قضيت عمري أمارس النق واللطم على حظي وقلة بختي كونني " لا شوكة ولا دباحة " كما يقولون فلقد حصلت على شهادة البكالوريا بمجموع ضعيف نسبيا لم يؤهلني للمرة الأولى لدخول الفرع الذي أريده بالجامعة بينما تمكن زميلي المحظوظ من الاستفادة من علامة الشبيبة التي أعطته بضعة علامات دخل من خلالها الفرع الذي لم يكن يحلم فيه " وعيوني مبلقين " . وعند دراستي بالجامعة اضطررت للآجار وسحب اللقمة من فم أخوتي لتسديد آجار الغرفة التي أسكنها بينما ينعم غيري بدفء وغراميات المدينة الجامعية ، وتخرجت من كلية الحقوق وأنا أظن في قرارة نفسي أن المستقبل أصبح طوع بناني فلقد اجتهدت ودرست حتى نلت الشهادة ولم يتبق إلا عضة كوساية حتى أدخل المجال الوظيفي وأتمتع بحلاوة أول الشهر وربما أترقى وظيفيا وأعرف الكراسي الدوارة والطاولات اللماعة ، بالطبع تبخر حلمي فرغم مرور عشر سنوات على تخرجي لم أحظ بشرف السلك الوظيفي بينما استفاد منه الكثير من زملائي المدعومين وما أن ادخل إلى دائرة ما حتى ينتفض احدهم بوجهي مرحبا ومبادرا بالحديث عن متاعب الوظيفة ومشاغله التي لا يتسع لها وقته لأصل إلى نتيجة أنني بت مما أنا شاك منه محسود ؟؟ .
هذا غيض من فيض وفي حياة كل واحد منا ما يدمي فؤاده وهذا كله نتيجة كونه غير مدعوم ، بعد كل ذلك يأتي من يريد أن يقنعني أنني مدعوم رغما عن أنفي وكيف ذلك ؟ الجواب أنني أحصل كل شهر على كمية من الأرز المسوس والسكر المرطب ، عدا عن ذلك أنا أستفيد من دعم مادة الخبز ؟؟ صحيح لكن " ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان " وواجب أي دولة في العالم ان تؤمن لمواطنيها الحد الأدنى من سوية المعيشة وهناك الكثير من بلاد العالم تدفع رواتب لأبنائها المشحرين الغير مدعومين والعاطلين عن العمل لأنهم فقط لا يريدون العمل بينما ندوخ نحن السبع دوخات لنجد عمل يسد رمقنا ولا نجد .
ما ينهك خزينة الدولة ليس السرقات في الدوائر ولا الفساد والرشاوى بل " المازوت " فلا حديث إلا عن المازوت حتى غدا المازوت مالئ الدنيا وشاغل الناس وفي كل يوم تطالعنا الصحف الرسمية بمقالات تستجدي الدموع وهي تحدثنا عن الهدر الكبير وعمليات التهريب والخراطيم التي تصل إلى عدة كيلومترات والخزانات الكبيرة المطمورة دون ان تحدثنا عن خرطوم ذلك الذي أغمض عينيه عن تمديد الخرطوم وعن الخزان الكبير الذي يضع فيه حصته ولا عن الثروات الطائلة التي يقبع عليها بعض عناصر الجمارك ! فالجرائد الرسمية تريد ان ترى بعين واحدة فيما يخص مادة المازوت لذلك لا تطلع علينا الشمس دون خبر أو تحليل أو تنظير عن ضرورة رفع الدعم عن المازوت ليصبح بالسعر الرائج بالدول المجاورة منعا لتهريبه وإيصاله إلى غير مستحقيه ،إذا الغاية من رفع الدعم عن المازوت هو إعادة توجيهه بحيث يصل الدعم فقط إلى مستحقيه لكن حتى هذه اللحظة لم ينبر أحد ليشرح لنا عن كيفية وصول الدعم إلى مستحقيه ومن هم مستحقيه ؟؟؟
بالطبع ذلك كلام لم يقنع أحدا ولا أظنه سيقنع أحدا فمن حق أي مواطن فقيرا كان أم غنيا الاستفادة من الدعم الحكومي لا أن يتحول إلى دافع رسوم وضرائب فقط والعلة التي تبرر رفع الدعم عن المازوت من حيث تهريبه إلى الخارج فذلك عذر أقبح من ذنب فهل من المعقول أن الدولة بجلالة قدرها وأجهزتها غير قادرة على كبح جماح التهريب ؟؟
إن الحكومة بكادرها الاقتصادي تسعى حثيثا لتخليص نفسها من عبء الدعم الذي تقدمه للمواطنين وقد بدأ الأمر بالبنزين باعتبار ان أول الرقص حنجلة وسيتم سحب البساط رويدا رويدا إلى ان نصل إلى المازوت وما سيعقبه رفع الدعم عنه من ترتيبات اقتصادية كبيرة ومتشعبة قد تحتاج إلى وقت طويل لتسويتها ولكننا نوجه عناية الحكومة الموقرة إلى أشياء أخرى يتنعم المواطن عندنا بدعمها ولا بد من إعادة توزيع الدعم فيها ليصل إلى مستحقيه حفاظا على صحة المواطن السوري وأهم تلك المواد الأسمنت والعقارات وفواتير الخليوي وغيرها من المواد التي تتخم المواطن وتسبب له الكولسترول الاقتصادي وشحوم ثلاثية بالجيب .
المحامي لؤي اسماعيل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية