بعد مشاهدة المجازر التي يرتكبها جيش بشارون في عاصمة الثورة السورية حمص العدية ( مصراته سورية ) ، والتي يندى لها جبين الإنسانية ، بصمت عربي ودولي ، حاولت أن أخط ما وقع في نفسي من ألم على صفحات الحقيقة الغائبة ، رنَّ جرس الهاتف إلى جانبي .. رفعتُ السماعة :
ـ ( آلو .. نعم ؟ ) .
فجاءني الصوت مدوّياً كالرعد :
ـ ( آلو .. أنت الأثاربي ) .
ـ ( نعم ، ومن أنت ) .
ـ ( أنا من المخابرات .. أحدثك من مكتب مكافحة المظاهرات ، ووأد الحريات ، ومراقبة أصحاب أقلام الثورات )؟.
سرعان ما نفضت السماعة من يـدي ، وكأن ماس كهربائي ـ أيام كانت تسير في أسلاك بيتنا ـ " لطني " ، وقـد تملَّكني شـعور بالرعب الشديد ، وأنا أحدِّث نفسي : يا إلهي .. ماذا يريدون مني في هذا الوقت المتأخر من الليل ؟! ، وأنا لست ناشطاً أو مدوناً ، ولا محللاً سياسياً ، أو خبيراًً عسكرياً ، أو أتصل بجمعية خيرية أو حقوقية إنسانية ، أو أعمل في تنسيقيةً داعمة للثورةً السورية المطالبة بالكرامة والحرية .. ولم يكن لي معارف في اللجنة الوزارية لجامعة الدول العربية ، ولم أكن إرهابيَّاً مطلوباً بتهمة تهديد الأمن القومجي ، والنيل من هيبة الدولة العلية ، ولا أملك أسلحة نوويَّة أهدِّد بها أحداً ، ولست متطرفاً أو مناهضاً للديمقراطية .. مع أنني أؤمن بالوحدة الوطنية ، وأكره الديكتاتورية ، والتسلطية ، وأدعم القضية الفلسطينية ، واحلم باسترجاع ما سلخ من أرضنا السورية ، وأتابع حتى القنوات المحلية المثيلمية المتخصصة بكشف التضليل والحرب الإعلامية التآمرية الكونية كما يزعم هامانات النظام وهداهده الاسدية !!! .
هدأ روعي ، وانتظمت دقَّـات قلـبي ، و تساءلت : لمـاذا لا يكون المتصل صديقاً ، أو ممن أعرفهم عبر المنتديات يريد أن يمازحني ؟ وظننت أن المسالة قد انتهت , ولكن ( اللا أمن ) أبا إلاَّ أن يعكِّر عليَّ خلوتي ، ويفسد عليَّ ليلتي ، ورنَّ جرس الهاتف من جديد .. ترددت في البداية ثم رفعت السماعة بحذر شديد :
ـ ( ألو .. نعم ) .
ـ ( ألو .. أسمع يا أثاربي الإرهابي .. كيف تتجرَّأ وتغلق السماعة في وجهي ، ونحن الذي لم يُغلق في وجهنا باب ولا شبَّاك ، ولم تعصَ عليّناَ أرض ولا سماء ) .
قال ذلك بغضب .. قلت في نفسي : بداية غير طيبة , ثم أجبت بشيء مـن التأفف :
ـ ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ، قل أعـوذ بربِّ الفلق من شرِّ ما خلق ) .
ـ ( لم أفهم .. ماذا تقصد يا هذا ) ؟ سألني بتشنُّج , فقلت له نافياً متجاهلاً :
ـ ( أبداً .. أقصد أنني لم أتشرف ) ؟.
ـ ( كيف لا تعرفنا يا سيد ، ونحن الذي ترتجف من اسمنا الأحداق فـي العيون ، وترتعد لصوتنا الأجنَّة في البطون ، ونحن الذي لا يختلف على سلوكنا عاقل مع مجنون .. فهل عرفت الآن مـن نكون ) ؟.
ـ ( آه .. فهمـت .. تقصد أنتم من هداهد بشارون .. تجيدون كل أنواع الفنون بالتلاعب والمراوغة و المناورة والكذب والمجون ، وباسم الأمن ترهبون .. ترعبون .. تعتقلون.. تسلخون .. تقتلون .. تقطعون ، وتضعون نفسكم فوق كل الظنون باسم القانون .. أليس كذلك أيها المأفون ) ؟
ـ ( تبَّاً لك .. ماذا تقول ) ؟!
ـ ( أقول لك لا خوف بعد اليوم ، وعداً من الرحمن بالنصر الأحرار تلقوه ، وما تصدح به حناجرهم في الساحات والشوارع ، وما يرفعونه من شعارات ، ويطلقون من هتافات ، ويسددون ، ويكيلون لبشارك من كل أنواع اللعنات والمسبات ، ألا تسمعون .. ألا تبصرون .. ألا تحسون .. والله لو عند سيدكم ذرة من كرامه أو بقية نظر في العيون لم يبق لحظة واحدة على كرسي جلب له ولولده هذه السمفونيات التي لم يحظى بها مستبد في الكون ) .
ـ ( اخرس .. أنتم لا تفهمون ، ولا تفقهون .. كلكم رُعَاع لا تدركون حجم المؤامرة لأننا وحدنا في هذا العالم نقاوم ونمانع بني صهيون .. أنظر إلى قادة تلك الشعوب العربية وأمارها كيف علينا يتآمرون ، سوف يأتون يوماً إلى هنا معتذرون .. صاغرون .. زاحفون على البطون ، بحمدنا يسبِّحون ، وإلى خطب ودنا يتسابقون ) .
ـ ( حسناً .. هذا هو خطابكم ، وهذه هي ثقافتكم وحواركم مع ذلك ماذا تريد مني الآن في هذه الليلة المشؤومة ) ؟
ـ ( اسمع يا شاطر .. لقد ضبطتك عسسنا ، وهداهدنا ، وجيشنا الالكتروني بالجرم المشهود وأنـت تكتب وتتهم النظام بالفرعنة والقتل والإرهاب والإرعاب ، وتؤلِّب الجماهير ضده ، وتدعوهم للتظاهر والزحف إلى الشوارع والساحات لإسقاط النظام ، وهذا تطاول كبير، وتهديد خطير ) .
ـ ( وهل أنتم غير الذي قلت ) ؟
ـ ( هـذا عقوق ، وجحود ، ونكران .. هـل نسيتم أننا استوردنا لكم الأسلحة الفتاكة ، واستضفنا القواعد العسكريَّة الصديقة من أجل سلامتكم ، والسهر على راحتكم ، وحمايتكم من الإرهاب والإرهابيين والمندسين ، وبواسلنا قد أفسدت مؤامرة العربان الممثلة بحمد وسعود وأردوكان وغيرهم من البلدان ) .
ـ ( ومن قال لكم أننا نسينا ، أو سننسى لكم هذا الصنيع في يوم من الأيام .. نعم نحن شعب لا ينسى بدليل أننا نحيي الذكرى الثلاثين لمجزرة حماة وأخواتها تحت شعار : عذراً حماة .. سامحينا ، وكررتم المجزرة الآن بأختها حمص الجريحة ومدن ريف دمشق و إدلب ودرعا ودير الزور ) .
ـ ( عليكَ أن تسحب كلامكَ فوراً ، وتتعهَّد أن لا تعـود إليه مرَّةً أخرى ، وإلاَّ نعتبرك إرهابياً خارجاً على القانون ، ونصنَّفك في عداد المطلوبين إلى معتقلاتنا ، بتهمة الانتماء إلى تنظيم القاعـدة ،أو الإخوان الشياطين ، ونعتقلك ، ونقتلعك من جذوركَ إلى الأبد الآبدين .. هل فهمت يا ببو العين ) ؟
ـ ( اسمع .. يا من أوغلتم بدمائنا ، وزرعتم الموت في ساحاتنا ، وشوارعنا ، وبيوتنا لقد مارستم علينا كل أنواع الإرهاب ، والإرعاب في طول الأرض وعرضها ، بـدءاً مـن الإرهاب الدموي الذي مارسه والد سيدك ، وعمه على سكان مدينة حماة الفداء ، ومروراً على جسر الشغور وحلب الشهباء وريفها ، وانتهاء بالإرهاب التجسُّسي الـذي تمارسونه عليَّ الآن هذا أولاً .
ثانياً : إذا كنتم تعتبرون الترسانة العسكرية التي دفعنا ثمنها من قوت عيالنا ، والآن تقتلوننا بها ،وعلى حساب جوعنا وصبرنا منة وفضل ،ولطالما هذه شجاعتكم وبسالتكم وفتك أسلحتكم فلماذا لا تحرِّروا لنا الجولان ، والقدس ، ولواء اسكندرون .. ثم ماذا تريدون أن نكتــب عنكم ؟ ..هل تريدون أن نمنحكم وأنـتم تحرقون كل ما تطاله أيدكم ، وتحتلون المدن والقرى نيشان البطولة والشجاعة ؟ .. أم تريدون أن نقول لكم وأنتم تذبِّحون أهلنـا في المدن والبلدات والقرى المحتلة : مرحى لكم على إرهابكم ، وكتَّر الله من أمثالكم ؟ .. أم نقول لكم وأنتم تدمِّرون حضارة البلاد ، وذاكرته ، وتسرقون كنوزه : سَلِمَت يداكم ، وعين الله ترعاكم ؟؟؟..
ثالثاً : أنا لا أنكر أنه بمقدوركم أن تعتقلوا فرداً أو جماعة ، ولكنكم لن تستطيعوا أن تعتقلوا شعباً أراد الحياة بحريتها وكرامتها ، أو تقتلعوا أمَّة من الوجود .. فهل وصلت الرسالة يا حَبوبْ ) ؟
ـ ( أنت كاتب مارق .. وإنسان مغامر ، تسبح ضد التيَّار .. فلا تلومنَّ إلاَّ نفسك .. وقد أُعْذِرَ من أنذر ) .
ـ (( أما قلت لك أنتم أغبيّاء يا هداهد بشارون )) .
الأثاربي
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية