بين فدوى سليمان.. وتوكل كرمان
خيط الثقافة النابض بالحرية والكرامة وقيامة الانسان
- في مساء الخميس 8/12/2011 سمعت المناضلة فدوى سليمان تخاطب اجتماع السوريين المنعقد في فيينا لنصرة شعبهم السوري. وضم الاجتماع وفدا من المجلس الوطني برئاسة د. برهان غليون.
وفي مساء السبت 10/12/2011 سمعت المناضلة توكل كرمان تخاطب حشدا امميا اجتمع فيه ستوكهولم للاحتفال بمنحها جائزة نوبل مع مناضلات اخريات من اجل الحرية !
.. ولا شك ان كثيرين شاهدوا وسمعوا خطاب المناضلتين. وكان لكل منهم انطباعه الذي تراوح بين السرور والاستياء بحسب موقفه من الثورات الجارية في العالم العربي, او بحسب الاهداف النهائية التي يبتغيها من وراء هذه الثورات !
- ومن جهتي سوف اوضح ابتهاجي العميق بخطاب المناضلتين من زاوية اعتقد انها ابلغ ما تضمنه الخطاب من قيم ودلالات ثقافية وأخلاقية. ولا ادعي ان كشف هذه الزاوية احتكار لصاحب المقال. بل هي تمثل محطا لأوسع المناضلين واوسع التطلعات التي الهمت الانتفاضات العربية, وكانت تتفاعل طيلة العقود السابقة على الاقل لتحفر مجرى عميقا لقيم الحرية والديموقراطية والكرامة الانسانية, بل رفع هذه القيم للصدارة وسط الاشواك والصخور وزحام الشعارات المختلفة, وربما الرواسب والعنعنات الكثيرة ايضا !
- والواقع ان قيم ودلالات الخطاب ليست إسقاطاً رغوبياً من صاحب المقال.

من هذه الزاوية يصبح لزاما تأكيد هذه القيم والدلالات بالخط الأحمر. ليس تقديرا لخطاب المناضلتين فقط, بل أيضاً استجابةً لمنطق الثورات العربية والمضي لتحقيق هدفها النهائي !
- من هذه الزاوية استطيع الجزم ان ابرز القيم والدلالات المبثوثة في خطاب المناضلتين (ومنها تتفرع مطالب الديموقراطية والمواطنة والدولة المدنية.. الخ) تتمثل في الدفاع عن قيمة العنصر البشري وحريته وكرامته الانسانية.
وأجزم أن هذا الدفاع لا ينحصر في المستوى الأخلاقي فقط. بل هو يترجم اتجاهاً فكريا وفلسفيا ومنهجيا عميقا يغطي اوسع التيارات والقوى الحية, لوضع العنصر البشري في مركز عالمه وتاريخه, وتوليته شؤون مصيره ونظامه السياسي, خلافا لمجمل التجارب والانظمة التي أحلًت في هذا المركز كيانات تجريدية أخرى(مثل تجريد العرق أو الجنس أو الطائفة أو الملة.. وصولا لتجريداتٍ أخرى كالعقيدة والقومية والطبقة والدولة والحزب, وحتى الوطن والوطنية أيضا)
وغير خافٍ أن هذا العمل أحال الكيانات التجريدية جميعاً الى مجرد شعارات وأقنعة في قبضة الطغاة,الذين أحاطوها بالتحريم والقداسة لتحقيق مآربهم في دوس البشر والعقائد على السواء !!
- في نفس الوقت يخطئ الظن أن الدفاع عن قيمة العنصر البشري ووضعه في مركز عالمه ومصيره, يحمل أي تفريط أو تنحية لقيمة الأقانيم الآنفة جميعاً. خصوصا التفريط بمناقبها الايجابية أوالحقوق المشروعة التي تعبر عنها. بل أن جل ما تبتغيه هذه الدعوة هو وضع هذه الحقوق في موضعها الصحيح من الكائن البشري بوصفه موئلها ومركزها ومعيارها الحقيقي لتحسين أدائها وتأدية أفضل ما تحمله من المناقب الايجابية لرفع سوية الشأن البشري وتحقيق مصير أفضل لأجياله القادمة !
.. وسوف نجد أن تصويب الأولويات على هذا النحو, يشكل اساسا لكثير من النتائج والمواقف العملية, مثلما انها تشكل مختبر صدقيتها و نجاعتها أيضا !
- غاية القول أن قيمة العنصر البشري التي عبرت عنها شعارات الحرية والكرامة وعدم الركوع إلا لله.. الخ لم تظهر في خطاب المناضلتين وترددها حناجر الملايين عبثاً. بل كانت استجابة لأولوية استدعتها طبيعة الحياة والفطرة البشرية. كما أنها استجابة لتطور التاريخ و تعاظم وعي المجتمعات لذاتها وحاجتها لتنظيم عقد اجتماعي وقواعد موضوعية ترعى عيشها المشترك الذي تتخلله فروق ومعتقدات كثيرة (قومية و دينية وثقافية واثنية) . خصوصا أن شعوبنا تجرعت صنوف التمييز والعبودية من جانب الطغاةَ جرَاء ابتزاز الفروق والعقائد جميعا والضرب بسيفها. لهذا أزفٌت ساعة التاريخ والحقيقة لوضع هذه الفروق أمام معيار موضوعي وقواعد ثابتة تعلو على الفروق وتقف على مسافة متساوية منها انطلاقا من قيمة ثابتة تخص البشرية جميعا, وتترجمها حقوق المواطنة الحرة المتساوية في كنف دولة مدنية ديمقراطية !
- يتحصل عن هذا أن تقرير مرجعية العنصر البشري في عالمه و نظامه السياسي,ليست شأناً مخصوصاً بساحةٍ محليةٍ معينة. وليست مهمة معدة لمرة واحدة أو لإزاحة سلطة فاسدة ثم يتم التخلي عنها. ومن باب أولى ليست (هذه المهمة) احتكاراً أو امتيازاً لمعتقد ديني او قومي أو جماعة بعينها. ولا يجوز بالتالي تفصيل الديمقراطية والشؤون المتصلة بها في قالب هذا المعتقد, أو رهنها بمشيئة أصحابه,أو جعل حدودها تنتهي في حدود السلطة التي يتبوؤونها. وهذا يشمل السلطة التي تأتي بها الأكثرية وصندوق الإنتخاب الديمقراطي. لأن الديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة تنطلق من حق أصلي يخص جوهر الوجود البشري والإجتماع المدني. في حين أن الأكثرية مفهوم ظرفي انتخابي قابل للتبدل والتغير المستمر. والسلطة الناشئة عنها مجرد فرع من أصل. ولا يمكن للفرع ابتلاع الأصل أو تقييد قواعده الأساسية ما لم يفقد مبرر شرعيته و وجوده الحقيقي !!
وآية هذا ان قيم الحرية والمواطنة والكرامة الإنسانية تمثل مشتركاً عالميا يتعدى الحدود والخصوصيات جميعاً (دون أن ينفيها بطبيعة الحال) . وهذه القيم ليست عالمية إلا لأن الإنسان هو نفسه مخلوق كوني وعالمي. وهذا ما أقرته جميع الشرائع الوضعية والدينية. عليه فإن هذه القيم تمثل (بنكاً مشتركاً) لعموم البشرية, ومختبراً حقيقياً أمام العقائد والخصوصيات والجماعات المختلفة لنيل حقوقها وتقديم أفضل ما لديها مقابل الرصيد الذي تودعه لصالح هذه القيم. وعكس هذا يعني سوق الخصوصيات والعقائد (وربما الحقوق المشروعة أيضاً) في طريق الخراب والطغيان. وهذا ما أوضحته المناضلة (توكل) في حديثها عن سياسة الطغاة الذين لا يتوانون عن ابتزاز العقيدة والهوية والخصوصية والوطنية.. إلخ وانتحال الوصاية عليها جميعا بحجة الدفاع عنها ضد (التغريب والأفكار المستوردة) لتحقيق مآرب الفساد و الاستبداد التي تدوس البشر والعقائد على السواء !!
- وبناءً على هذا الأساس أكدت المناضلة (توكل) ان عالمية الحرية والمواطنة والكرامة لا تقبل التمييز و الإنتقائية. لهذا فإن المجتمع الدولي, خصوصاً المجتمعات التي تنعم بالحرية والديمقراطية مدعوٌة قبل غيرها لمناصرة الشعوب الثائرة ضد طغاتها, ليس بداعي التفضل عليها أو بمعيار مصالحها الضيقة فقط, بل انطلاقا من مسؤولية سياسية وأخلاقية تطال الدفاع عن هذه الحقوق في عقر مجتمعاتها بالذات !!
- بناءً على ما سبق فان قواعد الحرية والديمقراطية والمواطنة, لا تتعامل مع أفكار وعقائد مجردة, بل مع بشر واقعيين. وهي ليست عقيدة أو ايديولوجية تنازع عقائد أخرى على قوالب وحقائق يقينية مما يلوذ بها البعض بحجة الدفاع عن طهارة العرق أو الملة أو الدين أو الطبقة أو الرسالة الخالدة.. الخ. بل هي تتعامل مع بشر واقعيين ممن ينتمون لهذه العقائد أو يتفيؤون بها. كما تتعامل مع جميع الفروق والمصالح و الإنتماءات الأخرى انطلاقاً من معيار يبين كيفية تصرف هؤلاء جميعاً,قرباً أو بعداً من أولوية الحفاظ على حرمة الكرامة الانسانية وحقوق المواطنة الحرة المتساوية,بما في هذا توفيق أهدافهم مع هذه الأولوية ومتطلباتها !
ولاشك أن تمييز هذه القواعد بقوامٍ يستقل بها عن تباين المصالح والعقائد جميعاً,كما و يضعها على مسافة متساوية من الناس جميعاً. أقول أن هذا لا يحمل في طياته أية عدمية ايديولوجية أو موقف الحادي,كما يزعم البعض. بل هو استجابة لأولى أولويات التطور التاريخي الذي أخرج الشعوب من نفق العبودية الى معترك العمل التاريخي. وهو يترجم الإدراك العميق للأجيال الحديثة أن الأفكار والعقائد والشعارات جميعاً لاتعمل بمعزل عن البشر الواقعيين. ولم يعد مقبولاً اتخاذها قناعاً لأية جهة كانت. وأن البشر هم الجهة الاولى والأخيرة التي تعيد إنتاج هذه العقائد في قياس مصالحهم ومآربهم وموازين قوتهم,وربما في قياس مداركهم وعنعناتهم أيضاً. وأن منتوج العقائد بالتالي هو (منتوج وضعي بشري) بصرف النظر عن فضائلها أو أسرارها الاصلية, وبصرف النظر عن جميع الشعارات التي تحيط هذا المنتوج بالتجريد والتحريم والقداسة بهدف الابتزاز والاستثمار السياسي !!
- غاية القول إن الحرية و الديمقراطية ليست محط نزاع مع عقائد أو حقائق,بل مع طرائق فاسدة للوصاية على العقائد وجعلها قناعاً لتحقيق المآرب الخاصة وحجب البشر عن تلمس مشكلاتهم ومصائرهم ومسؤولياتهم !
ولاشك أن هذه الطرائق منتوج بشري أولاً وأخيراً. لإنها حصيلة عادات التفكير والسلوك والثقافة التي إعتادها الناس. وربما تتحدر من أقدم العصور البدائية التي تغري أصحابها للاعتقاد أن القبيلة.. والملة.. والعرق.. والحزب.. والعقيدة.. الخ تمثل مركز العالم وموئل الحقائق والأجوبة النهائية. وأن العالم ينتهي عند حدودها مما يبرر استباحة الأخرين جميعاً !!
ولاشك أن الطغاة هم أسرع الجهات انتفاعاً بهذه الطرائق الفاسدة. لأنها أيسر الوسائل لوضع المجتمع في قبضتهم وممارسة النهب والفساد وقمع المعارضين بحجة الدفاع عن أسرار الهيكل أو سلامة القبيلة أو أمن الدولة ومقدساتها الوطنية والقومية والدينية !!
على أن هذه الطرائق المشؤومة ليست احتكار الاقوياء فقط. وليست مظهراً عرضياً لهذا الطاغية أو ذاك ثم تزول بزواله. بل هي أصل ثقافي وسلوكي يغذي الطغاة جميعاً. كما يغري بعض ضحاياهم لاتباع إملاآتها أيضا. وهذا ما يعبر عنه ميل هؤلاء لتعويض حرمانهم من أدوات البطش والقوة التي يحتكرها الطغاة,بواسطة رصَ صفوف الاتباع تحت نفس الدمغة المقدسة التي تعطل ملكتهم النقدية وتجعلهم وقوداً(أو ميليشيا) لطغاة قادمين. وهذاما عبرت عنه المناضلة (فدوى سليمان) أمام المجتمعين في فيننا قائلة: إن إزاحة السلطة الغاشمة في سوريا ليست نهاية الطريق. وإني أناشدكم أيها الأخوة القضاء على جميع الطغاة الموجودين في نفوسكم !
..............................
- إن الملاحظات الأنفة,بما فيها خطاب المناضلتين(فدوى وتوكل), تحمل عدة استنتاجات لايجوز حجبها في ضجيج المزاودات أو المناقصات على الانتفاضات العربية. واعتقد أننا أحوج مانكون لهذه الاستنتاجات احتراما لقيمة الدم والتضحيات التي تبذلها هذه الانتفاضات وتحقيق أهدافها المرجوة :
1- وأهم الاستنتاجات أن هذه تجسد ثورة الحرية والكرامة بامتياز. التي تتفرع عنها بقية استحقاقات المواطنة والديمقراطية وغيرها كما تتفرع الثمرة من الشجرة !
2- وهذه المبادىء ليست مجرد باعث مثالي وأخلاقي,على أهميته العظيمة التي ألهمت شعوبنا وفجرت ينابيع ثورتها ضد الطغاة.
وليست مجرد مادة تجميلية لأية عقيدة أو أهداف أخرى,أو مرتهنة بها كدولة القومية.. أو دولة الطبقة.. أو الدولة الدينية.. الخ. ومن باب أولى ليست مطية لهذه الاهداف أو أصحابها جميعاً !
بل إن هذه المبادىء أصل قائم بذاته ترتهن به الحقوق و الأهداف جميعاً. وهي تحمل كل مقومات العمل التاريخي لوقوف الشعوب على أقدامها, وخروجها من نفق العبودية إلى فضاء المجتمعات المدنية الحديثة ونظامها الديمقراطي !
3- كما أن الحرية والديمقراطية لا تجعلنا نختلف عن بقية البشر أو نتميز عنهم, بل تجعلنا نشبه البشر ونشبه العالم الذي أنجز الديمقراطية منذ مئات السنين. وبتعبير أدق فهي تجعلنا نتغير. لأن التغير والتغيير سنة الله وسنة التاريخ التي تليق بالجنس البشري وتميزه عن الطبيعة. لأن هذه الأخيرة تستطيع أن تشبه أي شيْ بالتحول من حالٍ إلى حال.. دون أن تتغيير. عليه لا يكفي أن نشبه الديمقراطية دون أن نتغير. لأننا شهدنا كثيراً ممن استطاع أن يشبه أهدافا وشعارات كثيرة (كالوطنية والقومية والاشتراكية.. وهلمجرا) دون أن يتغير. بل هو استطاع الإساءة لهذه الشعارات وتبديد فرصتها الإيجابية فقط ولا, نريد مصيراً مماثلاً لقضية الحرية والديمقراطية بعد !
4- ومعنى هذا أن الحرية والديمقراطية ليست عقيدة لأراء كسلنا أو غرورنا بالحقائق والأجوبة النهائية. بل هي طريقة التنمية البشرية بامتياز. وهي في هذا لا تتميز عن بقية الطرائق التي أنتجتها البشرية, فيما عدا صلاح الأولى الذي يشرف البشرية ويأبى خداعها,وفساد الثانية غير القابل للشفاء جراء اختبائها وراء العقائد والأسرار المقدسة التي تشكل قناعا للطغيان و تحجب البشر عن استحقاقاتهم ومسؤولياتهم وتطورهم التاريخي !
5- ومعنى هذا أن ثورة الحرية والديموقراطية ليست مجرد غضب وقتي لتغيير سلطة, بل رافعة تاريخية لتغيير أزمنة وجعلها أكثر امتلاءً بقيم الكرامة والعدالة والتضامن الانساني !
.. وفي هذا الاطار ينبغي أن نفهم تمسك الجماهير السورية بشعار (اسقاط النظام بكافة رموزه ومكوناته ورفض الحوار معه)
والواقع أن احترام دماء الشهداء وثورتهم يقتضي فهم هذا الشعار بدلالاته الحقيقية بعيداً عن الابتزاز اللفظي الذي يوحي بالثأر والانتقام ضد حزب النظام وانصاره وفئاته الاجتماعية. لان ثورة الحرية والديموقراطية تترفع عن كل هذا. وهي ليست مهمة معدة لإسقاط النظام فقط. وليست مسخرة لكسب معركة المعارضة ضد سلطتها فقط. لان هذه المعارضة ليست الاخيرة او نهاية التاريخ وعليها ان تتوقع ظهور (معارضات) كثيرة تطالها ايضا. وليست الديموقراطية تركه خاصة بطبقة سياسية أو اوكليروس مقدس. بل هي طريقة حياة جديدة تخص الناس على قدم المساواة جميعا, بما فيهم اتباع الانظمة السابقة والاجيال التي لم تبصر النور بعد !
وهذا يعني ان ثورة الحرية والديموقراطية ليست مجرد فرصة سانحة لنافذي الصبر او اصحاب المآرب الوقتية. كما انها ليست عملا عجائبياً يظهر من العدم, بل هي ثورة مستمرة تستمد جذورها من مآثر الماضي وقواه الحية اضافة لأسئلة المستقبل وقواه الحية ايضا !
من هذا المنطلق ينبغي التحذير من إفقار الثورة وقطع جذورها عن مقدماتها وأهدافها البعيدة معا. وهذا ما أكده بوانكاريه في تحذيره الثوار من "الاكتفاء بنحت تمثال نصفي للثورة لأنه يجعلها تحفر قبرها بيديها". وهذا القول يذكرنا بجميع التجارب الهالكة التي ذكرها دويتشر (في حديثه عن الثورة المغدورة أو التي لم تتم) وغارودي (في حديثه عن الثورة التي يرثها حثالة الفاسدين والبيروقراطيين) ودوبريه (في حديثه عن الثورة التي ينبغي انتشالها بثورة أخرى) وفرانزفانون (في حديثه عن الثورة التي يطبخها أنبياء وينفذها شجعان ويرثها سفلة) ونديم البيطار (في حديثه عن مقابر التاريخ المليئة بحطام الثورات التي فقدت ديالكتيكها الثوري) .. الخ. وكل هذا يذكرنا بقصة الثورة الفرنسية التي تأكل أبنائها. و الواقع أن الثورات (لا تأكل) أحداً.. بل انما الذي يأكل الثورة, والوطنية, والاشتراكية, والاديان والشعارات جميعا, هم بشر واقعيون بلا ضمير. وغالباً مايشاركهم أتباع اسماهم نديم البيطار (المؤمن البسيط) الذين يتم استلابهم !!
من أجل هذا نضيف تحذيرنا الخاص من مغبة المتاجرة بثوراتنا العربية وشعاراتها المصهورة بالدم. خصوصا شعار (اسقاط النظام بكل رموزه ومكوناته) لان هذا الشعار يجسد في حقيقته جميع القيم الأخلاقية التي تترفع عن العنف والاقصاء والكراهية, وتجعل هذا الشعار احتجاجاً أخلاقيا (وهو في نفس الوقت سلاح وحيد يملكه الثوار مقابل دمائهم) ضد عالم الكذب والزيف وابتزاز الشعارات الذي يتبعه النظام لتلطيخ الثورة ووأد قضية الحرية والكرامة الانسانية. هذا ماأوضحه أريك فروم بقوله "ان الجماهير الثائرة لاتقدم على اقتحام حواجز الخوف وجبال الأكاذيب بصدورها العارية, بل التضحية بأعز ماتملك وهو حياتها ودمائها, من أجل الحصول على منفعة زائلة او هدف أقل. بل انما تفعل هذا مدفوعةً بقوة الاستجابة لمثل أخلاقي عظيم مزروع في أعماق المضطهدين للدفاع عن قضية الحرية والكرامة التي تخص الناس جميعا" !
.. وكل هذا كان يعني ضرورة التقاط هذا الشعار بدلالاته الآنفة دون غيرها. بل توجيه خيرة الجهود التي تخص السياسيين, ولا يتسع لها وقت الثوار على الأرض, لإثراء هذه الدلالات وجعلها أكثر وضوحا واحتراماً في نفوس الملايين. عوضاً عن ابتزاز هذا الشعار وجعله محط النزاع اللفظي مع شعارات أخرى (خصوصا شعار إسقاط النظام الاستبدادي وتفكيك بنيته الامنية) الذي يحمل كل التداعيات السلبية ويطعن قضية الثورة في الصميم !!
وانا لا أقول هذا من منطلق الدفاع عن أحد, أو اتهام أحد. بل من منطلق الدفاع عن قضية تسع الناس جميعا, مثلم انها تحتاجهم وتنتظر إتيانهم بأشياء أفضل !
عندئذٍ ربما نستحق حلم السيدة توكل كرمان لدخول أزمنة جديدة تنعم بالحرية والمواطنة والكرامة الانسانية !
وربما نليق بالمكان والصوت الذي أطلقته السيدة فدوى سليمان للتخلص من بقية الطغاة (الصغار أو الكبار) الموجودين في نفوسنا !
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية