أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الثوار السوريون يتقدمون تحت حماية المقاتلين


في جنازة أحد الضحايا الذين يزيد عددهم على 5400 شخص ممن فقدوا حياتهم جراء أعمال العنف، تولى أفراد من »الجيش السوري الحر«، المعارض للنظام، المراقبة من خﻼل أفراده الملثمين الذين يقفون في محيط أحد الميادين حاملين بنادق وقاذفات قنابل، بينما يسير آﻻف المتظاهرين خلف نعش مكسو بعلم المعارضة ذي اﻷلوان: اﻷخضر واﻷبيض واﻷسود، ﻻ العلم السوري. وكذلك كان يتم القبض على اﻷشخاص المشكوك في كونهم عمﻼء ﻷمن النظام. وتشير أعمال العنف المتصاعدة وثقة القوة العسكرية غير المنظمة بالشكل الكافي إلى الدور المتنامي الذي يلعبه المقاتلون في حركة بدأت سلمية قبل 10 أشهر، لكنها تجذب كل يوم المزيد من المنشقين من الجيش السوري. وبعد أشهر من مواجهة تنكيل النظام بالمعارضة، رحب الكثير من المتظاهرين بالمقاتلين باعتبارهم جدار صد يحميهم من قوات اﻷمن الموالية للرئيس السوري، بشار اﻷسد.


وتتخذ قيادة »الجيش السوري الحر« مقرها على حدود تركيا. ومن غير الواضح ما إذا كانت تتمتع بقدرة تنظيمية وسلطة على الجماعات المسلحة المحلية في سوريا. ويوضح المشهد في ميدان سقبا دعم مجندين في الجيش وآخرين، يأتي ضمنهم طيارون قدامى لبعض قيادات المسلحين. وفي بعض اﻷماكن يشارك سكان محليون في الجماعات المسلحة، بينما في أماكن أخرى مثل سقبا، يأتي الكثير من المنشقين من أماكن أخرى وهم ضيوف مرحب بهم، وإن كانوا غامضين.


وقال رأفت عبيد، البالغ من العمر 37 عاما وأحد المتظاهرين: »ﻻ نعرف من قادتهم، لكننا نعرف أنهم يحموننا«. وأدى تزايد عدد الثوار المسلحين وعزم النظام على اﻻستمرار في التنكيل إلى تصاعد وتيرة العنف. وأقر رئيس بعثة مراقبي جامعة الدول العربية يوم أمس أن عمليات القتل ازدادت رغم وجود البعثة. وحذر رئيس البعثة، الفريق أول محمد أحمد الدابي، من السودان، في تصريح من تزايد وتيرة العنف خﻼل اﻷيام الـ3 الماضية، وأكد أن هذا يهدد المفاوضات الرامية إلى إنهاء الصراع. وكانت هناك بضعة معاقل للمعارضة السورية آمنة يوم أمس في ظل انتشار أعمال العنف التي يرتكبها النظام في أنحاء البﻼد.

 وتعرضت شوارع حمص وحماه وإدلب إلى القصف ونيران القناصة، واختنقت من جراء المواجهات مع النشطاء المعارضين. ويمثل »الجيش السوري الحر« تهديدا كبيرا للنظام، فقد انتشر الثوار في أنحاء البﻼد مؤسسين جماعات مسلحة تبدو قادرة على التنظيم على المستوى المحلي. ويقول خالد أبو صالح، المتحدث باسم مجلس الثورة في حمص، إن كتائب »الجيش السوري الحر« في المدينة استجابت إلى قادة الحي الذين يتولون مهمة التنسيق مع جنود من أماكن أخرى من البﻼد. ويأتي ضمن هؤﻻء اﻷفراد مهندسون متخصصون في المتفجرات وكذلك مدنيون، غالبا ما يكون مطلوب القبض عليهم من قبل النظام. ويؤكد أن صفوفهم تتزايد. وأضاف: »في كل مرة يحضرون قوات جديدة إلى هنا، بعضهم من المنشق.«ني
وأعرب بعض السكان في حمص، ومنهم مسيحيون وعلويون، في مقابﻼت أجريت اﻷسبوع الماضي عن مخاوفهم من تشكيل السلفيين جماعات مسلحة لنشر العنف. توضح تلك المخاوف، التي رآها البعض مبالغا فيها وتجاهلوا قلقا مماثﻼ من قبل السنة. كما تنامى قلق النشطاء العلمانيين من إضفاء بعد طائفي على الثورة في ظل حدوث صراعات ومشاركة اﻹسﻼميين في بعض الجماعات المسلحة. وقال أحد النشطاء اليساريين في حمص، في إشارة إلى هذا القلق، إنه يضغط على رفاقه من النشطاء من أجل التخلي عن الحركة المسلحة واﻻلتزام بسلمية المظاهرات.


وظهرت التوترات اﻷسبوع الحالي بين النشطاء اﻹسﻼميين والعلمانيين، حيث كان اﻹسﻼميون يدفعون باتجاه تسمية مظاهرات الجمعة »الجهاد«، بينما يدفع نشطاء آخرون إلى تسميتها »حق الدفاع عن النفس«، وكسب النشطاء العلمانيون تلك الجولة. وقال رامي، أحد قياديي المظاهرات في دمشق: »الثورة السورية ليست جهادا ضد الكفار، بل هي ثورة ضد نظام مستبد، لذا فإن هناك متظاهرين من العلويين والمسيحيين والدروز والطوائف اﻷخرى«.


وفي سقبا، اتفق قائد »الجيش السوري الحر« مع هذا الطرح، حيث يقول إن المقاتلين في المدينة تجاوزوا انتماءاتهم الطائفية، حيث أوضح قائﻼ: »لي زميﻼن عزيزان هما جورج وجوزيف«. لقد هربوا من قواعد الجيش السوري في مختلف أنحاء البﻼد، ويقول الكثيرون إنهم هربوا بعد أن صدرت إليهم أوامر بإطﻼق النار على المتظاهرين. وطلب رجال من سقبا قبولهم في صفوفهم، وغالبا ما يكون ذلك بدافع اﻻنتقام بعد مقتل أحد أقاربهم. وتبدو المعارضة على وشك مواجهة عدو محاصر.


ومن جهة أخرى كثفت الدول العربية والغربية جهودها على مدى اﻷسبوع الماضي من أجل فرض العزلة على نظام اﻷسد ومطالبته بتسليم السلطة. وقدمت المغرب في اﻷمم المتحدة يوم الجمعة مشروع قرار لمجلس اﻷمن يتوافق مع موقف جامعة الدول العربية الذي يطالب اﻷسد بتسليم السلطة من أجل تمهيد الطريق لتشكيل حكومة وحدة وطنية. وعارضت روسيا وسوريا هذا المشروع، حيث يلوح بفرض عقوبات وحظر على دخول السﻼح وما وصفه اﻷسد بمحاولة فرض الحل من الخارج. وقال بشار الجعفري، السفير السوري لدى اﻷمم المتحدة: »إنهم يتعاملون معنا وكأننا قوة استعمارية قديمة ينبغي أن تخضع ﻹرادتهم. سوريا لن تكون مثل ليبيا وﻻ العراق وﻻ الصومال. لن تكون سوريا دولة فاشلة«.


عوضا عن ذلك، وعد النظام بتوجيه ضربة »حاسمة« ضد المسلحين، مثل المنشقين عن الجيش السوري في سقبا، الذين وصفهم بالوجه الحقيقي للمعارضة التي قال عنها إنها إرهابية. وجدت الرسالة آذانا متعاطفة تتلقاها، ليس من بين القاعدة العريضة من مؤيدي اﻷسد، بل بين السوريين الذين يخشون أن يؤدي الصراع المسلح إلى تقويض استقرار البﻼد. خﻼل اﻷيام القليلة الماضية، ذهبت قوات اﻷمن إلى مدينة دوما، التي تبعد 10 أميال عن دمشق، من أجل استعادة السيطرة على اﻷحياء التي تخلوا عنها للمسلحين. وكذلك فعلوا في حماه، حيث تم العثور على جثث عدد كبير من السجناء الذين تم إعدامهم.


وفي مؤشر آخر على احتمال تصاعد وتيرة الصراع، تم تداول أنباء غير مؤكدة يوم أول من أمس حول تنظيم مظاهرات حاشدة في حلب، ثاني أكبر مدينة في سوريا وإحدى مراكز التجارة، التي ظلت هادئة لفترة طويلة. وقال نشطاء إنه تم قتل 9 على اﻷقل في هجوم ﻷفراد من قوات أمن بلباس مدني على المظاهرات. وشهدت حمص أكثر المعارك دموية، حيث قال النشطاء إنه تم قتل 40 شخصا على اﻷقل من بينهم أطفال، في صراعات طائفية وقصف من قبل قوات النظام يوم الخميس الماضي.


وتزداد مواجهة المعارضة للعنف بالعنف. وحذرت شخصيات من المعارضة من توجه الثورة الجديد، حيث هاجمت بعض الجماعات المسلحة قوات اﻷمن وأشخاصا يُنظر إليهم باعتبارهم مؤيدين. أما في حلب، كان ضباط من »الجيش السوري الحر« وراء اغتيال رجل أعمال مؤخرا يقال إنه من أهم ممولي »الشبيحة«، على حد قول عمار العﻼوي، ضابط في »الجيش السوري الحر« في تركيا. وأوضح أن الجماعة المسلحة تحذر مؤيدي النظام منذ أشهر، داعية إياهم إلى العودة إلى كنف الشعب. وقال: »ﻻ يوجد خيار آخر حاليا«.


وقال أحد أفراد »الجيش السوري الحر«، الذي عرف نفسه بأنه المﻼزم سيف، إن 35 جنديا من »الجيش السوري« هم من وراء اﻻنفجار الذي استهدف نقطة تفتيش بالقرب من إدلب، أول من أمس، الذي أسفر عن مقتل فردين من أفراد قوات اﻷمن التابعة للنظام. وقال متحدثا عن دوره في الهجوم: »أحمد اﷲ على نعمه، حيث لم يصب أي فرد من أفراد جيشنا، بينما قُتل كل أفراد اﻷمن الموجودين في نقطة التفتيش«.
لم تكن مدينة سقبا نفسها بمنأى عن الدمار، حيث كانت مدفونة تحت ركام مجمعات سكنية منهارة، وتصدى المقاتلون لهجمات القناصة والدبابات خﻼل اﻷسابيع القليلة الماضية. كذلك تم قصف المدينة بقذائف
»الهاون« على حد قولهم. في وقت من اﻷوقات كانت هناك حالة من الفرار الجماعي بعد انتشار شائعات عن شن هجوم من قبل النظام.


شعر أكثر السكان بالراحة في الميدان، حيث كانوا يتحدثون عن العنف الذي شهدته البﻼد خﻼل اﻷشهر الماضية، وأكدوا مقتل ما يزيد على 30 شخصا من السكان المحليين. وقال جمال عطية في إشارة إلى المقاتلين: »لم أشعر يوما بأنني لست في منزلي وفي وطني، لم يكن للمظاهرات أن تستمر لوﻻهم«، بينما يمر اﻵﻻف من المتظاهرين أمامه.


* شاركت هويدا سعد وصحافي في »نيويورك تايمز« في إعداد التقرير من دمشق، وآخر من بيروت، ونيل ماك فاركوهار من اﻷمم المتحدة.

الشرق الأوسط - خدمة نيويورك تايمز
(167)    هل أعجبتك المقالة (179)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي