المتابع لمسيرة عائلة الأسد الحاكمة في سوريا منذ عام 1970، يلاحظ أن هذا البلد الصغير المعروف بعروبته ومساندته إلى القضايا العربية، تحول خلال العقود الأخيرة، من سوريا المعروفة بقلب العروبة النابض، إلى سوريا بلا قلب.
عانى الشعب السوري الآمرين منذ وصول حافظ الأسد إلى الحكم، بعد أن انقلب على أصدقائه في حزب البعث عام 1970،و أطلق على انقلابه اسم" الحركة التصحيحية"، على اعتبار أن أصدقائه البعثيين انحرفوا عن مسار حزب البعث، و انحرفوا عن شعاراته المتمثلة في الوحدة و الحرية و الاشتراكية.
آمن الشعب السوري بهذا القائد الجديد، و الذي خاص بعد ثلاث سنوات من حكمه حربا ضد إسرائيل من أجل استعادة الجولان المحتل { من المعروف في الأوساط السورية أن حافظ الأسد أعلن عام1967 سقوط الجولان قبل سقوطه الفعلي في أيد الاحتلال الإسرائيلي و كان آنذاك وزيرا للدفاع }، و لم تمضِ ثلاث سنوات على حرب أكتوبر/ تشرين حتى كَشر الأسد عن حقيقة مشروعه، وهو تحويل سوريا إلى دولة علوية، تتبع للأقليات على أن يتم تهميش الأكثرية و ضربها بيد من حديد في حال قررت التمرد على مشروع الأسد المؤسس.
• بداية التمرد
بدأ التمرد الحقيقي مع إعلان حركة الإخوان المسلمين الثورة ضد النظام العلوي الحاكم، فقد تحول حزب البعث إلى أداة في يد الطائفة العلوية، و استمر الشد و المد بين الطرفين" الإخوان و البعث" حتى عام 1982، عندما قام الجيش السوري و سرايا الدفاع بتدمير المدينة التاريخية " حماة"المعروفة بقلعة السنة في سوريا، حيث أن هذه المدينة تحيط بها من كل الجهات أقليات دينية مثل العلوية و الإسماعيلية و المرشدية و النصيرية و غيرها، وكان هؤلاء يعملون خدما في بيوت العائلات الحموية، أو في أراضيهم.
كان الانتقام هائلا.. حيث قُتل عشرات الآلاف { لا يوجد إحصائية حقيقية حول عد القتلى لكنه بين 15ألف و 35 ألف}، انتقم العلوين لأنفسهم من أسيادهم في حماة، و هو ما نراه إلى الآن قائما، و خلال الثورة السورية الحديثة المستمرة منذ أكثر من عشرة أشهر، نلاحظ أن الجيش السوري عندما وصل إلى حماة، تم التعامل مع المتظاهرين بقسوة متناهية و بلا رحمة، وهو دليل قاطع على أن الحقد الدفين و عقدة النقص أمام السيد الحموي لا زالت هي الحاكمة لدى الطائفة العلوية.
• مجازرأخرى
ليس بعيدا عن حماة، و في عام1976، كانت الهدية التي قدمها حافظ الأسد إلى الانعزاليين في لبنان{ حزب الكتائب} هو تركهم لذبح الفلسطينيين في "مخيم تل الزعتر" حيث تم قتل وتهجير الفلسطينيون من هذا المخيم ألذي أصبح أثرا بعد عين.
و أثناء الاجتياح الإسرائيلي على لبنان عام 1982، أعطى حافظ الأسد أوامره بوقف إطلاق النار بين الجيش السوري و جيش الاحتلال الإسرائيلي، و ترك الميليشيا الفلسطينية و اللبنانية تقاتل وحدها طيلة 82 يوما، و خرج الفلسطينيون و حلفاءهم اللبنانيون من لبنان إلى دول عربية بعيدة كتونس و الجزائر و اليمن، و تم القضاء على القوة العسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، بمساعدة الحليف الاستراتيجي لإسرائيل، النظام العلوي بقيادة مؤسسه حافظ الأسد.
و لم يكتفِ الأسد بتشتيت المقاومة حتى تنعم صديقته الحميمة إسرائيل براحة البال، بل قام بدعم جماعة في حركة فتح لكي تنشق على ياسر عرفات، و انتهى الانشقاق بطرد حركة فتح بشكل كامل من الأراضي اللبنانية عام 1983 بعد معركة طرابلس و التي تدخل فيها جميع حلفاء سوريا مثل جماعة أحمد جبريل و جيش التحرير الفلسطيني و غيرهم، و تم إعطاء كافة أملاك حركة فتح في سوريا إلى جماعة فتح المنشقة بقيادة أبوموسى و التي عُرفت فيما بعد باسم " فتح الانتفاضة".
كانت سوريا عائلة الأسد، تحاول بأي شكل من الأشكال إضعاف القوة الفلسطينية و تدميرها، وكما يذكر القائد الفلسطيني المعروف" صلاح خلف- أبو إياد" في كتابه " فلسطيني بلا هوية" { أن حافظ الأسد كان يعتقد أن القيادة الفلسطينية كانت غير جديرة بقيادة الشعب الفلسطيني و ثورته}. و بعد كل هذه المحاولات، جاءت نتيجة إضعاف القيادة الفلسطينية و إبعادها عن منطقة الصراع قرب العدو الأول وهو إسرائيل، هو اتفاق أوسلو و البقية معروفة.
• اغتيال بلا شاهد
لم تتوقف آلة القتل العلوية السورية عند هذا الحد، بل امتدت لتتشعب و تقتل و تنتقم من كل من يتعرض لهذا النظام الطائفي، فقد تم اغتيال القائد اللبناني المعروف بوطنيته" كمال جنبلاط" على حاجز سوري، و السبب أن هذا القائد العروبي رفض تمرير مشاريع الأسد في لبنان، فدفع حياته ثمنا لذلك، و أصبح عِبرة لكل من تسول له نفسه الوقوف في المشروع العلوي-الأسدي.
و بعد عدة سنوات.. حاول النظام القائم في سوريا استمالة صلاح الدين البيطار، أحد مؤسسي حزب البعث وصديق ميشيل عفلق المقيم في البلد المجاور العراق. كان حافظ الأسد قد أرسل مبعوثين للتفاوض مع البيطار من أجل العودة إلى سوريا، و لكن جولات الحوار انتهت، حيث رفض البيطار العودة إلى سوريا، أياما بعد ذلك تم اغتياله في باريس حيث كان يقيم عام 1983.
بعد هاتين الجريمتين الشهيرتين، كان هناك الجريمة التي سيشهد التاريخ عليها إلى الأبد، وهي اختطاف المعارض السعودي ناصر السعيد من بيروت، و تسليمه إلى السلطات السعودية، التي انتقمت منه شر انتقام و أخفت جميع معالمه إلى الأبد، و السعيد كتب كتابه الشهير" آل سعود" الذي يتناول به جذور العائلة الحاكمة في شبه الجزيرة العربية و جذورهم التي تمتد إلى العراق، و أثبت من خلال صور ووثائق جذور العائلة التي تنتهي إلى الديانة اليهودية، مما أثار سخط العائلة الحاكمة في الجزيرة العربية، فاستنجدت بالأخ الشقيق للحاكم في سوريا، رفعت الأسد، الذي قام باختطاف السعيد من لبنان ،مكان لجوئه بعد مصر، اليمن الجنوبي و أخيرا سوريا، عام 1979 ومنذ ذلك الوقت لم يسمع أحد عنه، وأصبح رفعت الأسد أحد المقربين إلى عائلة آل سعود، و يدعمونه في كل تحركاته.
• الخلاصة:
ما تمَ سرده سالفا له علاقة فقط بحكم الأسد المؤسس، في حين أن الأسد " ولي العهد" استمر بنفس السياسة بعد أن أدخل عليها عوامل أخرى كالاقتصاد، فالأسد الصغير قام و حسب كثيرمن الشهود بإعطاء الأوامر باغتيال رفيق الحريري، الملياردير و رئيس الوزراء اللبناني السابق الذي تحدى إرادة الأسد الصغير في لبنان{ لقد صرح لي نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام في حوار معه أن بشار الأسد هو من أعطى الأمر بقتل رفيق الحريري}، ثم تمَ إنشاء ما عُرف بحرب مخيم نهر البارد و هي جماعة" فتح الإسلام" فالموضة الأخيرة هي الإسلام، فلماذا لا يتم أسلمة فتح من أجل شن حرب مقدسة في لبنان التي تمَ طرد الجيش السوري منها بعد أن عاث فيها فسادا على مدى أكثرمن 30 عاما تحت تسمية قوات الردع العربية.
إلى جانب ذلك.. عرفت الساحة السورية حالات اغتيال مختلفة، مثل اغتيال غازي كنعان، وزير الداخلية السورية و القائد السابق للبنان، و اغتياله جاء بعد اغتيال الحريري بفترة قصيرة، و تم الإعلان في وسائل الإعلام السورية الرسمية أن كنعان انتحر؟
وفي سياق آخر.. تم الانتقام الأسدي من الشعب السوري نفسه، الذي وصلت الفاقة بعشرات الآلاف منه لأن يأكل من المزابل، بعد أن أصبح 70 بالمائة من الاقتصاد السوري بيد عائلات الأسد و شاليش و مخلوف .
و بعد كل ذلك.. توسعت عائلة الأسد و أدخلت لاعبين جدد، لكن الشرط الأساسي لهؤلاء هو أن يكونوا من الطائفة العلوية، أو أنهم متورطين بأمور قذرة، و إلا فلا يمكن قبول رجل نظيف في صفوف من يحكم في سوريا، و إلا فإنه في يوم من الأيام سيخرج من القافلة و يعلن تمرده.
سوريا التي كانت في يوم من الأيام قلب عروبة نابض، و حامية الحمى، و ضحى شعبها طيلة عقود من أجل العروبة، جاءت عائلة الأسد لتحول هذا الوطن الطاهر الذي كان مهد الدولة العربية الإسلامية الأولى" الأمويين" لتصبح دولة طائفية تنتمي إلى طائفة همها الأساسي الانتقام و إلحاق سوريا بإيران التي أصبحت الآن تقود هلال شيعيا يمتد إلى العراق،لبنان وسوريا و لكن الشعب السوري انتفض، و أعلن أن مشروع العائلة الأسدية انتهى، وسوريا ستعود قريبا لتأخذ مكانها و لتبقى قلب عروبة نابض، بعد أن تحولت في عهد العائلة الأسدية إلى قلب بلا رحمة.
م.ا
*صحفي و كاتب مقيم في كندا
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية