ان الهدف الذي هو أكبر من أن ينال ، والذي لا يترك أمام المرء سوى طريق الفشل ، إنما هو هدف غير عقلاني ، ويحمل في طياته عواقب وخيمة ، تشابه تلك التي جنيناها من علاقاتنا المشبوهة يوم كان خدام صاحب الملف اللبناني .
لم يستطع وقتها أن يكسب محبة الشعب اللبناني بطرق ملتوية ، عمادها السمسرة والتهريب والقمع والتجارة المضرة ؟. ورغم تواجد العدد الكبير من العسكر بإمرته ، والعدد الأكبر من رجال الامن . ومع كل ذلك ، لم يجلب لسوريا ، محبة الشعب اللبناني ، وكل ما جلبه ، كان العداء والحقد لممارسات مشينة ، كان شريكاً فيها ، أو غطى عليها .
نعم لم يخطئ الشرع عندما قال : ان حلفاء سوريا اليوم أقوى ، بعدم وجود العسكر والأمن . لأن سوريا اليوم ، تضع يدها بيد الشرفاء وليس بيد السماسرة واللصوص ، تضع يدها بيد من يحفظون الجميل ، وليس بيد ناكروا الجميل ، تضع يدها بيد رجال ، وعدوا ووفوا ، لا بيد صبية وعدوا ونكثوا العهود والمواثيق .
الشرع أدرك أنه لا يمكن أن يحصل على حب جميع اللبنانيين وتأييدهم ، وحتى ، ما من حاجة به لذلك . ومن أجل أن يتمتع بالشفافية والمنطقية والصراحة !. وجد أنه لا يمكنه أن يُضحي بما لديه من مثُل وقيم ، لكي يشتري تأييد الآخرين وحبهم . وعلى العكس ، عدد وبالاسم حلفائه ، . وأوضح أنه عندما يختلف الآخرون مع سوريا ، تحاول سوريا تفحص الأسباب والانتقادات التي تقف وراء سلوكهم العدائي . كما تحاول سوريا ، أن تتفحص المشكلة ، وهل هي سببها أم سببها منتقديها .
فإذا كانت المشكلة في سوريا ، فهي تسعى الى التغيير ، أما اذا كانت المشكلة في منتقديها ، وجب أن يتغيروا هم .
الحليف السياسي اللبناني الوطني الحقيقي يدرك حقاً أن استقرار البلاد ورفاهيتها لم تكن يوماً وليدة قوى خارجية أو نتيجة لأحداث يتحكم فيها السفير الأمريكي أو الفرنسي . إنها قضية مواقف داخلية لا قدرة للقوى الخارجية أن تفرضها ، فأقصى ما يمكن للخارج أن يفرضه ، هو الشقاق والخلاف والنزاعات الأبدية ، وما علينا الا متابعة مسيرة السفراء الأمريكان في كل الدول ، لنرّ ، كيف يبذرون سموم الحقد والانشقاق ، وكيف تحصد الشعوب نتيجة كل هذا الزرع .
ان أكبر خطأ وقع فيه جهابذة السياسة من جماعة 14 آذار ، هو وقوعهم في الفخ الأمريكي ، والذي ، وعدهم بسقوط النظام السوري ، بأقرب فرصة ممكنة . إن مثل هذا التفكير السلبي ، والورطة الفلتمانية لم يلحظا فيما يبدو ، لا عبر في التاريخ ، ولا تجارب سابقة ، لكل من حاول ذلك ، وفشل فشلا ذريعا .
السياسي العاقل الناضج ، يدرك تماما ما لخبرات الماضي من أهمية ، وما للتاريخ من دروس مفيدة . ولكنه يدرك أيضا أن التغيير ممكن إذا ما أُعيد قراءة التاريخ بجدية وروية وفهمه بشكل صحيح . السياسي الصالح يبقى دوماً أكبر من مشكلاته وأزماته .وحتى عدم التمكن من ايجاد الحل المثالي ليس بالكارثة .
إنه بامكان السياسي أن يتعلم من فشل والده في جر لبنان الى فتنة طائفية ، كادت تؤدي الى مذابح للمسيحيين ، وقفت وقتها ضدها سوريا .
قد يكون تبكيت الضمير ، أو التورط في مشاريع خيانية ، أو جنائية ، يحد اليوم من قدرة هذه الجماعة على ابتكار الحلول لمشكلاتهم ، مما يجعلهم ، يدورون في حلقة مفرغة ، أولا، ويُحملون سوريا ، ثانياً ، نتيجة كل مغامراتهم وأخطائهم .
سوريا لن تعود الى لبنان ، هو قرار اتخذه منذ زمن طويل رمز سوريا ، وبدأ انسحابه قبل حصول أي ضغط ، لأنه ، شعر أن وجودنا بهذه الطريقة وتلك العقلية ، كان خطأ كبيرا ، واعترف بشجاعة الفرسان ، أن هناك أخطاء كثيرة جرت في لبنان .
سوريا في هذا العهد ، واجهت ، الشرير والخسيس والحقير ، وحاولت تجنب ادانتهم ، لقناعتها (بأنهم لا يدرون ما يفعلون ) وبان هناك من غرر بهم ، وورطهم ، في أمور ، ستكشفها القادمات من الأيام .
عرفت سوريا أن ما يبدو للجميع شرا قد يكون نتيجة الجهل أو بعض الاعاقة . لم نسمع كلمة نابية ، بحق أحد الساسة اللبنانيين ، في الوقت ، الذي فاضت مجاري الصرف الصحي ، من سفاهة ابن ---المختارة . سوريا لم تصدر أحكامها على ما يضمرون من شرور وخبث وحقد ، اكتفت فقط بالإشارة الى ما هو ظاهر وملموس في مسلكهم ، ومجمل تصرفاتهم .
يحضرني قول الجواهري عندما زار لبنان :
ولا نحن أعرف من همُ ولمن همُ
ولمن تمثل هذه الأدوار
تنهى وتأمر في البلاد عصابة
ينهي ويأمر فوقها استعمار
وعندما وصل الشام صرخ :
خلفت غاشية الخنوع ورائي
وأتيت أقبس جمرة الشهداء .
دمشق
12-12-2007
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية