بالطبع لو نشر ما سأكتب، بالأحرى أعلق، سيصل ما أريد إلى المفكر المصري فهمي هويدي، فقد تعلمت شيئا هاما:
إذا لم تكن متزلفا.. متملقا.. منافقا... صاحب علاقات واسعة مع مدير التحرير هنا وهناك... وبالأول والآخر : ملمعا ومنتميا لأهل البيت ومطلوب منك أن تكتب فأنت بالتأكيد ستجد ما تكتبه وقد نسفته مجموعة اعتبارات لا يهمني منها سوى أن حالة من تفشي الاحتقار للعقل تصب غضبها عند صحف صادرة في الشرق والغرب... تدعي حرية!
نعود لنقرأ، فما أن نشرت صحيفة السفير، بالطبع هي واحدة من تلك التي تحتاج إلى هزة عنيفة للتخلي عن هذه الرمادية وتفاهة التلميع، مقالا " اعتذار إلى الشعب السوري" بقلم فهمي هويدي الذي يحتفي هذه الأيام بذكرى "سقوط شاه إيران" حتى ظننت أن شيئا من الاعتذار حقا يوجهه بعض بقايا النخب "الإسلامو- قومية" التي ما تزال تقرأ من أسفار "الفرشخة السياسية"... قدم في البور وقدم بالفلاحة... رمادية مقيتة... تشبه إلى حد بعيد مجموعة من أدعياء مناصرة "الحقوق المشروعة للشعب السورية" ولكن!
هؤلاء ومن بينهم أستاذ كبير مثل فهمي هويدي الذي أشتم رائحة "هيكلية" في كتاباته المعتذرة للشعب السوري... ففي الترقيمة الثالثة لما نشرته السفير البيروتية يبشرنا الكاتب الذي أعاد موقع "كلنا شركاء" نشر ه بما يعرفه كل إنسان سوري منتفض على توريثه لعصابة تحكم باسم القومية والعروبة التي كان يحج إلى "قلبها النابض" كثيرون، ومنهم علوش وغيره، ومنهم من اكتشف أن المسألة لا تحتاج لتذاك كياسر الزعاترة وبشير نافع...
ما يهمني ليس المقدمة التي يعتذر من خلالها هويدي، ولا تساؤل ابن حمص ودرعا ودوما الدمشقية عن " وين .. وين ... الشعب العربي وين" فهو سؤال طرح في أغنية عنت القضية الفلسطينية وما جواب يأتي إلا على نمط "قلوبنا ومدامعنا معكم"، بل الترقيمة الرابعة التي أقتبس منها الآتي:
" إن بعض النخب يحفظون للنظام السوري وقفته إلى جانب المقاومة الفلسطينية، ويرون في تلك الوقفة حسنة تغفر له الكثير من سيئاته، في حين أن لديهم شكوكا في بعض عناصر معارضة النظام.} إن الملف السوري أشد تعقيدا مما يتصوره كثيرون. إذ لا خلاف على أن النظام القائم في دمشق تهيمن عليه حفنة من الأشرار، إلا أن القوى الخارجية التي تسعى لإسقاطه يحركها طابور طويل من الأشرار أيضا"
فهل الذي يجري في سوريا مجرد "سيئات"؟ ومن ولى هؤلاء من الذين يسمون أنفسهم "نخبا" على العرب أن يتوجسوا أو لا يتوجسوا من معارضي النظام السوري... وليس بعضهم... مثلما أطلق هؤلاء على من ثاروا على منظرهم وحبيب قلبهم وجيوبهم "القذافي" ومنهم "ممثلون ومفكرون وأصحاب مطاعم...إلخ من النخب" تسمية أقل ما يقال فيها أنها تنم عن مدى التصاق المثقف بربه الذي يصنعه من امتيازات وفنادق وبوكيت موني شهري.. ليردد ترهات عبقرية ذاك الذي هدد بفناء بنغازي... أهم ثوار "الناتو"؟ وهل كانت "النخب" مع الثوار حين وجه القذافي مضادات الطائرات إلى صدورهم؟
ما يقوله فهمي هويدي صحيح جدا، بدليل أن بشار الجعفري أظهر الوجه الحقيقي لهذه القومية المغفور لها في ما ذهب إليه فيصل القاسم " معظم الامم تختار أفضل ما لديها لتمثلها" بينما اختار نظام دمشق مهرج وظف ابنته وعائلته وله باع طويل مع فاوست لأكثر من 3 عقود باعترافه!
أين فلسطين من كل هذا التفاخر الذي يستدعي من النخب أن تظل تبيض علينا كالدجاج الذي يبيض ذهبا باسم القضية وعلى بعد أمتار منها مدينة القنيطرة ما تزال مدمرة ولم يجري إعادة تعميرها "رغم خرجية الخليج والعرب وغيرهم" .. أسئلوا أهل القنيطرة الأصليين كيف يتسللون إلى مدينتهم مخافة عقاب نظام الممانعة...
لماذا دائما وأبدا حين تفشل "النخب" ( رغم تحفظي على التسمية) في تقديم شيء تذهب نحو الوصف الأسهل: إنها المؤامرة.... الأشرار من القوى الخارجية تريد إسقاط نظام بشار بسبب فلسطين... وماذا فعل بشار لفلسطين؟
أين هي القوى الخارجية تلك مما حدث منذ انطلاق شرارة الثورة السورية في حوران؟ ماذا قدمت وما هي ألوان السعي لإسقاط بشار؟
إذا كانت هالة المصراتي وشعوذة يوسف شاكير أثرت على قناة "الدنيا" فهنيئا للنخب العربية قراءتها التي تصب أولا وتاليا في مصب نظام يسعى بكل جهد لتطييف ثورة شعب لا يقل لا شجاعة ولا كرامة عن مصر وتونس وليبيا واليمن والمغرب وفلسطين واهل السودان والجزائر... فمن عار العرب المدافعون اليوم عن فكرة قنبلة عقل الشعب السوري للإبقاء على سفاح يسعى لتوريث ابنه بعد تعديل الدستور وعمره الآن فقط 12 سنة مثلما كان حافظ يجهز ابنه باسل وهو في ذات السن... من العار عليهم إذا اعتبروا أن شعبا مثل الشعب السوري عليه أن يغفر كل الجرائم المرتكبة ببرودة أعصاب مثقفينا المطبلين والمكررين لفكرة "الممانعة"... التي تحتقر أساسا مقاومة الشعب وتربطها بجيش يرسل لنهب حتى غرف النوم التي يصنعها ويتاجر بها أهالي سقبا في ريف دمشق... من العار أن يتحول المثقف العربي إلى مستشرق على طريقة أدونيس الذي يظن نفسه نبيا مظلوما لأن "نوبل" لم يختاره في صفوف كرمان...
"الأشرار" الذين يحمون العصابة الحاكمة في دمشق معروفون لكل هؤلاء: ابحثوا جيدا وستجدون تل أبيب في كل مكان... فتشوا جيدا في العام الذي مر... وفي العقود التي مرت... وستكتشفون أنه حتى العرب المتباكون على الشعب السوري كانوا يغطون على فضيحة فادحة في فلسطين...
قلت ما قلت وقد وصل هراء خرائط "سايكس- بيكو" الجديدة لتكون ناظما لتبرير وقوف المثقف والسياسي العربي وقفة "فرشخة" وقد ارتخت خصيتاه وتحللت براغي الركبتين وهم يرون الأدمغة الآدمية تفجر في شوارع سوريا وإذا دافع أحدهم عن طفل يقنص صار في عرفهم "متطرفا جهاديا" فتبا وسحقا لهذه الثقافة التي باتت تستلقي على أكوام بشر وكأنهم يسترخون في بركة من برك فنادق دمشق التي كان يستمتع بها مصطفى طلاس بينما النياشين تثقل ظهره وجيشه يحرق في ظهر البيدر في لبنان... سحقا لهذه الثقافة التي تلعق مؤخرات الطغاة الذين بفعل تصفيق هذه النخب لها تجلب الغزاة بينما وبكل بساطة خرج الشعب يطلب الحرية ولا شيء غير الحرية!
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية