* دكتوراه في الإعلام
عندما يكون العرب اثنتين وعشرين دولة أو ربما ثلاثة وعشرين، وعندما تصبح الخلافات العربية – العربية أشد من الخلافات العربية – الصهيونية، فلا شك أنه يحق لإرهابيي الإدارة الأمريكية القول" نفذ صبري على سورية، ونفذ صبري على الأسد".
جورج بوش قاتل الأطفال في العراق وأفغانستان وفلسطين، وبمنتهى الصفاقة، يقول إن صبري نفذ على الأسد منذ وقت طويل. فهو يعامل الأمة العربية كما تعامل الأغنام، ويشعر بنفسه سيداً أو إلهاً أو مبعوثاً من الإله ليتحكم بهذا ويعزل هذا ويحتل هذه البلاد ويدمر تلك.
وبالطبع، فلا عتب عليه، فهو يعيش على قتل الأبرياء وإزهاق أرواح البسطاء، وقتل الرضع بالفوسفور الأبيض والأسلحة الكيميائية. هذا عمله وهذه حياته. أما العتب والأسى على الحكومات العربية الهزيلة التي تتهافت على إرضاء الولايات المتحدة كما يتهافت الذباب على القذارة.
هرول العرب إلى مؤتمر أنا بوليس ليبيعوا القضية الفلسطينية، ولشرعنة الاحتلال الصهيوني لفلسطين، ولنسيان فلسطين دولة عربية موحدة من النهر إلى البحر، فأقصى ما يمكن التفكير به اليوم هو حدود عام 1967، ولن يصلوا إليها بأنابوليس ولا بغيره.
صحيح أنني أثق إلى حدّ كبير بالسياسة السورية وبتمسكها بثوابت باعها عرب ومسلمون كثر، وصحيح أنني مدرك أن الذهاب إلى أنا بوليس هو خطوة تكتيكية، لكنني مقتنع أشد الاقتناع أنه ما كان لسورية أن تذهب في كل حال ومهما كانت المكاسب، وما كان لها أصلاً أن تفكر بقبول الرد على الدعوة الأمريكية، فإن العاقل لا يرد على السفيه ولا يعتبره موجوداً من أصله. ولكنها ذهبت متذرعة بعدم التغريد خارج السرب ومن باب" الحق الكذاب لباب الدار". وبمجرد إعلان سورية عن موافقتها على الذهاب إلى أنابوليس انخفضت حدة التصريحات الإرهابية للإدارة الأمريكية تجاه سورية، وتكلم كثير من صناع الموت الأمريكان وأعداء الحضارة، عن تفاقم أمني في العراق، وعن ضبط الحدود من الجانب السوري، وامتدحت بعض عرائس الظل في المنطقة الخضراء الموقف السوري بمنع تدفق المجاهدين إلى العراق.
حضرت سورية مؤتمر أنابوليس غير مفرطة في مواقفها، ولكن ما إن عاد الوفد السوري إلى بلاده، حتى عادت الأمور كما كانت عليه قبل المؤتمر، فأصبحت سورية هي من يرسل المجاهدين إلى العراق، وهي التي تمنع انتخاب الرئيس اللبناني، وهي المسؤولة عن كل صغيرة وكبيرة لا تعجب أمريكا في الوطن العربي.
جورج بوش، صاحب فظاعات سجن أبو غريب، يطلب من القيادة السورية إطلاق سجناء الرأي، غير منتبه أن معتقل غوانتنامو يعج بالمساجين البرءاء وبعض هؤلاء سجن لأنه كان يمارس عمله الاعتيادي فقط كسامي الحاج مثلاً فك الله أسره. وبوش الصغير هذا، يطلب من سورية وقف تدخلها في لبنان، ولكن لماذا لا توقف أمريكا تدخلها في لبنان، ولماذا تأتي أمريكا من وراء البحار ومن ظلام الإنسانية حتى تقتل أهل العراق وتعدم رئيس البلاد الشرعي الشهيد صدام حسين رحمه الله. لماذا لا توقف تدخلها في كوبا وفنزويلا والمكسيك، والصومال، قبل أن تطلب من أي دولة أخرى كما طلبت من سورية.
ليس العتب على أعداء الإنسانية في الإدارة الأمريكية في إطلاق مثل هذه التصريحات، بل على الأمة العربية والإسلامية الصامتة، العتب على الحكومات العربية التي سمحت لبوش أن يتكلم، الحكومات التي سهلت له تدمير العراق ما نبست ببنت شفة. تلك الحكومات التي باركت احتلال بلد عربي وباركت قتل إخوة لهم في الدم والدين والتاريخ، الحكومات التي أعطت أرضها وقوت شعبها للقوات البربرية الأمريكية لاحتلا ل بلاد الرافدين.
عندما أصبح القادة العرب يحجون إلى البيت الأبيض بدل الكعبة المشرفة هنا أصبح بوش البغاث نسراً، إنما جبن قادتنا هو من جعل الإدارة الإرهابية تصول وتجول وتلعب بدمائنا وتعاملنا كالبهائم.
العرب الذي يخطط بعضهم لإهلاك بعض يستحقون أكثر من هذا، في فلسطين دولتان، واليمن على الطريق. الجيش المصري مشغول بمحاصرة غزة، الخلافات السعودية السورية تجاوزت حدود المعقول بين بلدين يجب أن يكونا أكبر من ذلك بكثير، الجامعة العربية تحيي عملية السلام التي أماتها عمرو موسى قبل عدة سنين. الإعلام العربي مشغول بنجلا وهيفا، ومسابقات الآلاف والملايين وهز الخصر، والدفاع عن الشذوذ. أ فلا يحق لأمريكا بعد كل هذا أن تتعالى علينا وعلى حضارتنا، علماً أنها بلد الظلام والإجرام والقتل.
في مرحلة ما كان الأمل عظيماً بقيام وحدة عربية، وضاق الأمل فأصبحنا نتكلم عن وحدة إقليمية، ومع مرور الوقت، أصبحنا نتكلم عن التعاون العربي والعمل العربي المشترك واليوم ممنوع علينا أن نتكلم عن التضامن العربي، وسيكون علينا أن نتكلم يوماً عن وحدة العراق، أو وحدة اليمن أو وحدة الإمارات أو غيرها.
ما بقيت دولة في العالم إلا وسحقت كبريائنا، حتى أصبحت إيران تطالب بالبحرين، وإثيوبيا تعيث فساداً في الصومال.وإذا هجمت الكلاب على بلد عربي فلن يكون هناك نجدة من أي بلد عربي آخر ولربما كانت النجدة للعدو لا للعربي، وهذا ما حدث في العراق إذ أعطيت المطارات والموانئ والقواعد العربية للعدو الأمريكي ليحتل عاصمة الرشيد.
الدول العربية تتباهى بأنها تمنع المجاهدين من التسلل للعراق..لماذا يخافون على القوات الأمريكية المحتلة، ودول أخرى تمشي في الأرض مرحاً مفتخرة بعلاقتها التاريخية مع الإدارة الإرهابية في واشنطن.
وتحاول كل دولة أن تثبت لأمريكا أنها الأقرب لها وأنها الأشد وفاءا لها من الكلب لصاحبه.
طبعاً في ظل هذه الظروف يحق لصناع الموت القول أن صبرنا نفذ من هذا أو من ذلك. هذا مع يقيننا أن الإدارة الأمريكية لا تملك شيئاً لتفعله ضد سوريا فهي غارقة في وحل العراق، وتحاول أن تخرج مما هي فيه من رعب لحقها بفضل المقومة العراقية الباسلة.
ليس أمام هذه الأمة من حل إلا العودة إلى الله أولاً وإصلاح ذات البين، ورفض العدوان على أي شبر من الأرض العربية، لا بد أن يكون هناك جيش عربي واحد يدافع عن تراب هذه الأمة من المحيط إلى الخليج، لا بد أن يشعر كل زعيم عربي أن كل حبة تراب عربية في أي بلد عربي هي من مسئوليته المباشرة وعليه أن يدافع عنها بنفسه وجنده. إما هذا، وإما سينفذ صبر بوش على الزعماء العرب كلهم، وصدق الله العظيم إذ قال" ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" .
"بوش" نفذ صبره على الأسد...إنما للصبر حدود! ... د. عوض السليمان *

تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية