أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ما فهمه السوريون لن يفهمه الأسد وعصابته!... الياس س الياس

أهم الدروس التي استخلصها الثائرون في سوريا هي تلك التي كشفت لهم عن قوة عظيمة يملكها الإنسان حين يكسر حاجز الخوف ويصمم على استعادة كرامته وحريته...

مجتمع عاش في ظل دولة بوليسية ( تكشف لاحقا أنها فاشية المحتوى والممارسة) شاع فيه استخدام الأخ والابن والأخت وربما الزوجة كمخبرين عند أجهزة القمع تحت التهديد والوعيد، وبث إشاعات عن قدرات خارقة و فوق طبيعية لسلطة النظام على معرفة كل ما يقوم به الإنسان بما فيه وجبة العشاء وساعة نومه... هو مجتمع تمت محاصرته بشعارات لا يلمس منها شيئا بدءا من القومية والحرية والوحدة... مجتمع تم استهدافه بكثير من الإفساد والفساد وبث النعرات بين مكوناته ومناطقه ليبقى المسروق مثلا خائفا من الشكوى والمظلوم يهرب من القضاء الفاسد والصمت سلاحا للبقاء على قيد الحياة!

لم يكن صادما لمن يعرف الطبيعة الفاشية للأنظمة، التي يمثلها اليوم بشار الأسد وعصابته، أن يفهم مدى الإحباط والشعور بالخذلان عند السوريين من "الطليعة" المثقفة ومن مجموعة من الفنانين الذين أبدعوا في التهريج الفكري عن الحرية وعن الكرامة... فكل الهراء الذي كان يلقى في جوف الإنسان السوري ثقافة وفنا تبين أنه كان مجرد تفاهة تصب في التنفيس المضبوط ( باستثناءات يعرفها السوري) وفي تكريس "أبدية" العصابة الحاكمة بالوراثة... فقد تجد السياسي يورث أحد أفراد عائلته منصبا و يتوسط لتوظيف أحدهم في الإعلام وكل الماكينة البيروقراطية التي تعيش غارقة في الفساد والمحسوبية و الرشوة والتخريب للبنية الاجتماعية تخريبا يصب في نهاية المطاف في مصلحة "ديمومة" العصابة ومصالحها... وتفكيك أي نوع من أنواع العقد الاجتماعي والسياسي بين تلك الماكينة البيروقراطية التي تعمل كالمدحلة والمجتمع الذي كان يجري طحنه بشكل منهجي ومنظم ومقصود.

بعد عام تقريبا يكتشف المجتمع السوري نفسه بطريقة أخرى، مكلفة في الثمن وباهظة في التضحيات بالأرواح والممتلكات، فهو مجتمع سوري أولا وأخيرا، وقبل أن يحاول الأسد وعصاباته تحويله إلى مجرد كائنات مورثة باسم الحزب "القائد للدولة والمجتمع" ومشاع الملكية باسم "الاشتراكية" وعبيد في مزرعة آل الأسد وتحالفاتها العصبوية والمافيوية... كان لرجال الدين ومافيا الاقتصاد دورا في المسرحية الهزلية التي ظلت مسلطة على رقاب المجتمع السوري أفرادا وجماعات، عشائر وقبائل ومجموعات عرقية واثنيه ودينية تم استخدامها بشكل مبتذل لتسويق فكرة: السوريون بدون آل الأسد لن يكونوا مجتمعا متقدما... فرغم التناقض الفاضح بين شعارات "علمانية" وإسفاف العصابة في استخدام الدين فقد صدق البعض كذبة أن نظام الأسد "حامي الأقليات وعلمانية الدولة"!
ربط فكرة "التقدم والاشتراكية" و "القومية والوطنية" بعائلة الأسد جعل من مدحلة المافيا الحاكمة تسير بسرعة جنونية نحو توريث أحد أبناء حافظ الأسد " لكي لا تتوقف عملية البناء والتطور"... العملية التي كرست حالة من التخلف والنهش والسرقة لثروات السوريين ومن كان يفتح فمه متسائلا عن المعنى من هذه المأساة التي حولت سوريا إلى مزرعة مورثة بتعديل دستور متهرئ في دقائق معدودة مكانه التخوين والسجن والنفي والقتل... وتوهين "نفسية الأمة"....
كل ذلك ما كان ليقنع إلا شريحة غير قارئة لتاريخ سوريا قبل ولادة بشار الأسد، كالفرد الوحيد القادر على فهم شيفرة الممانعة والمقاومة والقومية والوطنية ومعرفة المؤامرات ضد العرب ومعرفة أن هناك جولانا محتلا وفلسطين قضية العرب الأساسية ولكأن سوريا لا يوجد فيها غير هذا الذي كان عمره 34 سنة حين توج بتصفيق هزلي على رأس مجموعة المافيا المتداخلة المصالح والوظيفية التي يقوم بها نظام الحكم اقليميا ودوليا كخدمات ومقايضات، ومن هنا جاءت فكرة المؤامرة الكونية وظن النظام بأنه بمثل هذا الأكاذيب سيحول الصراع بين شعب يطلب الحرية والكرامة وإسقاطه إلى صراع مع دول العالم وبدون استثناء سوى ما هو معروف... حتى أن هذا النظام هدد بزلزال لم يجرؤ في عنتريات التهديد الاقتراب من "دولة العدو" وهو ليس سرا.. أو لم يعد... ضمن الحالة الوظيفية لهذا النظام المقايض لكل شيء... كل شيء... من أجل ضمان مصالح مافيا الحكم.

ما لم يفهمه النظام السوري، وما أظن بأنه قادر أو يريد أن يفهم، بأن شعب خرج يتحدى الموت لا يمكن إخضاعه وإعادته إلى مملكة الصمت والتخويف... شعب يقصف ويقتل ويُتهم بأنه "جراثيم وحثالات" لا يمكن الكذب عليه باسم "العصابات المسلحة التي تروع الآمنين"... فحيث كانت تصل عصابات الحكم كان الترويع والاغتصاب والنهب والتدمير... وحيث كانت تغيب الشبيحة كان الناس يشعرون بمعاني الحرية والكرامة... ولم يستطع هذا النظام طوال عام كامل من تعديل روايته عن تلك العصابات وهي رواية أسقطته منذ اليوم الأول لإطلاقها... لسبب بسيط جدا... الشعب يعرف من يقتله ويعرف من يصدر الأوامر لتحريك القطع العسكرية والشبيحة... وفي كل العالم الدولة التي تدعي أنها تقتل شعبها بحجة سيطرة وتنقل العصابات المسلحة وسيطرتها على المدن شمالا وجنوبا وشرقا وغربا هي دولة فاشلة بكل المعايير...

حين ينهار الاقتصاد المكرس بالأساس لمزيد من النهب وبسبب ما ذكرناه عن الفساد المستشري الذي يصل حد الدوس على كرامة البشر لأجل حفنة من المال فإن هذا النظام يصبح عبئا حتى على الطبقات المستفيدة من وجوده...

حين يخرج نظام بوليسي كل ما في جعبته من عصابات ويطلق المساجين الجنائيين ويعفو عن تجار المخدرات والمهربين ومن كان يتهمهم بالإرهاب... فهو يظن أنه بذلك يمكن أن يروع الشارع السوري ويعيد الخوف إليه...

حين يقصف مدنا وقرى ومحيط دمشق بالقذائف ويرسل لها الدبابات وشبيحته مستخدما كل الوسائل تحت تبرير ملاحقة العصابات المسلحة فإنه يقف عاريا حين تقوم شبيحته بإطلاق النار بقصد القتل على المشيعين في المزة والميدان... واستخدام العصابات في حلب لتفريق أي مظاهرة...

حين يطلق شبيحة النظام ( على الأرض وفي الفضاء الإعلامي) شعارات تهديد "الأسد أو نحرق البلد" فإن المعادلة تصبح واضحة وضوح الشمس، التي أُبشر شريف شحادة بأنها ستشرق من الشرق يوم سقوط هذا النظام، لدى شعب فهم بوضوح المعادلة: حتى لو سيطرت كل دبابات وجند النظام على الأراضي السورية فلن يسيطروا على هذا الشعب وهو شعب لن يمكن الأسد من التنعم بما ورثه بعد اليوم... وهذه المعادلة هي الأخطر على سوريا المستقبل التي يخطط لها النظام بدون أسرار ولا تقية سياسية وإعلامية...

ما لن يكتشفه هذا النظام الذي تحول على الفاشية بأن مخارجه العسكرية في محصلتها صفرا... وهو لن يكتشف إلا متأخرا بأن كل التهديد والوعيد بتقسيم سوريا وادخالها في أتون حرب طائفية سوف لن تكون سوى محفزا لكل فئات الشعب السوري للتخلص منه سريعا... وبأكثر تصميما مما كان عليه قبل عام حين خرج يدعو إلى الحريات والإصلاح فجوبه بالقتل والترويع والصدمات عله يخيفهم...

وما اكتشفه الشعب السوري خلال عام من ثورته، في قيظ الصيف وصقيع الشتاء، بالرغم من كل أكاذيب إعلامه والمتحدثين باسمه والتحريض العلني على قتل الشعب من محطاته التلفزيونية الفضائحية، وبالرغم من الخذلان العربي والدولي بفعل حالة الوظيفة الموكلة إليه في المنطقة، بأنه شعب أكثر حنكة وأكثر تحضرا من جلاديه... واستمرار التفوق الأخلاقي على الجلاد والطاغية هي التي تقرب الشعب السوري من انتصاره المحتوم على نظام يطلق العنان لعصاباته المحلية والمستوردة لاستباحة القرى والنهب والاغتصاب والتعذيب والقتل والإعدام الميداني...

خلال 12 عاما من حكم وراثي أثبت الشعب السوري قدرا من الصبر لم يفهمه المورث وعصابة الحكم، لكن هذا الصبر وصل حدوده التي ستتجاوز كل هذه الصورة الدموية التي قوبل بها هذا الشعب باستغباء لعقله ووعيه الفردي والجماعي خارج قصص "سعر المازوت" و "زيادة راتب" و" منح جنسيات لمواطنين محرومين من الأكراد"... قصة الكرامة التي لا يفهما سوى من يملك كرامة لم تصل إلى الأسد وأتباعه لسبب بسيط جدا: كيف يجرؤ هؤلاء العبيد على التمرد علينا!
القراءة المتعجرفة بفضل العسس وقوة النار وسيل من الأكاذيب والفبركات وإعادة إنتاج رديئة لفبركات تؤدي في نهاية المطاف إلى سوريا أخرى... سوريا جديدة ما كان للديكتاتور والفاشي أن يفهمها " يا حوران حنا معاكي للموت ويا حمص برزة معاكي للموت" و " الموت ولا المذلة"... لم ينتبه الديكتاتور أن مفهوم الافتداء والحرية لا يمكن أن يخادعهما مذيع في قناة الدنيا ولا "محلل استراتيجي وإعلامي" يبثان الأكاذيب كعنوان لتأليه الحاكم واعتبار الرعية مجرد " مجموعة من الرعاع الخارجون عن القانون" ولا خطاب إصلاحي مخادع يقوم بلعبة تبديل الطرابيش... ففي اليوم الثامن من آذار ما زال النظام يعتبره عطلة رسمية لانقلاب عسكري جاء بالعسكر للحكم وشطب البعث من الوجود وجعل اسمه مطية لاعتلاء حافظ للسلطة والاتيان بعصابات الحكم المعروفة، يوم كان من المفترض وحسب دستور الديكتاتور الجديد ألغى بندا عن "قيادته للدولة والمجتمع" يحتفى به كمؤسس لمملكة التخويف والترهيب... وفي المقابل تثبت سوريا أن شعبها المجبر قبل الثورة، من المدرسة حتى الوظيفة، على تعبئة استمارة الانتماء لهذا الحزب ما عادت تخيفه ولا تخدعه شعارات فارغة المضمون والمحتوى...
فمن أعطى رتبة فريق لشاب هو في الرابعة والثلاثون من عمره وسلمه الأمانة العامة لحزب وقيادة الجيش وأجهزة القمع الخمسة وتفرعاتها وورثه الحكم للشعب والأرض هو ذلك التملق والجبن والخوف والإعدامات والمقابر الجماعية لسجناء تدمر وحماة وجسر الشغور والمشارقة وتحويل ربيع دمشق إلى مجرد ثرثرة حين غرزت أنياب هذا الأسد جسد هذا الربيع سجنا ونفيا لرموزه لمصلحة ما ورثه من حكم عائلي استبدادي...

هو الجبن والخوف الذي قتله بشار الأسد وعصابته حين اكتشف الشعب السوري نفسه مجددا في زمن ثوري آخر غير زمن ثرثرة الممانعة وتأجيل كل الحريات والكرامة باسم "التوازن الاستراتيجي" و " مقاومة العدو" الذي لم تطلق عليه طلقة للدفاع عن سيادة الوطن حين اخترقته مرات ومرات طائرات وجند وصحفيي هذا "العدو"...

هو الخوف الذي ركله الشعب السوري إلى غير رجعة... ومهما بدت قدرات العصابة الحاكمة على السيطرة على الأرض والتنكيل بالشعب، فإن شعب سوريا الذي نهض يواجه نظاما يعرفه جيدا أكثر من بقية العرب فإنه ليس بالشعب الذي سيمل ويتعب ويتراجع عن ثورته... لقد فهم الشعب السوري المعادلة جيدا وهو ليس كما يراد لنا أن نتخيله وفق إعلام هذا النظام وأتباعه بأنه شعب عاشق لقاتله ويهتف في بابا عمرو المدمرة بحياة جلاده... وليس هو الشعب الذي يظهر في برزة والقابون يشكر "منحة الرئيس" ( فالحافلات التي تحمل المؤيدين لاداء التمثيليات الرخيصة في الكوميديا السوداء لا يمكن أن تنطلي حتى على من يعيش خارج تلك الأحياء)... ولا يمكن أن يكون هو الشعب الذي يطلب من "الرئيس وأخيه ماهر" أن يرتديا اللباس العسكري لقتله في دير الزور ودعوته لادلب لتدمير سكانها وبيوتها ومن ثم القول: الشعب يطالب بدخول الجيش! ثم يظهر لنا الدمار "الذي تسببت به العصابات الإرهابية في بابا عمرو"...

لن يستوعب الأسد فداحة "الخازوق" الذي يحضره لنفسه ومريديه وعصاباته قبل أن يكون الوقت قد فات... وقد استوعب الشعب قبلا وعلى مدار عام كامل من ثورته بأن هذه العصابة التي تتنفس كذبا وخداعا وفبركة لن تعيد إليه ما ركله من خوف ومن رغبة في الكرامة والتحرر وتقرير المصير تحت سماء سوريا لا تحت سقف بشار ولا في معسكرات اللجوء...

نعم قد تطول معركة الشعب السوري من أجل حريته، ولكنها معركة فرضها نظام يدعي "الوطنية" بينما يوغل في الدماء وتدمير البلد... راهن الخارج على "عقلاء" في دمشق... فوجدوا مجموعة من المعتوهين ومجرمي حرب استمرءوا القتل بوهم أن كل شيء سيكون على ما يرام تحت شعار "خلصت"!

الشعب السوري وصل على قناعة بأن من سيقتلع هذه العصابة من جذورها هي إبداعات هذا الشعب الكفاحية وليس أي من أقطاب الخارج الذين جملوا الصورة القبيحة في السابق لنظام يعرفه شعبه أكثر من العرب والغرب... قد يصحوا هؤلاء قريبا على كارثة ما فعلوه بشعب سوريا، وقد لا يهم لا العرب الداعمين سرا وعلنا سفاحا بهذا الحجم من الوحشية... لكن في نهاية الأمر من سيقرر نهاية هذا الطاغية هو فهم وإدراك الشعب السوري لاستحالة التعايش مع "خائن يقتل شعبه"!






(110)    هل أعجبتك المقالة (109)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي