أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حمى... محمد محمود التميمي

حمى
سرير مفرد لا يتسع حتى للتفكير في ضم شريك حياة يوما ما، غطاء تفوح منه رائحة النوم الثقيل ووسادة تحولت لمرجن فحم مشتعل، وأنا.
استيقظت عند الفجر، او حاولت الاستيقاظ، وقد أصابني من الحمى ما أصابني، أجد صعوبة في النهوض او حتى التقلب من جنب لآخر. أحسست ان رأسي تحول لكرة من لهب، نظرت الى يداي وكأنما جيش من الحبوب الحمر قد غزاه وانتشر في جميع اجزاء جسمي ... انها الحساسية.
أفزعني المنظر، ولكن ما افزعني أكثر هو النشرة الاخبارية التي تصادف بثها مع لحظة اكتشافي الحساسية. "مجزرة في كرم الزيتون في حمص، نساء وأطفال ذبحوا بالسكاكين واحرق من لم يمت حياَ! ... ولا يزال القصف مستمرا على غزة" عندها هانت عليّ نفسي، وهانت الحساسية والحمى التي اصلا ارتفعت شدتها بعد ان شاهدت ما شاهدت من اخبار سوريا التي تدمي القلب وترفع ضغط الدم وحرارته.
نظرت لنفسي في المرآة، وجه أحمر وعينين منتفختين، جسد اعياه المرض وتركه كجسد ابن الثمانين حولاَ، حبوب حمراء تكسو الجلد لتتركه أحمر ... أحمر أليس هذا لون الدماء الذي تكتسي به حمص وحماة وغزة؟ أحمر أليس هذا لون ليالي ساسة العرب الذين يخرجون لنا بين كل فينة وأخرى بشجب او استنكار؟ أحمر أليس هذا لون جهنم التي ستحرق الظلمة في الدنيا قبل الآخرة؟
أيها الجسد المنهك رغم سنيك القليلة، ما الذي فعلته لتستحق بعض راحة واستجمام؟ أقمت بثورة؟ أشاركت بها؟ ام كنت تنظر عليها وتهتف لها من بعيد تماما كمشجعي كرة القدم المقعدين. أيها الجسد تجلس خلف شاشة تذرف بعض دموع على مجازر يومية ثم تنتقل الى عالم اللهو وكأنما ما شاهدته كان برنامجا عن عالم البحار! ايها الجسد، ما الذي سيفعله جسد آخر فقد نصف أعضاءه وشقيق روحه؟ جيش حبوب حمر كسون جلدك فأفرطت بالشكوى، كيف بمن كسى كتائب الاسد وشبيحته بلده وبيته؟ او بمن اقتحم جنود الاحتلال عليه أرضه ومسجده؟
خجلت من نفسي أمام أهل سوريا وفلسطين الابطال، خجلت من مرضي فحملته للطبيب وقلت له: "خلصني منه، او اجعله اصابة بشظية صاروخ من طائرة زنانة او رصاصة متفجرة من شبيح، اما ان تخلصني منه او تجعله شيئا افتخر به!"
فحصني الطبيب وقال: "أيها البشري، مرضك هذا ما هو الا قليل من البرد والرشح وهي أمراض أهل الارض، اما بالنسبة للشظايا والرصاصات فهي ليست امراض، بل أوسمة شرف ولا يستحقها الا من حارب من أجلها، اذهب الى بيتك واسترح قليلا ولا تشاهد الاخبار فهي تزيد من مرضك"
رجعت الى البيت، بصداع في الرأس وبأنف مشقق وجسد أحمر، وقلب مكسور، عدت متمنيا لو انني فرد في قافلة شهداء حمص او ادلب، او بين مصابي غزة، فعلى الاقل سأكون قد حزت احدى الحسنيين. عدت فاستقبلتني المذيعة بنفس الخبر مجددا: "مجزرة في كرم الزيتون ...وقصف على قطاع غزة".
أطفأت التلفاز وتناولت الدواء وخلدت للراحة، تماما كما قال لي الطبيب. ,أولم نعتد على ان نطيع الاوامر دون ان نناقش او نفكر او حتى ان نعترض؟!
كان الله معكم يا أهل سوريا الابطال ويا أهل غزة العزة، يوم القيامة ستأتون بجراحكم ودمائكم الزكية وسنأتي بأجسادنا المترهلة الممتلئة عن آخرها. لا تتوقعوا منا اي شيء فأنتم أبطال وما نحن الا اشباه بشر!
يا رب حرر سوريا وفلسطين

(99)    هل أعجبتك المقالة (101)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي