جسد يخلو من اي روح، و قلب توقف عن ضخ العواطف، و عيون جفت في مآقيها الدموع، و وجه خلا من الملامح. المشاعر كلها رحلت هناك الى حمص، سكنت في شقة نصف مهدمة على ناصية شارع يعتلي أسطح مبانيه قناصة وشبيحة، في منتصف حي الخالدية، فهناك للحزن معنى وللبكاء دموع وللقلب مشاعر وللكرامة دولة ورجال وحتى فريق لكرة القدم!
تسمر أمام شاشة التلفاز يرقب صور الجثث والدماء والدمار، يهتز كلما سمع قصفاً و تنطلق من حنجرته "الله أكبر" توافق أختاً لها على الطرف الآخر من الشاشة، حيث يقبع الطرف الآخر من الحدث.
يدفع عن نفسه التعب والنعاس، مستخفاً بجسده مخاطباً له: كيف تنام ولك أخ يُعذب في بابا عمرو؟! وأخت تغتصب في الرستن؟! وأم ثكلى في باب سباع؟! وأب مكلوم يستنهض خالد بن الوليد ليقوم؟! كيف يغمض لك جفنٌ وأطفال حمص يتوسدون القذائف وهي ترتص تحت رؤوسهم او فيها؟! ويستمعون لقصص استشهاد آبائهم قبل النوم وان باغتهم النوم قبل نهاية القصة سيلتحقوا بآبائهم الشهداء ليسردوا لهم النهاية؟! يبتلعون عطشهم فلعل الام اذا ذهبت لتحضر الماء فلن تعود أبدا وتنضم لقافلة قصص ما قبل النوم.
بين الفينة والأخرى تظهر المذيعة المتأنقة لتذكرنا بأن القصف ليس في بغداد او غزة انما في حمص هذه المرة. كأنما تقول لنا: لا ليست هذه جراحك القديمة دائمة النزف، بل هو جرحٌ جديد غائر بعض الشيء صنعه مخلب أسد. لعلك تنسى بجرحك الجديد هذا ألم جراحك القديمة وكأنما ينسى المرء آلامه اذا انضم لها جرح جديد و ألم جديد و نزف آخر!
ذهب بفكره هناك، أصلا عقله لم يعد من هناك منذ منتصف آذار، من ساحة الخالدية او الشهداء لا يهم فأصبح لكليهما نفس المعنى والدلالة. يتمنى لو صرخ معهم بأعلى صوته: "الشعب يريد اعدام السفاح" وأنشد معهم بخشوع: "يا الله مالنا غيرك يا الله ... يا الله عجل نصرك يا الله"، تمنى حتى لو شاركهم في جسده ورصفه بجانب هذه الجثث التي شنع النظام فيها قبل موتها ويظهر معها في فيديو صور على عجل وعرضته فضائية على استحياء. لا يهم ما الذي سيحدث لجسده دام ان الروح صعدت لباريها في قافلة تسمع عند وصولها للسماء: "ها قد جاء أهل حمص ... سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ".
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية