دخلت المعارضة السورية في دائرة النقد منذ بداية اﻷحداث في مارس )آذار( الماضي، بل اﻷمر كان كذلك قبل اﻷحداث، لكن اﻷحداث جعلت نقد المعارضة بين أكثر اﻷمور السورية سخونة، وشاركت أطراف كثيرة في نقد المعارضة، بحيث لم يقتصر اﻷمر على نقد السلطة، التي استغلت اﻷحداث لتحمل المعارضة مسؤولية بعض ما يحدث، وتسوق ضدها اﻻتهامات، وذلك قبل أن ينخرط الحراك الشعبي في عملية نقد للمعارضة، أساسها القول بتقصير المعارضة عن القيام بدور نشط وفاعل في اﻷحداث الجارية، فيما شاركت جماعات وأحزاب المعارضة في تلك العملية من خﻼل اﻻنتقادات والهجمات المتبادلة بين أطرافها، خاصة لجهة التركيز على أمرين أساسيين هما موضوع الحوار مع النظام وموضوع التدخل الدولي، وإن لم يقتصر الجدال وكذلك اﻻتهامات على هذين اﻷمرين، بل تجاوزهما إلى أمور وتفاصيل أخرى.
ولعله ﻻ يحتاج إلى تأكيد، قول إن المعارضة السورية بكل جماعاتها وتكويناتها، تستحق النقد من زوايا مختلفة، سواء بسبب خلفياتها الفكرية والسياسية، أو نتيجة تكويناتها التنظيمية وعﻼقاتها، أو بسبب سياساتها ومواقفها، وربما لﻸسباب السابقة جميعها مضافا إليها أسباب وحيثيات أخرى.
لكن نقد المعارضة ﻻ بد أن يأخذ بعين اﻻعتبار رحلتها الطويلة في ظل أنظمة اﻻستبداد التي شهدتها سوريا منذ أواخر الخمسينات، والتي جعلت العمل السياسي أشبه بعمل استشهادي؛ ليس فقط بسبب حظر الجماعات السياسية ومﻼحقتها وهو أمر كان سائدا طوال العقود الستة الماضية، بل أيضا نتيجة قيام السلطات بتدمير الفكر السياسي، وتهميش ما بقي قائما منه، ومحاربة الشخصيات السياسية، واحتقار السياسة، التي تعني بصورة مكثفة علم وفن إدارة المجتمعات البشرية، في حين كانت السلطات ترى أن إدارة البﻼد تتم بواسطة القبضة البوليسية مع استعمال سياسة العصا والجزرة في بعض اﻷحيان، حيث يجبر الناس على الطاعة بالقوة أو بالرشوة التي يمكن أن يقدم النظام فتاتها حصرا.
لقد تركت الظروف اﻻستثنائية بصماتها الثقيلة على المعارضة بأحزابها وتكويناتها، وأضافت إلى المشاكل اﻵيديولوجية والسياسية والتنظيمية أعباء أخرى، ولم تستطع التضحيات والجهود التي بذلتها المعارضة في مواجهة اﻻستبداد والقمع البوليسي، إحداث أي تغييرات مهمة في المستويات الداخلية أو الشعبية أو على المستوى الوطني العام، وجل ما تم فعله، أن استطاعت المعارضة اﻹبقاء على وجود ضعيف لها داخل البﻼد، فيما بقي للبعض منها في الخارج وجود رمزي ليس أكثر.
غير أن تطورات اﻷحداث في اﻷشهر الماضية، تركت آثارها القوية، ليس على المعارضة فحسب. إنما على الحياة السياسية والوطنية، فاستعادت أحزاب معارضة حضورها، وتم تأسيس جماعات جديدة في الداخل والخارج، ونشطت شخصيات في العمل العام للمرة اﻷولى وﻻ سيما في الخارج، فيما كان الحراك الشعبي يخلق أطرا عملية وسياسية، ويطور نشاطاته، ويدفع بشخصيات لجعلها واجهة سياسية له، وكله جرى في سياق حركة أعادت السياسة للمجتمع واﻷخير للسياسة، وهو ما لم تشهده البﻼد على هذا المستوى في تاريخها الحديث والمعاصر.
لقد بدا من الطبيعي مع انفجار الثورة، أن يظهر اﻻرتباك على السوريين في النظام والمعارضة داخل البﻼد وخارجها، بل وعلى الحراك الشعبي ذاته، ﻷن الجميع فوجئ ليس بما حدث فقط، بل بحجمه ومحتوياته وبقدرته الهائلة على اﻻستمرار رغم كل الظروف. وبدا من الطبيعي، أن يسعى كل طرف ﻹقامة توافقاته مع اﻷوضاع المستجدة، وفي الوقت الذي كان على المعارضة القيام بمثل تلك الخطوات عبر تغييرات
جوهرية، تشمل خلفياتها الفكرية والسياسية، وتكويناتها التنظيمية وعﻼقاتها، وسياساتها ومواقفها لتتوافق مع ثورة السوريين، فقد بدا أن ما تم القيام به أقل من المطلوب بكثير، واﻷهم فيه تمثل في نقطتين؛ اﻷولى مشاركة محدودة ﻷجزاء وشخصيات من تلك الجماعات في الحراك الشعبي، وهو سلوك لم يكن متوافقا مع مواقف قيادات تلك اﻷحزاب في غالب اﻷحيان. والنقطة الثانية، بناء تحالفات هدفها تعزيز مكانة الجماعات واﻷحزاب في الحراك السوري العام، وجاء في سياق ذلك قيام هيئة التنسيق الوطني لقوى التغيير الوطني الديمقراطي أوﻻ، ثم المجلس الوطني السوري، وثالثا المجلس الوطني الكردي في سوريا.
وإذ عززت المجريات السياسية العامة في سوريا مطالبات الحراك الشعبي وإلحاحه على ضرورة مضي المعارضة في القيام بدورها في قيادة الحراك الشعبي وتمثيله من الناحيتين السياسية والعملية، فقد عجزت عن تحقيق ذلك، ليس فقط بفشلها في تحقيق »وحدة« أو »تقارب سياسي« وبرنامجي، وارتكبت أخطاء كبيرة، إذ سجلت هيئة التنسيق غيابا غير مفسر وﻻ مبرر في مواكبة الحراك وطروحاته، بينما اكتفى المجلس الوطني بترداد شعارات ومطالب المظاهرات دون أن يرسم لها إطارات تنفيذية تعطيها قوة وزخما، وذهب المجلس الوطني الكردي باتجاه مساومات مع التحالفين بهدف اﻻنضمام إلى أحدهما في حال أعطاه شروطا أحسن للمشاركة.
إن الواقع الحالي لكتل المعارضة الثﻼث، يكشف مشكلتها ومأزقها في التعاطي مع الحياة السورية ومع الثورة بصورة خاصة، وهذا يعني أن الوضع أمام واحد من احتمالين؛ اﻷول يتطلب قيام المعارضة أو جزء فاعل منها بإجراء تغييرات جوهرية في بناه وسلوكياته السياسية من شأنها إحداث نقلة جوهرية في مكانة وسياسة وتأثير المعارضة في الحياة السورية، وثاني اﻻحتمالين أساسه الفشل في حدوث هكذا تحول، مما يفرض بصورة بديهية التوجه نحو إنشاء تيار جديد للمعارضة وفق أسس جديدة، تقوم على احتياجات الحياة السورية وشروطها الراهنة والمستقبلية، وهذا هو اﻷرجح في احتمال تجاوز مشكلة المعارضة السورية.
مشكلة المعارضة في سوريا!... فايز سارة
الشرق الاوسط
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية