أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

العورة الإعلامية في سوريا... المنصف السوري

لا شك أن سقوط النظام هو الحلقة الإصلاحية الأولى في البلاد، لكن سقوط هذا الكم اليومي من الشهداء هو الدافع الذاتي للثائرين بوجه الطغيان، ومن المؤلم أنه الصفحة الأشد دموية في تاريخ سوريا الحديث والقديم.
بات من نافل القول أنه لولا "الصحفيون الجدد" الذين انبروا لتوثيق آلاف الانتهاكات اليومية من هدم وقتل واعتقال وإهانة وضرب وقنص وسرقة وفساد، لم يكن صوت الثورة السورية  وصل إلى مسامع الكون.
لأن كل مقال رأي كتبه عربي أو أجنبي أو برنامجا أو تقريراً تلفزيونياً وحواراً جرى في بقعة من بقاع الأرض، بُني وتمحور حول صوّر هؤلاء الناشطين، حتى تقارير هيئات حقوق الإنسان اعتمدت بشكل أساسي على ما أنتجه ورفعه الناشطون بعد خروجهم أحياء من نيران النظام.
هذا بالفعل ما أكده السيد بشار الجعفري مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة عندما قال أن مفوضة أمم المتحدة لحقوق الإنسان نافي فيلاي اعتمدت على "تقارير"، وأضاف أنها لم تجر أي حوارات مع الحكومة السورية حول هذا الموضوع، كأن الحكومة أنفة الذكر تنتظر السيدة فيلاي لتقول لها أنها قتلت 400 طفل والآلاف من المتظاهرين السلميين وتسلمها شرائط الفيديو عن كيفية القتل والقنص والانتهاكات.
 
وأكاد أجزم أن "الصحفيين المواطنون" قاموا بنقل الصور من مدنهم لا بغرض الانتقام، إنما بغرض كتابة التاريخ بقدر جيد من القوة الفكرية، لا القوة العسكرية , ولا القيادة القومية التي كتبت التاريخ طوال الأربعين عاماً السابقة لأنها الأقوى مخابرتياً لا فكرياً. التي طالما خيّلت وتمخترت وحدها في أدبيات السياسة والتربية القومية السورية وكتب الديانتين المُدرّسة، هل تذكرون الصفحة الأولى؟؟ فيها.
وحتى اليوم الذي نحن فيه من الثورة السورية،  يجد مؤيدو النظام حجة لمهاجمة المعارضين بمختلف أنواعهم وأجناسهم ودرجات معارضتهم، ينشغلون بالمهاجمة أكثر مما تشغلهم حرية البلاد وخلاصها من حكم أفرغها من كل تميز فكري أو أممي إلا ما تميز به شعبها.
هل من أحد يكره الحرية؟ نعم، يبدو ذلك... ليس أنصار النظام على وجه التحديد، بل من يروا أن الحرية عدوٌ لهذا الحكم -كأشخاص لا كنظام-، من حرمتهم الذهاب إلى المسابح وحضور الحفلات الصاخبة، ومن يروا على طريقة إعلام :"  هي الحرية الي بدكن اياها".
دعاة الحرية، من كل أطيافهم خرجوا إلى الشوارع في الأشهر الأولى حتى بدون دعوات داخلية أو أحزاب نظمت لهم الشعارات واللافتات وأماكن التظاهر والكلمات والمناشير والبيانات.
وإذا اعتبرنا دعوات المعارضة السورية في الخارج للتظاهر يوم 5 شباط 2011 هي أول أجندة كُتب لها أن تنفذ، لماذا لم يخرج "المتآمرين" على نظام الممانعة آنذاك، ألم يتلفت مئات المحللين السياسيين الذين استضافهم التلفزيون  أن الناس لم تخرج إلا بعد أن سال الدم... واستفاق الشعب على الحكم اللا ديمقراطي ( كأفضل وصف ممكن للنظام).
ولنتكلم قليلاً بمنطق النظام، لنفكر مثلما يفكر...
في أسس حل النزاعات إن كان عليكَ أن تكون وسيطاً نزيهاً، عليكَ أن تقول لكل الأطرف سأضع "نفسي مكانكم للحظات" الآن لنضع أنفسنا مكان النظام ونصدق أنه أخرج الجيش لحماية المدنيين، ولنترك أشهر خلت من هذه الرواية ( أقصد من خروج الجيش) ونصل إلى هدم المنازل وذبح الأطفال تحديداً في كرم الزيتون بحمص، ونسأل لماذا لم ينذر الجيش الأهالي ولماذا لم يفرض حظر تجول إذا كان قد رأى مثلاً رصاصاً خارجاً من بناء وأراد أن يخرج الآمنين ويضرب من يصفهم "بالعصابات المسلحة"، أما من حق بقية الشعب في الحي ذاته أن يعرف ويخرج منه ريثما تنتهي المهمة النبيلة؟!. أقلها فرض حظر تجول معلن، غير أن هذا الأخير يتم ميدانياً، لكن عن طريق قتل أول ثلاث أو أربع أشخاص يقررون التخلي عن الحيطة ليلاً وزيارة جريح أو محتاج فيكون قتلهم إيذاناً مزاجياً ببدء حظر التجول.
 
 
حتى أن الإعلام الرسمي وأعوانه، لم يكلفوا أنفسهم بتفسير ما حدث حتى ولو  بفبكركة سطحية كما اعتاد، التقرير "فائق المهنية" الذي يكتشف فبركات من يسميهم النظام "القنوات المغرضة".
ماذا عن بابا عمرو، ومع تواصل القصف منذ نحو شهر، أو ملاحقة الإرهابيين كما تقول الجهات الرسمية المختصة علت الأصوات مطالبة بعدم إيذاء المدنيين، وتأتي مقاطع الفيديو من الحي المجاور الإنشاءات لتكشف أن ماردا جبارا مر من هنا. تكسير سيارات لمدنيين وتخريب أثاثات بيوت وإطلاق نار على نازحين، هذا ما قاله إعلاميون أجانب تسللوا إلى تلك المناطق لا ما قاله الناشطون باعتبار أن الإعلام الرسمي يعتبر هؤلاء متواطئين مع من يسميهم الإرهابيين، وماذا عن الأطفال والأمهات الملتجئين في المساجد. ماذا يقدم لهم النظام من مساعدات باعتبار أن العصابات المسلحة روعتهم حسب رأيه، ولماذا لم تدعو وسائل إعلامه العتيدة إلى التبرع بالدم أليس هذا شعب ويحتاج لرعاية، وبما أن النظام يشعر بالإهانة من دول الخليج التي تريد أن تعلمه الديمقراطية المفقودة لديهم لماذا لا يكون سباقا بتلبية حاجات المواطنين من غير حملة السلاح والثوار وقطع الطريق على تبرعات دول الخليج العينية والطبية.
ألم تسمعوا بالمراسل الصحفي الحربي، أين هو بين الجنود حالياً ليصف لنا ما يحدث، لا نسمع إلا عملية جراحية، أو نوعية دقيقة، نريد أن نصدق بحسن نية، لكن ماذا عن موت الأطفال والأمهات يقولون لك دروع بشرية يضعها المتحصنون بهم،
طيب، لنقطع الشأن الإعلامي المحلي وننتقل آلاف الصحفيين وكتاب أعمدة الرأي في العالم الذين يكتبون عن بطش النظام السوري في تعامله مع الحركة الاحتجاجية، ومنهم يرون تفاصيل دموية جرت أمام أعينهم، تعالوا نقنع طفلاً لم يتجاوز الست سنوات بان هؤلاء الصحفيين ضمن دائرة المؤامرة الكونية. مالذي يجعل صحفيا أجنبياً يأتي ويموت في سورية. "التآمر"؟؟؟
 
إفراغ
في زمن كان يتباهي مسؤلوا الإعلام السوري عن ازدياد عدد المطبوعات ومنح الرخص لوسائل إعلام محلية وأجنبية وصل إلى أكثر من 200 تصريح منذ عام 2000 وحتى 2010، كان الخطاب الإعلامي الرسمي يزداد تصحراً كأنه يخاطب كائنات متجمدة، لا تدرك ما حولها في العالم ولا تقرأ أكثر من الصحف الثلاث، حتى أفرغ الحياة الإعلامية من أي محاولة إبداع قد تصل إلى إفهام الشعب لحقوقه، هذا واحد من أسباب تأخير الثورة.

زمان الوصل
(118)    هل أعجبتك المقالة (134)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي