أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

سوريا... خيارات طائفية أم وطنية؟ ... الياس س الياس


ثمة ما يجب قوله قبل الخوض في خيارات سوريا القادمة، ليس من الأخلاق بمكان الصمت على أخطاء غير منهجية صادرة عن شعور وانتماء طائفي في مسار الثورة السورية... إعطاء النظام الفاشي فرصته التي بحث عنها منذ خطابه الأول في 30 مارس من العام الماضي يعني شيئا واحدا: اللعب في المربع الذي خطط له نظام الاستبداد!

استهداف البشر على أساس الخلفية الطائفية أو العقائدية سقوط بكل معنى الكلمة، لذا وإن كان النظام قد دفع شبيحته في حوران منذ اليوم الأول للعمل على تأجيج المشاعر بكتابات وممارسات لتوريط أولا بسطاء العلويين في محرقة البقاء على حساب بقاء سوريا كوطن وبدون تخريب النسيج الاجتماعي- الوطني، أو كما عبر أحدهم "دفع العلويين لقراءة النظام وكأنه كنيستهم"، والمشاعر المضادة بدون حساب وبانفلات العقل وسيطرة بعض الممارسات والشعارات التي تبرر حتى حالات استهداف قائم على خلفية عقائدية أو مذهبية للبشر ستقود إلى كارثة حقيقية.

التنبه لاستخدامات النظام لتسريباته المقصودة لأعمال بهيمية بحق السوريين بينما يتفاخر ممارسيها بلكنة معينة تدل على انحدارهم من منطقة ما في سوريا كان من الأهمية بمكان... حدث ما حدث... تم تسريب الكثير الكثير من الأفعال الشائنة والصادمة حتى للعلويين أنفسهم...

قد لا يحبذ السوريين التسميات التي أقوم بها ها هنا كالإشارة إلى ما أشرت إليه، ولكن كإنسان عربي أقف منسجما مع نفسي ومع تاريخ قضيتي الفلسطينية ومعرفة بالشعب السوري تاريخيا ومواقفه من القضية اخترت أن أكون مع ثورة الشعب السوري للتخلص من هذه الفاشية التي يتسم بها حكم عصابة دمشق... وعليه لا يمكنني إلا أن اذهب بموقفي هذا نحو التحذير من الطبطبة على بعض الأفعال والنقاشات والشعارات التي باتت اليوم أكثر وضوحا مع اشتداد حملة القمع " والتطهير" التي يقول بها أركان وأبواق وإعلام النظام الفاشي.

إن شرح الظواهر لا يعني الإيمان بها مطلقا، فاختيار أمثال طالب إبراهيم وشريف شحادة والعشرات من الأبواق العربية واللبنانية والسورية وبمستويات مختلفة في حملة لوأد الثورة السورية منذ انطلاقها واتهامها بتهم سخيفة وحرف الحقيقة عن مسارها لم يكن من الأمور الاعتباطية أبدا... كل الأنظمة التي سقطت قبل الأسد مارست هذه الممارسات وقال غيري أن هذه الأنظمة تقرأ من ذات الكتاب... لكن في سوريا الأمر اختلف مع طول المدة الزمنية والإمعان في تقديم هؤلاء على الإعلام السوري والعربي، المتهم أصلا بأنه إعلام محرض ومشارك فيما يسميه البوطي "فتنة"، بل تجاوز الأمر مستويات أبواق متواضعة إلى مستويات كبيرة كوزير الخارجية وليد المعلم ويوسف الأحمد وبشار الجعفري في حملة تتجاوز العقل السوري لتصل إلى الكل العربي... سبق لي أن كتبت عن الأمر حين وصفت العرب وهم يبلعون إهانات الأسد...

لكن، ومع معرفتنا ومعرفة الكثير من السوريين والعرب للأهداف التي سعى ويسعى من وراءها هذا النظام لتأجيج وتقديم المسألة في سوريا كمؤامرة كونية ثم تقديم وعرض اصطفافات مذهبية ودينية "أقلوية" مع تحفظي على تعبير "الأقليات" في دولة تسعى لها الثورة لتكون دولة مواطنة... لا اشك بأن هذا النظام الفاشي قادر، كما فعل سابقا ولبنان تحديدا، على توريد شبيحة وفرق موت إلى من يحتاج... لكنني أيضا لا أستطيع تجاهل هذا الضخ الذي يمارسه حسن نصر الله وحزبه لمصلحة إيران ضد الثورة السورية والادعاء بأنه سيمنع ولو بالقوة سقوط الأسد، فهذا أمر قد يكون مفيدا في القترة الأولى من الثورة السورية التي كان يظن النظام أنه يستطيع استخدام ادوات وأوراق في سياسته الخارجية ومتاجرته بالقضايا القومية سيحرج الثوار... ولإقناع الأقلية العلوية ( وهي ليست أقلية بل عربية سورية حتى النخاع)...لكننا الآن ندخل مرحلة الخطر...

الخطر يكمن في قادم الأيام على سوريا الوطن والبلد من روح الاصطفاف المذهبي الطائفي التي اشتغل عليها هذا النظام بوعي وليس بغباء كما يخيل للبعض... وللتوريط أكثر لم يكن هناك حرج عند هذا النظام أن يقول بأن إيران معه وتساعده، مثلما كان يدعي أن الإمارات ودول خليجية وعربية تدعمه وهو ما صرح به لوفد من الجالية السورية من الكويت وتم بث تصريحاته آنذاك بتسريبها عبر من حضر الجلسة، ولم يكن لديه حرج أن يشيع أن العراق تسانده وقام حزب الله باداء الدور المنوط به بتصريحات تنتقص من الثورة السورية واحتقار عقول الشعب السوري والمتابعين لما كان يجري بدءا من حوران وقصص وترهات بانياس و14 آذار وعقاب صقر والنائب الجراح والبارجة الألمانية... وقصص وروايات عن مخططات بندرية والاستشهاد بمواقع صنعها البعض في كندا على أنها إسرائيلية كموقع فيلكا إسرائيل... وغيرها من الروايات التي كانت وما زالت تستهدف العقل والتشويش على الطريقة الصهيونية... قد تكون كل هذه الأمور مكشوفة للأغلبية، لكن يبقى البعض ممن يعير أذنه وعقله لقناة الدنيا نتيجة لتصديق اللعبة الأسدية... والتي هدفت للقول أساسا للطائفة العلوية: إن هذه الثورة ستهدم كنيستكم أو وجودكم... لا أعتقد أن النظام بطريقته البائسة كان يهدف فقط لإخافة الثوار وضرب عزيمتهم بقدر ما هي محاولة جذب "أقلوي" يدعي النظام الاستبدادي، الذي لم يوفر جورج صبرا ولا ميشيل كيلو ولا عبد العزيز الخير ولا عارف دليلة ولا أي علوي شيوعي من منظمة العمل من القتل والعقاب الفادح لمعارضتهم النظام ولو سلميا مثل غياث مطر ومعن العودات، أنه الحامي "للأقليات"...

الثورة التي انطلقت في سوق الحميدية كانت ثورة سورية من شباب وشابات من جميع الطوائف... الثورة طالبت بكرامة وحرية من حكم الاستبداد الوراثي... صحيح أن البعض ممن يدعي المعارضة لم ترق له مشاهد خروج الجماهير من المساجد، رغم معرفتهم بأن نظام القمع لا يسمح بتجمع بسيط أمام حديقة بسيطة في سوريا...
لكنها لم تنطلق ولم تذهب بشعارات طائفية... صحيح أن نضال جنود قتل في بداية الثورة... خطأ لا بد أن يحدث في الثورات... لكن مثل نضال هناك الآلاف من السوريين الذين تم تعذيبهم حتى الموت والتمثيل بجثثهم بشكل بهيمي... التركيز على رمزية نضال جنود لأنه علوي شيء فيه من استدعاء التخويف الطائفي والمذهبي ما يزال يلعب عليه تحالف المافيا الحاكم والعابر للطوائف...
إن تكرار الروايات عما تعرض له هذا وذاك في مستوى العقل البشري البسيط يراد منه التركيز على "العلوي" كمستهدف... لم يكن في حوران ذا الصبغة المذهبية المعروفة سوى اختراع أن حمزة الخطيب وثامر الشرعي كانا بصدد سبي واغتصاب نساء الضباط في مساكن صيدا... هذه الرواية جرى إعادة سردها مئات المرات..

ما فعله النظام في السلمية معروف للسوريين... وما فعله في القرى من تسليح وتجنيد للشبيحة معروف أيضا... تسليم جثث الشبيحة مؤخرا وتحديدا في القرى كان يحمل الكثير من الشحن واعادة شحذ الذهنية بالخوف... تلك من الأمور التي بات يعرفها السوريين مثل معرفتهم لكذبة العصابات المسلحة المجهولة الهوية التي برر باسمها حفلات القتل والتعذيب والقمع بشراسة وهمجية... كنت دائما أتساءل كيف سيكون تبرير دخول الدبابات إلى دير الزور وحلب؟
هل حلب التي قدمها على أنها هادئة( ليعزز التفرقة بين السوريين) تختلف عن داريا ودوما وحرستا والغوطة التي قصفت؟ المبرر سيكون نفسه "عصابات مسلحة تتنقل بين المدن" كما بشر أبواقه في مايو من العام الماضي رغم أننا نعرف أن "الانتصار" الكبير في اكتشاف مشفى ميداني ومخزن جبس وإلقاء القبض على ممرضين وأطباء وهذا يعني أن تنقل الخبز والغاز صعبا فما بالك بعصابات مسلحة "بسيارات دفع رباعي" كما قال الأسد وصفق له الحاضرون في مدرج جامعة دمشق في إطلالته الثانية وحديثه عن " 64 ألف وكسور"ممن هم مطلوبون للقتل و "العدالة" فمنهم من هو محكوم بالإعدام حسب قوله وتفاخره بقراصنة الكترونيين... ثم الاستخفاف الكلي بوقوع ضحايا وانكار كلي لقيام شبيحته ورجال أمنه وجلاوزته بقتل مواطن سوري واحد وتحميل المسؤولية "للعصابات" التي تتنقل بكل أريحية... كما كان إنكار وجود انشقاقات في الجيش وذهاب احدهم للقول: الملائكة تنشق والجنود لا ينشقون عن الأسد...

هذه الأمور باتت واضحة ربما...

لكن سوريا تسير نحو خطر بفعل هذه العقلية "الأسد أو لا أحد"... بمعنى من المعاني : لن يكون هناك سوريا بدون عائلة الأسد... وهذا بطبيعة الحال ليس إلا خطف لحرية بلد كامل ومقايضة الاستقرار والأمان بوجود العصابة الحاكمة... وكل ما يسمى إصلاحات تصب في هذه الخانة...
الخطر أن تذهب الثورة السورية نحو خطر يخطط له هذا النظام ويعمل وفق منهجية محددة المعالم: احتراب طائفي مذهبي!
ما أقوله هنا: يجب أن لا تنجر الثورة لا خطابا ولا ممارسة نحو الفخ الفاشي للنظام للايقاع بالمجتمع السوري المتنوع... فكمية الممارسات على خلفية طائفية يجب أن تقوم الثورة السورية فورا بمحاصرتها والتنديد بها... الثورة التي تملك فائضا من الأخلاق تستطيع الانتصار لشعبها وعلى الجزار إن قومت وصححت من الشوائب التي نعرف أنها قد تعلق بأية ثورة شعبية... مع معرفتنا الكاملة لما يعانيه الشعب السوري من مذابح إلا أن الأمر الطائفي إذا تفشى وانجر الناس نحو العواطف سيعني الأمر المزيد من التخندق والفرز الذي يلعب عليه النظام...
لأكون صريحا أكثر، يبدو لي أن حالة التشنج الطائفي التي تم العمل عليها باتت تتغلغل حتى لبعض النخب المثقفة وحتى المعارضة... وهذا فخ يسقط فيه الجميع... إن الاختيار بين الطائفية والوطنية السورية مسؤولية جماعية لا يمكن تركها لطائفة دون أخرى... وعليه ربما تكون الأصوات التي علت مؤخرا عن ضرورة الفصل بين النظام والطوائف ضرورة ثورية... ليس من باب الطمـأنة التي صارت "موضة" في الفترة الأخيرة مطلبا وتقديما...
ما يجمع عليه السوريون على مختلف انتماءاتهم: دولة مدنية ديمقراطية... دولة مواطنة وكرامة وحرية... لكل السوريين... بغض النظر عن الخلفية القومية والمذهبية والطائفية...

وبصراحة أكثر، سوريا ستسقط هذا النظام مهما فعل البعض لإنقاذه وحتى في مجلس الأمن، الخوف الذي يشيعه النظام لا يجب أن يقابله تخويف من الثورة أيضا لما بعد النظام...
لكن، من الواجب التحذير أن تذاكي بعض المدافعين عن فكرة بقاء النظام مخافة المجهول القادم وتشاطر الأبواق على شاشات التلفزيون والدفع بالنفس الطائفي والتحذير من هول القادم يعني لي أن شيئا مهولا قادم إلى سوريا... لن يكون في مصلحة أي من هؤلاء المصطفين معه والصامتين على قتل الشعب وإرسال مناشدات عبر الهواتف الجوالة بما يسمونه "حسم الأمر" وكأن من يجري قتلهم وقصفهم مجرد عصافير أو مجموعة من البشر الزائدين عن العدد بالتخوين اتهاما والعمالة وصفا!

القتل بهذا الشكل الذي تقوم به قوات الأسد بتهليل ومباركة المؤيدين يعني شيئا واحدا وأكيدا، هذا إذا لم يستوعب هؤلاء بأنهم باتوا شركاء في المذابح المتنقلة والتي يبتهجون لحدوثها واستمرار تصديقهم لرواية سمجة وسخيفة عن مسؤولية كونية عن المؤامرة إلا مسؤولية الدولة التي تنفلت سيطرتها على القتلة الذين تسيرهم أجهزة تستنهض وحش الطائفية من دواخل البشر السوريين، وليعذرني البعض على قراءتي هذه التي ترى ويلات قادمة على هذا الوطن السوري إذا لم تتوقف المتاجرة والألاعيب عند حدها الفاصل بين الوطنية والطائفية...
بكل تأكيد هذا النظام سيتحمل جهنمية ما تحمله الأيام لسوريا، وقد كنت منذ ابريل 2011 أشعر بما يحدث اليوم وأكاد أن أجعل الأمر هاجسا، لكن ما أتابعه من مجريات يشي بالخطر المحدق... خطر يتهدد وبلسان النظام نفسه كيانية الدولة السورية في خلط عجيب لمفهوم سقف الوطن باسم العصابة التي يقودها بشار الأسد، فلو مات بشار ميتة طبيعية، هذا إذا اعترف من يؤلهه اليوم ممارسة وشعارا، ماذا سيحل بسوريا؟

إن رهن مستقبل شعب ووطن لشخص تدل أفعاله وتصريحاته على حالة غير سوية وغير مشابهة لحالات فاشية عرفتها البشرية لأمر لا يبشر بشيء جيد حتى حين انتصار الثورة الأكيد على هذا السفاح... فالصدمات التي ألحقتها هذه الفاشية على مدى عام كامل من بهيمية الممارسة الأمنية المنفلتة من أي حساب يمكن أن تزداد كلما أصر البعض على قراءة بشار كمخلص فريد من نوعه في سوريا التي يصل فيها عدد السكان إلى 23 مليونا...

ولو افترضنا أن ما أتحدث عنه من خطر حقيقي سيصيب كيانية الدولة السورية نتيجة الخلط المقصود بين النظام والدولة، فإننا سنكون أمام كارثة لن تقي أحدا مهما بدا قويا اليوم بفعل فائض القوة وعنجهيتها مقابل مجتمع خرج مسالما ولم يسمح له التجمع بساحة واحدة ليقارن بين ثورته وثورات الربيع العربي... ولا حتى بليبيا ولا اليمن اللتان شهدتا عنفا كبيرا... والسائل بشكل أسبوعي عن الملايين لا يطرح على نفسه سؤالا: إذا كانت مذبحة حمص تمثيلا لاحراج النظام في مجلس الأمن.. فماذا عن تشييع داريا في اليوم التالي وقتل المشيعين؟ ماذا عن اللاذقية التي تم اجتياحها بالدبابات والشبيحة والاعتقال والتهجير؟ ماذا عن القتل في الرقة؟ ماذا عن القمع في الميدان وكفرسوسة ودوما وعسال الورد؟ من يسأل ليقارن يحتاج لأن يلقي نظرة عن كثب عن فائض القوة المستخدم ضد المشيعين فما بالك لو فكرت بمن كان يحاول من جوبر وزملكا الوصول إلى ساحة العباسيين؟ ومن يسأل عن الإضرابات عليه أن يفهم كيف تجري عمليات النهب والحرق للممتلكات الشخصية للبشر رغم أكاذيب الروس عن أن المتظاهرين يخربون الممتلكات العامة ويهاجمون مؤسسات الدولة، إلا إذا كانت حافلات الشبيحة والقتلة وأماكن التعذيب تعتبر خطا أحمرا...
ما شهدته تونس من حرق للمقرات الأمنية... وما شهدته مصر من اقتحام الشعب لأقسام البوليس وحرق مقر الحزب الحاكم واستخدام المولوتوف لحرق حافلات الأمن وغيرها لم نشهد عشره في سوريا... فكيف يطلب من شعب أن يثبت أنه مستعد للنزول بالملايين بينما السائل نفسه يصفق لكمية الرصاص وحجم النيران المصبوبة على الأحياء.. إلا في الحالات الاستثنائية التي شهدت تواجد الجيش الحر... ومن يظن أن القوة المستخدمة بالدبابات والمدفعية وكل صنوف السلاح الثقيل يمكن أن تخمد ثورة شعبية وليقال بعدها: الأمور هادئة! أظن وبدون تردد يساهم في تراكمات الانفجار القادم بحيث تصيب شظاياه كل المجتمع.
بشار ونظامه بات خطرا حقيقيا على المجتمع السوري، ولتجنب المأساة القادمة والتي يخطط لها النظام بات لزوما على الجميع الآن وقبل فوات الأوان حسم الأمر سريعا، والأمر أبسط من كل التعقيدات والمناكفات والمتاجرة بدماء السوريين... الأمر يحسم من السوريين وعلى الأرض السورية... ومثلما قيل دوما "الطغاة يجلبون الغزاة" فإن مستقبل سوريا يحتاج للإختيار الحاسم بين الطائفية والوطنية...

الاختيار ليس مهمة المجلس الوطني السوري ولا هيئة التنسيق ولا حسين العودات ولا منذر خدام ولا عبد العزيز الخير وهيثم مناع ولا الاخوان والشيوعيين... الاختيار هو للشعب السوري... ببساطة شديدة أن يتوقف اللوم الطائفي والتخويف منه... وأن يقول السوريون لبعضهم: كفانا قبولا بيننا للشبيحة من أين كانوا... وكفانا تعجيزا لثورة تطالب بكرامة جماعية لكل السوريين... وليس على طريقة بشار المقتبس من بوش الذي باركت توريثه وزيرة خارجيته مادلين اولبرايت " من ليس معنا فهو ضدنا"... وليست على طريقة إطلاق سراح أبو مصعب كما أطلق سابقا شاكر العبسي لإعادة المتاجرة من الصفر داخليا ودوليا... ليس المطلوب من المؤيدين لبشار أن يتملقوا الثورة ولا أن يركبوا أمواجها... ولا مطلوب منهم أن يصبحوا ثوريين بين ليلة وضحاها...

كل ما هو مطلوب أن يرفض السوريين جميعا، بمن فيهم الثائرون، التعاضد والتكاتف والاتفاق على أن لا يبارك أحدهم ما يخطط له نظام زائل من جهنم الطائفية.... وليختلفوا كيفما شاءوا بعد التخلص من كابوس الوحشية الفاشية الذي صار يلج بيوت السوريين والعرب معهم... وحتى السوريين الذين يعيشون في المنافي، وأنا شبه متأكد بأنهم لا يقدرون على النوم مخافة هذا الكابوس القادم... والكابوس سيبقى جاثما ومكلفا طالما بقي البعض بحجج طائفية واهية وكاذبة يخاف ويخوف من سقوط النظام وتمني توقف الثورة فقط لطرد الكابوس... ون قال بأنه إذا توقفت الثورة، وهذا مستحيل طبعا، سيكون الكابوس بعيدا؟
نحن لا نشهد مجزرة حماة 82 بل نشهد ثورة تتراكم فيها كل الأشياء الجميلة والقبيحة... المخاض يجب أن يخاض وإلا فسوريا التي نعرفها حتى اللحظة الراهنة ستكون جحيما بكل ما للكلمة من معنى... ولا يجب أن يشعر البعض أن مهمته إنقاذ النظام برأسه بشار لأنه دكتور ومثقف وشاب كما يُشاع وجميل العيون... لسبب بسيط أن الوطن أكبر من بشار ونظامه... ولا يظن أحد بأن الكابوس الذي أحذر منه هو مجرد حرب أهلية وطائفية... فمن يحرص على سوريا الوطن أمامه الثورة وخلفه الثورة والثورة التي تقوم أمورها تحتاج للجميع... ولا مستقبل لسوريا هذه التي نعرفها بدون الفعل الذي يجذب ويشذب بعيدا عن الانتهازيين والوصوليين والمتسلقين... والمصفقين الذين يتنافخون تفاخرا بمنجزات فارغة بغزو قرى ومدن سورية وقتل أبناء الشعب الواحد بحجة العصابات و بأنها "خلصت".. وهي لن تخلص، وإن أوهمت الأبواق وإعلامه البعض، قبل أن تنجز ما خرج الناس لأجله: إسقاط النظام وبناء دولة المواطنة، لا دولة العصابات!

(109)    هل أعجبتك المقالة (100)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي