أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

السلاح الأخطر... د. إياد أبازيد

يُطلق مصطلح السلطة الرابعة على وسائل الإعلام عموماً وعلى الصحافة بشكل خاص. و يستخدم المصطلح اليوم في سياق إبراز الدور المؤثر لوسائل الإعلام ليس في تعميم المعرفة والتوعية والتنوير فحسب، بل في تشكيل الرأي، وتوجيه الرأي العام، والإفصاح عن المعلومات، وخلق القضايا، وتمثيل الحكومة لدى الشعب، وتمثيل الشعب لدى الحكومة، وتمثيل الأمم لدى بعضها البعض.
ومنذ أول ظهورٍ مشهورٍ له منتصف القرن التاسع عشر، استخدم المصطلح بكثافة انسجاماً مع الطفرة التي رافقت الصحافة العالمية منذ ذاك ليستقر أخيراً على معناه الذي يشير بالذات إلى الصحافة وبالعموم إلى وسائل الاتصال الجماهيري، كالإذاعة والتلفاز.
ويبدو أن تعبير "السلطة الرابعة" تعرض إلى فهم خاطئ في اللغة العربية، إذ يكثر ربطه بالسلطات الدستورية الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، باعتبار أن الصحافة -أو وسائل الإعلام عموماً- هي رابع سلطة دستورية نظير ما لها من تأثير؛ إلا أن السلطة المعنية في المصطلح، تبعاً لمن أطلقه أول مرة، هي القوة التي تؤثر في الشعب وتعادل، أو تفوق، قوة الحكومة.
و خطورة السلطة الرابعة , يكمن في استخدامها كسلاح فكري سياسي موجّهاً نحو العقل البشري , لتغيير المفاهيم و بديهيات الحياة في محاولة للسيطرة , و هذا ما يُسمّى البروباغـندا .
البروباغندا، ويمكن ترجمتها بـ"سياسة نشر المعلومات" بهدف الإقناع العاطفي ، ومهمتها أن تسيطر على مشاعر وسلوك وآراء وأفعال المشاهدين. وأهدافها فكرية أو سياسية أو تجارية. وتوظف عادةً في الأجندات السياسية الوطنية والعالمية. ويتم التعاقد مع أفراد على درجةٍ عالية جداً من المهارة في ابتكار البروباغندا. وسياسة البروباغندا أن تتوجه مباشرةً نحو المشاعر بهدف إلغاء سيطرة العقل.
وفي عالمٍ رأسمالي تحكمه المادة وتسيطر عليه مطامع انزلقت معها دول الهيمنة في أزماتٍ مالية عالمية أصبحت البروباغندا "المدفوعة الثمن" هي بالتحديد ما يجرّ بالعالم العربي إلى الانهيار المالي والأخلاقي وعهد من الاستعمار المقنن الجديد.
فالمادة الإعلامية "المدفوعة الثمن" تهدف إلى الإقناع العاطفي على حساب تقديم المعلومة الصحيحة، وتعتمد دائماً على تقنياتٍ إعلامية ماكرة غير متعارفٍ عليها في وسائل الإعلام التقليدية، فالقاعدة تقول: "إذا اعتقد المشاهد بأنّ المادة الإعلانية المدفوعة هي مادة "لتقديم معلومة لا أكثر" فإنّ الرسالة المخبئة في الإعلان ستكون أقوى تأثيراً على العقل الباطن".
وتوهم الرسالة المقدمة عبر التلفزيون المشاهد بأنّ ما يراه غايةً في الموضوعية والدقة، وتهدف الرسائل إلى تغيير الطريقة التي يفهم من خلالها المشاهد قضيةً ما أو موقفاً ما بهدف تغيير ردود فعله وسلوكياته بما فيه مصلحة الجهة المروّجة، وبدلاً من أن يملأ عقول الناس بأفكار علمية موثّقة حول ما يقدمه من معلومة فالأفضل أن يمنعهم من تصديق وجهات نظرٍ مخالفة لرأيه.
وما يجعل من "البروباغندا" فريدةً في تقنيتها أنّ الجهة المروجة تميل إلى تغيير فهم المشاهد للعالم من حوله من خلال "التمويه" و"بثّ الفوضى والحيرة" و"التقسيم" عوضاً عن الفهم والإقناع العقلي . لذا كان لا بد أن تكون إحدى أهم آليات البروباغندا الخطيرة هو خلق حالة من الفوضى والتشويش إزاء المفاهيم و بديهيات الحياة و الإنسانية الثابتة. وتبرز حالة الفوضى من خلال الترويج للتضاربات والصراعات والشطحات والمغالطات والمعارضات في أبسط الحقائق، ومثل ذلك أيضاً المواقع الإلكترونية للصحف الصفراء التي تتناقل خبراً من هنا وهناك حول قضيةٍ تثير القراء الذين ما أن تأخذهم الحمية فيشرعون بالسخرية من الآخرين ناسين الحكمة التي تقول "الفتنة نائمةٌ لعن الله من أيقظها"، وكل ذلك في مشروع أطلسٍ عربي جديد من خرائط التقسيم الجغرافية والسياسية والدينية والعقائدية والإيديولوجية وغيرها.
والبروباغندا سلاحٌ فتّاك يجعل من العدو شخصاً لا يتمتع بالعدالة الإنسانية وتصور وحشيته وعنصريته وقيمه المنحطة، والتي تهدف إلى خلق الخوف وإصدار أحكام مسبقة ظالمة باستخدام كلمات سلبية قد تدفع المتلقن إلى كراهية كل من يساهم في خلق هذا الإرهاب أو الكبت لديه. ويقترح العلماء طرح الأسئلة التالية لمجابهة هذه التقنية: ماذا تعنى هذه الكلمة بالتحديد؟ هل هناك حقاً علاقة بين الكلمة ومضمونها، بمعنى ماذا ستصبح قيمة الكلمة فيما لو لم ألقى لها بالاً؟
وتستغل الكثير من القنوات الفضائية والإذاعات والصحف ثقة الشعب العربي وشعوره بالدونية تجاه المجتمعات الغربية لإقناع المشاهد بأنّ مصدر المادة المعروضة موثوقٌ به، مثل ما يحدث في البرامج التي تحسن من صورة أمريكا و اسرائيل و بعض بلدان في العالم، وقوة الإنتاجية الضخمة للسينما الأمريكية التي تنال ثقة الشباب العربي إلى أقصى حدوده فتلجأ إلى بثّ سمومها داخل الدسم.
وهي حصيلةٌ لجهودٍ غربية طويلة هدفت وما زالت تهدف إلى زعزعة ثقة العربي بثقافته وتاريخه و حضارته ورموزه العظمى، بهدف تعديل النموذج الأول في قناعاته ليصبح ذلك المجتمع الغربي الأمريكي الأكثر تطوراً والأقدر على أن يكون العالم البديل لشعوب مزعزعة ومزلزلة فكرياً ونفسياً. ومن خلال هذه القناعة تأخذ الرسائل الإعلامية طريقاً لها عبر قنوات العقل الباطن لتشكل وعي جديد للمجتمع.


(107)    هل أعجبتك المقالة (111)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي