عام مضى على انطلاق ثورة الكرامة السورية دون أن تصل بعد لمبتغاها في إسقاط نظام القهر والاستبداد الذي جثم على صدور السوريين نحو نصف قرن ، حكمهم فيها بكل وسائل الكبت والقسر والعسف .. وحولهم إلى مجرد رعايا للسخرة في مملكة القمع .
عام مضى سدد فيها السوريون من أرواحهم ودمائهم وأموالهم فاتورة غالية ثمنا لحرية لم يسعدوا بها بعد ولم يشعلوا لها شمعة عيد ينسيهم ألم المخاض العسير في ولادة دولة جديدة عنوانها التعددية واحترام الحريات وسمو القانون والتداول السلمي للسلطة ...
وعلى الوجه الآخر ، فإن عاما مضى دون أن يتمكن هذا النظام العريق في إجرامه من قهر شعبه وكسر إرادته في الحياة الحرة الكريمة التي طالما اقتقدها لعقود طويلة ... ورغم توسله كل وسائل القمع تلك التي اكتسبها خلال سني حكمه المديد ، وتلك التي تفتق عنها ذهنه الأمني الشيطاني إلا أنه فشل في إعادة السوريين إلى حظيرة القهر و الخوف التي تفنن في إعلاء جدرانها وبقيت صرخات الحرية مدوية في الآفاق والساحات والحواري والأرياف .
هي إذا أبعاد ثلاثة للمشهد السوري من شأنها أن تعطي للصورة وضوحا وعمقا ونقاء تتيح لنا رؤية الحقائق السورية القادمة كما هي وكما أراها شخصيا .
البعد الأول وهو داخلي ويتمثل في ذلك الإصرار الأسطوري للشباب السوري على بلوغ الهدف في الانعتاق والتحرر من قيود نظام استبدادي استمرأ إهدار كرامات الناس وحقوقهم وانتهاك آدميتهم ، بالرغم من جحافل القتل وأدواته طوال سنة كاملة واجهها الأحرار بصدور عارية إلا من اليقين بالنصر .. ومااستمرار التظاهرات واتساع رقعتها العددية والجغرافية إلا توكيدا لهذا اليقين وتلك الإرادة التي لاتلين .
والبعد الثاني هو البعد الاقليمي الذي وبالرغم من كل العثرات والتعثرات التي صاحبت مواقف المحيط العربي والاقليمي تجاه مستنقع الدم السوري ، إما نفاقا لنظام يعرف كيف يبتز محيطه المتردد ويملك الأدوات اللازمة لذلك ، وإما خوفا من رحيل نظام سوق طوال عقود أنه بيضة القبان في استقرار المنطقة التي قد تعاني من زلزال سقوطه وارتدادات ذلك وهو مالاقبل لها بها إلا أن إصرار أحرار سوريا وشبابها المنعتق من الخوف على بلوغ المحطة النهائية للتغيير فرض تبدلات جوهرية في المواقف العربية والاقليمية شكلت حتى الآن دعما معنويا – وإن كان محدودا إلا أنه قابل للتفعيل والاستثمار ورفع سقوفه أكثر – وقدمت معطى جديدا ورسخت قناعة قوامها أن هذا النظام لم يعد قادرا على – ولايجدر به – البقاء بعد هذا الكم الهائل من العنف الأعمى والاستباحة اللامحدودة لحيوات الناس وأعراضهم ومقدساتهم .. وأن تغييره صار ضرورة لاستقرار المنطقة كما كان وجوده حاجة لذلك الاستقرار من قبل ، الأمر الذي يرتب على دول المحيط العربي والاقليمي سياسات ومواقف جديدة حازمة بعيدة عن التردد والتثاقل ليس حرصا على مايهرق من دماء السوريين فحسب وإنما حفاظا على الاستقرار الاقليمي الذي لن يتحقق بعد اليوم إلا بزوال هذا النظام عن الخريطة السياسية للمنطقة .
وأما البعد الثالث فهو البعد الدولي الذي وعلى الرغم من تلكؤه في اتخاذ موقف أكثر حزما تجاه النظام السوري حتى الآن ليس فقط بسبب الفيتوالروسي في مجلس الأمن وإنما لأنه لم يتهيأ بعد لفكرة رحيل هذا النظام الذي على الرغم من كل سوءاته تجاه شعبه إلا أنه تمرس في الحفاظ على مصالح كل الأطراف الدولية واحترامها بما فيها أمن اسرائيل بصرف النظر عن نكتة الممانعة الممجوجة ..
إلا أن مافاض من تسريبات لمشاهد القتل والتعذيب الممنهج أجبر العديد من الدول على التعبير عن مواقف متبرمة من هذا النظام أخذت شكل عقوبات اقتصادية وسياسية وإدانات حقوقية هي ليست كافية طبعا لتشكل رادعا قويا لهذا النظام الممعن في القتل لكنها تشكل بحدودها الدنيا رسالة مفادها أنه لم يعد ممكنا غض الطرف عن سياسات الإبادة التي يمارسها وأن ثمة ثمن يتعين عليه دفعه .
وبانتظار أن تعي المعارضة السورية أن الوقت لم يعد يسعفها لممارسة ترف الاختلاف والتناحر ... وبانتظار أن ترتقي المواقف الدولية الى أكثر من عبارات الشجب والإدانة وتدرك أن ثمة مصلحة حقيقية لها في التغيير الديمقراطي في المنطقة عموما وفي سوريا خصوصا باعتبار أن هذا النظام المستأسد على شعبه لم يعد عبئا على سوريا وحدها بل على العالم أجمع ، فإن ساعة الحقيقة التي ماانفكت تدق في سوريا منذ آذار مارس الماضي لتعلن للملأ أن الزمن السوري القادم هو زمن التغيير والانعتاق من عبودية البعث ونظام التسلط والاستبداد .. وأن ثورة الحرية والكرامة في سوريا وبالرغم من كل الأكلاف واصلة لمبتغاها لامحالة .. فبضاعة الخوف التي يحاول هذا النظام المسعور تسويقها عبر حملات القتل والتشريد والإبادة في محاولة يائسة لإخماد جذوة الثورة صارت في سوريا بضاعة كاسدة وبائرة لاسوق لها أمام نسائم الحرية التي تنشق عبقها السوريون وعقدوا العزم على أن يعيشوا أحرارا أعزة أو يموتون دون ذلك .
ناشط مستقل في مجال حقوق الانسان
18/3/2012
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية