أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حماس الإصلاح والتغيير في ذكرى انطلاقتها العشرين ... أ.د. محمد اسحق الريفي

انطلقت حركة حماس بالتزامن مع اشتعال الانتفاضة المباركة لتطورها إلى مقاومة مسلحة ومنظمة ضد الاحتلال، فشكلت هذه المقاومة تهديداً استراتيجياً للاحتلال الذي لجأ إلى تغيير أطراف المعادلة الداخلية الفلسطينية للقضاء على المقاومة، فرفعت حماس لواء الإصلاح والتغيير لحماية المقاومة، فشهدت القضية الفلسطينية تغييرات هامة على كل المستويات.

لم يبخل الشعب الفلسطيني على قضيته العادلة – خلال مسيرة جهاده الطويلة – بتقديم التضحيات الجسيمة وتحمل شتى صنوف المعاناة من أجل تحرير وطنه ونيل حقوقه، إلى أن اندلعت الانتفاضة الأولى "المباركة" ضد الاحتلال الصهيوني، فانطلقت حركة حماس لتصنع من أشبال الانتفاضة وشبابها مقاومين ومجاهدين، ليصبحوا أبطال المقاومة وقادتها، وليستنزفوا الاحتلال ويسددوا له الضربات القاسية، الأمر الذي أدى إلى تقهقر المخطط الصهيوني.

وقد نجحت أجنحة فصائل المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها كتائب الشهيد عز الدين القسام، في تحقيق إنجازات كبيرة أدت إلى هزيمة جيش الاحتلال في غزة واندحاره عنها وتدهور معنويات جنوده وسقوط أسطورة الجيش الصهيوني في أذهان العرب والمسلمين، فواجه الاحتلال الصهيوني هذه المقاومة – بمساعدة ما يسمى المجتمع الدولي – بتنصيب سلطة فلسطينية بمواصفات صهيونية على الشعب الفلسطيني، لإجهاض انتفاضته والقضاء على مقاومته وتصفية قضيته.

وأدرك الشعب الفلسطيني أهمية حماية المقاومة وإنجازاتها وتضحياته، وذلك عبر التصدي لزمرة الفساد والسماسرة الذين يتاجرون بالشعب وتضحياته ويعبثون بقضيته ومصيره، وعبر اختيار من يقود مسيرة جهاده ويمثله لدى المجتمع الدولي ويسعى لتحقيق طموحاته وأهدافه. فاختار الشعب الفلسطيني قائمة الإصلاح والتغيير وعقد على حركة حماس آماله وحمَّلها همومه، فأصبح التغيير عنواناً لهذه المرحلة الحاسمة من تاريخ شعبنا وضرورة ذاتيه لاستمرار الجهاد والمقاومة.

وتسبب هذا التغيير في حراك سياسي شديد في المنطقة برمتها، فحرص الولايات المتحدة الأمريكية على مصلحة الكيان الصهيوني وعلى استمرار نفوذها وولاء الأنظمة السياسية العربية لها، أعطى لهذا التغير الذي تضطلع به حركة حماس أبعاداً إقليمية معقدة، فكان لذلك تأثير بالغ الأهمية على سياسات الإدارة الأمريكية وحلفاؤها والكيان الصهيوني وسلطة أوسلو.

فقد شهدت الساحة الفلسطينية في الآونة الأخيرة تغييراً، عبر مباحثات سرية بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني، من سلطة أنشأها المجتمع الدولي تقتصر وظيفتها على إدارة الأمور الحياتية للفلسطينيين في الضفة وغزة، وتوفير الحماية للكيان الصهيوني وردع أي هجمات ضده، إلى حكومة شرعية مجاهدة اختارها الشعب الفلسطيني ومنحها ثقته، لتدافع عنه ضد العدوان الصهيوني وتتصدى للفئة الفاسدة التي تعبث بمصير الشعب الفلسطيني.

كما شهدت الساحة الفلسطينية تغييراً استراتيجياً من سلطة أرادها شارون أن تتكيف مع مطالب الكيان الصهيوني، وتلبي احتياجاته الأمنية، وتغطي على عدوانه ضد الشعب الفلسطيني، وتحقر المقاومة، إلى حكومة ترعى المقاومة وتمجدها وتطلق لها العنان وتوفر لها كل سبل العمل والتطوير ...

أما على مستوى الحقوق الفلسطينية، فبعد أن جعل فريق أوسلو قضية اللاجئين والقدس قابلة للتفاوض مع الاحتلال، ترفض الحكومة الشرعية التي تتولاها حماس المس بحق العودة وتؤكده وترفض التنازل عن أي بقعة من أرض فلسطين، خاصة القدس المحتلة.

ولقد أصبح المجتمع الدولي يستجدي حماس الاعتراف بشرعية ذلك الكيان الغاصب والتنازل عن الأرض التي يغتصبها منذ العام 1948م، في حين أن منظمة التحرير الفلسطينية اعترفت بشرعيته دون أي مقابل وتنازلت له عن معظم الأراضي الفلسطينية التي يحتلها!!

وأحدثت حماس تغييرا هاماً على مستوى الثقافة والموقف فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وذلك من ثقافة الاستسلام لضغوط الأعداء ورضوخ مبني على مفهوم مادي مختزل للقوة، إلى ثقافة الجهاد والمقاومة التي تقوم على أساس الحق والشرعية والثبات في معركة الإرادات...

وعلاوة على ذلك، هناك تغيير على مستوى توحيد الهم الفلسطيني في مواجهة التحديات، فبعد أن اختزل فريق أوسلو الشعب الفلسطيني في الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية وقطاع غزة وهمش اللاجئين وأقصاهم وألغى وجودهم، أصبح الآن يشغل الفلسطينيين هم واحد على اختلاف أماكن تواجدهم وظروفهم وانتماءاتهم، ويتمثل هذا الهم في إثبات وجود الشعب الفلسطيني والتصدي للتهويد والاستيطان والتهجير.

أما على مستوى النظام الرسمي العربي، ساعدت حركة حماس على زيادته هشاشة الأنظمة الموالية للأمريكيين وذلك بعد أن تبين من خلال تعاطي هذه الأنظمة دورها في قمع الشعوب ومنعها من نصرة الشعب الفلسطيني ومساهمتها في إحكام الحصار الظالم على قطاع غزة، فقد أظهرت حماس خطورة هذه الأنظمة على أمتنا وتواطئها مع الاحتلال والأمريكان.

ولقد ساهمت حركة حماس إلى حد كبير في تعرية الولايات المتحدة الأمريكية وفضح صورتها الدموية المقززة لدى العرب والمسلمين وكشف زيف تشدقها بالإنسانية والرقي والتحضر، الأمر الذي أدى إلى خسارتها في حرب الوجدان والأذهان، مما ساهم في إحباط المخطط الأمريكي الرامي إلى إقامة ما يسمى الشرق الأوسط الكبير.

وعالمياً، أصبحت حركة حماس رمزاً لمناهضة العولمة الأمريكية والأمركة والهيمنة الأمريكية على العالم، وأصبحت رمزاً لتحدي التغول الأمريكي على الشعوب المستضعفة، شاهد على زيف الديمقراطية الأمريكية ومنظومة القيم الغربية المتعلقة بحقوق الإنسان وكرامته...

إن أهم تغيير أدى إليه وصول حركة حماس إلى الحكم والسلطة هو استعصاء هذه الحركة المجاهدة على محاولات القضاء عليها، فلقد فشلت كل محاولات الولايات المتحدة وحلفائها والاحتلال الصهيوني في تغيير المعادلة الداخلية الفلسطينية وأطرافها لتمرير المؤامرات الصهيوأمريكية.

لقد أرادوا تغييراً يخدم مخططاتهم الشريرة، فأرادت حماس تغييراً يعزز صمود شعبنا ويدعم ثقافة المقاومة والممانعة ويعيد للقضية الفلسطينية مكانتها التي تستحقها، فسجلت حماس انتصارات جديدة في ذكرى انطلاقتها العشرين وباءت جهود الأشرار بالفشل الذريع.

11/12/2007م

(111)    هل أعجبتك المقالة (123)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي