عن شبهة التسلح:
إن ثورتنا سلمية ومازالت.
والسلمية تعني تغيير العقل الجمعي للأمة، وتغيير ما بالنفوس من مفاهيم وثقافة وقيم ورموز، وأعتقد أن ماحدث من تغيير في سوريا على هذا المستوى لم يحدث من قبل ألف سنة.
وهي ثورة لأن الثورة هي تغيير جذري للعقد الاجتماعي الذي يرضى بموجبه المجتمع بعلاقاته بين بعضه وبين السلطة، وماحدث للآن على هذا المستوى وماسيحدث سيثبت أن هذه الثورة أيضاً لم نعشها من قبل.
والثورة نوعان إما سلمية اجتماعية أو مسلحة عن طريق انقلابات عسكرية، ولن يجادل أحد بأن ثورتنا هي ليست عن طريق انقلابات عسكرية، وهي سلمية واجتماعية طالت جميع طبقات المجتمع.
وبناء عليه فإن التساؤل عن جدوى التسلح وإمكانيته بالتغلب على جيش عرمرم يصبح غير دلالة ضمن سياق الأحداث، فلم يفكر أحد أن يدمر الجيش النظامي ومعداته، أو أن يقف في وجه آلة عسكرية ضخمة ويتحداها، بل ماحدث ويحدث شيء آخر .. فالجيش بأصله هو ملك للشعب ومن أجل حماية الشعب، وقد حوله النظام إلى أداة لحماية عصابة حاكمة، وبما أن عناصر الجيش من الشعب نفسه، وفي الشعب ثورة هدفها فك ارتباط العصابة الحاكمة بمؤسسات الدولة، فإن اضطراباً حدث بين عناصر هذا الجيش تجلى بالانشقاقات العسكرية، وقد قابله من يتحكم بالجيش بالقتل والقصف، فما كان من هؤلاء العناصر المنشقة سوى الرد وتنظيم أنفسهم واضعين نصب أعينهم وجوب حدوث انشقاقات أكثر ستضعف الأداة الضاربة للنظام، وسيستطيعون في المستقبل بناء الجيش الوطني الحقيقي.
وبما أن النظام لايفكر إلا بالقوة والعنف ويعتمد على السلاح فإن الانشقاقات العسكرية هي أكثر ماتخيفه، لذا فقد زاد من العنف أكثر لإخافة المجتمع أكثر، ومنع أي أحد من التفكير بالخروج من الجيش والانشقاق.
لم يكن الهدف من الانشقاقات أو التسلح هو تحرير المدن والقرى، بل كف الأذى عن الثورة السلمية التي تزداد تفاعلاً بين المجتمع.
وإن القصف العنيف لمناطق المنشقين والمسلحين لايعني خطأ استراتيجية الانشقاق أو التسلح، بل يعني حيوانية العصابة الحاكمة ووحشيتها وإصرارها على حل واحد تنتهجه وهو قمع الثورة.
أدى العنف المتزايد إلى كشف الوجه الحقيقي للنظام من قبل كل المجتمع، وأدى إلى تسارع الحراك المدني والايمان بضرورة التغيير أكثر، وقد أعطى الجيش الحر الأمل بانتهاء النظام، والناس تحتاج إلى الأمل لتشحن إرادتها أكثر، وحدوث الانشقاقات على نطاق أكبر سيزيد من الحراك المدني وسيدفعه بقوة.
عن شبهة توحد المعارضة:
بالنسبة للمعارضة السياسية الخارجية منها والداخلية، فكلتاهما لم ترتقيا لمستوى الثورة ولم تفهما آلية الحركة ولا الرؤية ولا الهدف.
فالأولى كانت فوق الثورة بطموحها بأن تستعين بدول العالم وتحدث التغيير .. وقد فشلت.
والثانية كانت تحت الثورة برهانها على عقلاء النظام أن يتم التعاون معهم للانتقال إلى نظام ديمقراطي .. وقد فشلت.
والمعارضة بكل أشكالها لم تتواصل مع الداخل الثائر ومع قياداته، ولم تستوعب أن من هو على الأرض هو الذي يمتلك القدرة، وهو من يحتاج للمساعدة في صياغة الإرادة اللازمة لتحقيق الهدف.
وفي الحقيقة ،وللأسف، فقد ظهر أن المعارضة السياسية هي متسلقة على الثورة وتتسمح بشرفها، من أجل تحقيق طموحها بالسلطة والمشاركة بالحكم.
المعارضة الحقيقة هي المعارضة الثورية التي تضم شباب مجهولون لايهتمون سوى بنجاح الثورة ويقدمون أرواحهم من أجل هذا الهدف، وهم من سيحدثون الانقلاب الحقيقي في انتصار الثورة.
ولننتظر وستشاهدهم قريباً على الشاشات يتحدثون عن معاناتهم وأعمالهم التي تفخر بها أرض سورية وسماء سورية.
عن شبهة الحامل الاجتماعي للثورة:
أما أن هذه الثورة لاتحظى بحامل اجتماعي !!!!!
من يقول ذلك ينظر على سطح الأحداث ولا يسبر أغوارها.
لمن يقول ذلك عليه أن يسأل نفسه عن ضرورة هذه الثورة وأهميتها للمستقبل، ثم يسأل نفسه ماذا لو ذهب لسورية ووقف على الحاجز وسأله الأمن نفس السؤال … الجواب الأول سيعطي المعنى الحقيقي للحاضن الاجتماعي، والجواب الثاني سيعطي المعنى السطحي المزيف.
أما من يقرر مصير البلد فأنا أعتقد أن من يقود التغيير اليوم لن يشارك برسم سوريا المستقبل، فهذه طبيعة الثورات الاجتماعية، هو يحرث الأرض ويجهز البيئة لبداية مجتمع مدني ديمقراطي تقوده الكفاءات الحقيقية.
شبهة انتهاك حقوق الانسان من قبل الثائرين:
فقد نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش مؤخراً تقريراً عن انتهاكات "بعض جماعات المعارضة السورية" لحقوق الإنسان وعن ذلك أقول:
لتطالب المنظمات الحقوقية بحرية الصحافة ووسائل الإعلام لتتبين الحقائق أكثر .. بدل أن تنظر إلى الصورة مجتزأة حتى يصبح المقتول قاتلاً وتقتنع بحجة القاتل بالحفاظ على الدولة من العصابات المسلحة.
هل استطاع النظام إقناع العالم والمعارضة بتشوّه الثورة ؟
هل نريد قبر الثورة لأننا نخاف من بعض آثارها الجانبية ؟
أم هل نريد أن يكون شعبنا ملائكة من السماء ؟
لقد استطاع النظام ومن يسانده أن ينتج ظلاً وهمياً للحالة السورية، وجذب الكثيرين للتفكير في هذا الظل، وأنساهم مايحدث على الواقع، فأصبح همنا أن نبتعد عن الطائفية والتسلح ودعوات الأجنبي، وهذا يحمل في طياته اتهاماً حقيقياً للثورة بالطائفية والتسلح والاستقواء بالأجنبي.
ومن يعرف الواقع يؤمن بأن هذا وهم لا أساس له من الصحة.
فمن أشعل الثورة ويقودها حتى الآن هم الثوار الديمقراطيون الوطنيون الذين يقارعون الاستبداد بكل الوسائل، هم من يعانون مشاكل الثورة كل يوم ويدرؤون عنها شر الفتن، وهم طلائع التغيير الذين عانو القمع والموت والتضحية ويعانون من أجل بلد عزيز كريم، وهم من يرون بأعينهم القتل الممنهج كل يوم ويريدون الحفاظ على جذوة الثورة.
في سوريا اليوم مدن متقطعة بالجيش والأمن والإذلال .. في سوريا مئات الآلاف ممن عانو تجربة الاعتقال المهين .. مئات الفتيات الحوامل نتيجة الاغتصاب .. آلاف الشهداء الذين رُفِعو على الأكتاف وسط تعالي الهتاف للحرية والوطن والكرامة. …
نعم سينتج هذا الواقع عنفاً ورغبة بالانتقام من المجرمين .. فما بالنا نركز على مظلومية القتلة وننحاز لإنسانيتهم وكرامتهم.
لننظر للصورة كاملة فوقتها سيختفي هذا المشهد من اهتمامنا .. لننظر إلى الواقع كاملاً فوقتها سندرك أن هذا النظام هو مصدر للعنف والجريمة .. هو المرض وكل ماعداه مظاهر لهذا المرض.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية