لا يختلف اثنان على براعة المندوب "السوري" الدائم في الأمم المتحدة بشار الجعفري، في انتزاع صيحات الإعجاب لدى مؤيدي نظام بشار الأسد. إذ أنه يجيد، كما من عيّنه في هذا الموقع، إلقاء الخطب الرنانة التي تذكّر بسنوات الخُطب الجياشة في الستينيات من القرن المنصرم، حين كان الحكام العرب "العسكريون في معظمهم" يحتاجون لدعم شعبي فيستنهضوا الهمم بكلام يضم من العاطفة والشعر الكثير الكثير، ومن الحقيقة والواقع ما ندر إن وجد أصلاً.
وكما تحوّلت المؤتمرات الصحفية للمندوب السابق في الأمم المتحدة ووزير خارجية النظام الحالي وليد المعلّم، إلى مادة للتندر والكوميديا السوداء، كان كذلك مصير كلمات وخُطب الجعفري، مع فارق جوهري أن الأول كان مغرقاً في البلادة والبرود فيما كان الثاني حاداً منفعلاً بصورة لا تليق بدبلوماسي وقور.
وجاءت استعانة الجعفري، الذي يشكك كثيرون بأصوله غير السورية، بأبيات للشاعر السوري نزار قباني، مفارقة للتاريخ، والأخير كان دبلوماسياً مرموقاً لكنه نُفي من البلاد ولم يعد إلى دمشق إلا في كفنه، وفي ذلك وقاحة ليس بعدها وقاحة من نظام لا يخجل من شيء.
وإذا كانت الأفكار التي قدّمها في خطبه وردوده على الصحفيين أو في مواجهاته مع دبلوماسيين آخرين، اتسمت بطرح فج ومنفصل عن الواقع، ولعلّ أشهرها "الخرجية" التي كان يتبرع بها لدول الخليج، فإن إشارة لافتة ومقصودة قدّمها خلال جلسة الاستماع في مجلس الأمن قبل التصويت على مشروع قرار إدانة نظامه، توضح مدى ارتباط كل من يعمل لصالح النظام بالقيادة بطريقة أشبه بالقداسة وليس بعمل موظف مع مسؤول أعلى منه.
فقد أورد الجعفري جملة قال بها "بصفتي ممثلاً للرئيس بشار الأسد"، ثم عاد ليقول في جملة لاحقة أواخر كلمته "بصفتي ممثلاً للشعب السوري"، وذلك لم يكن من باب الارتجال بالطبع، بل هو إشارة طاعة وولاء من جهة، وإشارة إلى أن الشعب "درجة ثانية" من جهة أخرى.
ترى لو كان نزار قباني حياً يرزق الآن، أما كان قال للجعفري:
هل تطلبون نبذة صغيرة عن أرض (قمعستان) ؟
تلك التي تمتد من شواطئ القهر إلى شواطئ القتل
إلى شواطئ السحل, إلى شواطئ الأحزان
ملوكها يقرفصون فوق رقبة الشعوب بالوراثة
ويفقأون أعين الأطفال بالوراثة
ويكرهون الورق الأبيض, والمداد, والأقلام بالوراثة
وأول البنود في دستورها: يقضي بأن تلغى غريزة الكلام في الإنسان
الله ... يا زمان ...

مجلة سوريا بدا حرية
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية