه الثورة ستظل الشعب المناضل في شوارع بلدات وقرى ومدن سورية، فهو من يزيد من زخمها، ويمدها بأسباب الحياة، ويقدم الأساس لهياكلها السياسية في الداخل والخارج.
ومن هنا يبقى على جميع اللاعبين أن يتذكروا قبل تبني أي مبادرة أو اتخاذ أي موقف، بأن أي جهد باتجاه اسقاط الاستبداد لن يتم إلا من خلال الامتثال لبوصلة متفردة، هي : إرادة الجماهير..
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية