ما هو المشهد الفعلي لدعم بعض "العرب الرسميين" للشعب السوري الذي لا يقتل ويهجر فحسب، بل ويعاني من حملات تطهير وتشريد من مدن معينة كحمص؟
- ارتفاع الصوت المنخفض بعد أشهر على القتل، ببيانات خجولة تثبت أن لا "مؤامرة على نظام الأسد، ثم سكوت لا يخترقه سوى صدى مناشدات سوريون يعيشون اليوم ويذبحون غدا
- زعق إعلامي بعد صمت طويل ومشكك بمذابح النظام... ليس بسبب الصدمة، بل الطبطبة ولملمة الفضيحة
- نبيل العربي وحالة هستيرية ونرفزة الورطة من فضيحة تصديقه لما قرأه في صحيفة "البعث" في تموز العام الماضي
- وزراء خارجية عرب تحولوا إلى ناطقين رسميين ومدافعين عن حصار المدن السورية وقصفها بالدبابات بدءا من درعا
- التضييق على السوريين الناشطين والفارين من عقوبة القتل الميداني باسم "احترام قوانين البلد"
- تجريم وتوقيف وترحيل ناشطين بعد محاصرتهم والتضييق عليهم
- مباركة "المبادرة العربية" مع تذويقها بجملة " بدون لف ودوران" فصار اللف والدوران سمة تلازم حتى تحركات العرب
- الخضوع الكامل لشعارات مجربة مع القضية الفلسطينية، من جهة " نتضامن ونشجب ونستنكر وندين" ومن جهة توسل وتمني وآمال وانحلال اللغة على طريقة أمين عام جامعتهم
- الاسترشاد بما يكتبه "كتبة" النظام السوري حول التخوف من حرب أهلية وطائفية، وكأن ما يجري من عمليات إبادة موصوفة وموثقة اليوم من منظمات دولية لا تعني هؤلاء
- تحول الحديث عن "الكرامة والحرية" إلى ضمادات ومعلبات طعام وأدوية، واللعب على موسيقى البيت الأبيض والكرملين وشعارات أنقرة الفارغة المضمون
لم يستخدم العرب الرسميون سوى الكلام في "فورة" التصريحات، ولم يردوا مرة واحدة على مناشدات سوريات يفقدن أعز ما لديهن وهن يقبلن أقدام الشهداء... لم يستخدم هؤلاء ولا واحد بالمائة مما لديهم من نفوذ سياسي ودبلوماسي وأخلاقي ليلبوا ولو صرخة واحدة من صرخات أطفال سوريا... لا مع موسكو ولا مع واشنطن...
على من العتب؟
على ثوار مصر وتونس وليبيا واليمن؟
لا ليس هذا فحسب، بل على كل العرب الذين كالعادة يصرخون بداية ثم يلوذون بالصمت... مثلما كان الأمر مع فلسطين... فتحويل سوريا إلى لجان ولجان تتفرع عنها وعنها لجان يعني أن العرب مازالوا يعيشون في زمن "التضامن الفعلي"... فحتى في تونس لم يتغيب وزراء داخلية العرب عن اجتماعهم السنوي لإثبات أن هذه الشعوب ليست أكثر من "قطيع" وجب قيادته بذات الطريقة التي سبقت الثورات والربيع العربي.
يتلقى العرب صفعات وصفعات من نظام دمشق وموسكو وعواصم أخرى... يوصفون بأوصاف لا تليق حتى بين الخصوم والأعداء، وبالرغم من ذلك الشعار الوحيد لديهم: إنها تمطر!
قد أكون قاسيا... لكنني بقسوة خراب بلد عربي بدك البشر والحجر بما فيها المساجد والكنائس والقلاع الأثرية وجز الأعناق وفعل الاغتصاب لا أجد سوى هذه اللغة التي لا تفيد فيها إعارة العرب مدامعهم للسوريين المذبوحين باسم "محاربة العصابات"...
يذهب العرب إلى بغداد ليجتمعوا في قمة غير مفهوم فيها كل هذا الهرج والمرج الذي يعيد إنتاج ما تعود عليه المواطن العربي، وكأن شيئا لم يحدث في الربيع العربي ولا سوريا تشهد ثورة ولا العراق نفسه أصبح منهوبا ومسروقا من قبل المشروع الإيراني بينما يتفرج العرب...
القمة العربية في بغداد ليس لها علاقة سوى بكلام مكرر...
وكأننا نشهد قمة عربية تُعقد في السنغال أو في مالطا.... رئيس وزراء عراقي يدعم بأوامر "المرشد الأعلى" نظام دموي في دمشق ثم يبيعنا كلاما عن الديمقراطية والدولة الديمقراطية وتطلعات الشعوب... نظام يقايض إسقاط تهم جنائية وحكم بالسجن على مشعان الجبوري كأحد ابواق القذافي والأسد ثم يتحدث عن تحديات دولة القانون ومكافحة الإرهاب...
يظن هؤلاء بأن كل الربيع العربي مجرد "صداع" يحتاج لمزيد من التعاويذ العربية لتتوقف في سوريا تحت بند "الاستقرار والأمن في الشقيقة سوريا"، وطالما أن أحد ليس من أحد فالمؤامرة الكونية باتت تستهدف الجميع... لذا وجب أن يكون سفاح الشام مفروضا على الشعب السوري ونكاية بالعدو "الأميركي الصهيوني"... وهؤلاء كلهم تقريبا جاؤوا من السيدة زينب بدمشق على دبابات الأميركي... المحير في الأمر أن النظام الاقصائي في بغداد والأكثر فسادا من بين دول العالم لا يظن أن المجرم حسن كاظم راشد مسؤول مليشيا فيلق بدر في مدينة البصرة الذي دعا لتشكيل جيش طائفي شيعي من مليون إنسان للدفاع عن نظام دمشق لا يرى في الأمر تحريضا طائفيا قذرا... لماذا؟ لأن نظام بغداد من أكثر الأنظمة فجرا في الطائفية وحكم العصابات والولاءات المسيرة وفق مصالح طائفية لا غير.
وإذا كان العرب يظنون بأن قمتهم في بغداد يهتم لها الإنسان العربي فعليهم أن يعيدوا حساباتهم، لأنهم أصلا بهذه اللغة قد سقطوا من حسابات هذا الإنسان الذي يشعر بحالة اشمئزاز من بيروقراطيتهم والمرض المزمن في جامعة الأنظمة التي يعبر عنها نبيل العربي وقبله عمرو موسى والنائب المزمن أحمد بن حلي الذي لا تفهم ما يريده سوى إرضاء هذه الأنظمة...
وعليه فهذه القمة التي ليس لديها سوى بيانات فارغة يضحك منها المراقب السياسي العربي والغربي، وهم يظنون حقا أنهم قد سبقوا الإتحاد الأوروبي فقط بالحديث عن الحضارة... بينما زميلهم "الشاب" في دمشق يدك الإنسان والحضارة السورية بما يدعمونه في السر والعلن...
الثورة العربية في منطقتنا بدأت من تونس ولكنها اختمرت في كل الدول، وفي سوريا ليست بحاجة لهذه اللغة المائعة التي يخرج بها هؤلاء الذين يرون في شعوبهم مجرد قطيع وخراف تقاد كما يقود الراعي بمرياع قطيعه...
لن تسمعوا من العرب في قمتهم ما يدين جرائم الحرب الموصوفة والمرصودة في سوريا... سوف يجيدون لعبة البيانات التي مارسوها مع فلسطين... دعوة للتعقل.... ليبقى "الأسد بدل حرق البلد"... فقد ضاع على البعض موسما سياحيا... مكافحة "الإرهاب" على رأس اهتمام صناع الإرهاب في دولهم...
ما هي النتيجة؟
هؤلاء لن يكون لهم سوى أن يبلعوا الهواء... فهذا زمن الشهداء والثكالى وزمن الدمار الذي منه ستنبثق حرية الشعب السوري مهما حاول هؤلاء/ جبنا أو دعما/ لإنقاذ سفاح زميل في الشام...
لا روسيا الخائفة أكثر من شعب سوريا على بلده... ولا مجموعة حكام فاسدين ومعهم بيروقراطيين مزمنين في مقر الجامعة ولا كل مصالح الغرب ستستطيع أن تجبر شعبا كالشعب السوري أن يصير قطيعا تحت حكم عائلة من العصابات... هذا ليس كلاما عاطفيا... بل واقع تجذر ولن يكون بمقدور أي كان أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء...
ولن يستجدي الشعب السوري هؤلاء الذين يدعمون السفاح... الشعب السوري قال كلمته: الشعب يريد إسقاط النظام... ومن يظن أن الفرص التي منحت لهذا النظام لقتل الثورة والايهام انه مسيطر على الوضع باحتلال باباعمرو وكل قرية سورية لن يكون مفيدا...
دعونا نرى كيف سيتجرأ هؤلاء على محاولة إقناع شعب ثائر بوضع يده بيد سفاح يرتكب جرائم حرب على الهواء... دعونا نرى كيف صار تعريف الشعب السوري شعبا "خائنا" في عقل هؤلاء المنتهية صلاحيتهم فقط لأنه طالب بحريته وكرامته...
التاريخ يسجل كما سجلت حنجرة القاشوش وجسد هاجر وحمزة الخطيب... والتاريخ الخياني لا يرحم أحدا... أي كان هذا الأحد...
سيرتكب العرب حماقة أخرى إن ظنوا بأن هذه الثورة السورية يمكن أن تُسحق... والأيام ستفاجئ هؤلاء الذين يصدقون أن المجازر يمكن أن تفعل شيئا غير كسر الخوف واعتمار النفوس بتصميم على اجتثاث الطغيان من جذوره وليس بالرتوش والأكاذيب واللف والدوران والكلام المعسول والدسائس والاتهامات السخيفة لشعب ثائر...
الأيام بيننا... والتاريخ سيسجل لكل موقفه...
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية