القضايا الاجتماعية المتخلفة والظواهر السلبية تحتاج لجرأة في التصدي وشجاعة في المواجهة لأنها دائما تقوم على قلب الطاولة وحرق ما يمكن حرقه من هذا الكم الهائل من التخلف القابع في مجتمعنا وذلك في وصفه وتحليله ومن ثم الاعتراف بالمشكلة كخطوة أولى باتجاه الحل .
إذن فنحن بحاجة دائما إلى جرأة صادق جلال العظم الذي حوكم من أجل كتابه "نقد الفكر الديني" وتعلم الشجاعة من نوال السعدواي الذي هُدر دمها على عدد كتبها التي تناولت فيها التخلف الذي يحيط مفهوم الأنثى في الشرق .
والنقّ والمقت هما مظهران حري بنا التصدي لهما في وقت لابد من التذكير أن الحالة الفردية في المعالجة هنا مرفوضة لأننا نتناول مفاهيم وظواهر لا عن أشخاص بعينهم . في محاولة لقراءة ما يمكن أن نسميه بدوافع هاتين الحالتين .
فالنقّ يا أصدقاء صفة أو عادة قد تعاكس في بعض الأحيان النعمة فلايمكن تخيل امرأة مسنة أو رجل ورع يبتهل ويشكر في بيوت الله وفي الخارج لا يدع فرصة للندب والنقّ تفوته وتصوير حاله انه الأسوأ وحمله الأثقل وانه جبار بوقوفه صامدا على قدميه حتى الآن . في الوظيفة وفي المقاهي حتى أثناء المشي تخرج أنت وأحدهم لتشرب سيجارة فينتهي الباكيت ولا ينتهي صاحبك من عرض مآسيه ولا يترك لك مساحة صغيرة حتى لتهز راسك موافقا .
هناك نوع من النقاقين أصبح عنده النقّ كوجهة نظر فهو يفضل ذلك على أي شي أخر مثلما تفضل الأم أن تقول أن ابنها الطالب لا يحضّر جيدا للامتحان حتى يقولون عنه لو نجح بأنه شديد الذكاء لأنه حصل على ذلك بأقل جهد في حين يكون هو يأكل الكتب ويشرب المحفوظات .
النقّ هو جزء وباب مهم من ثقافة الثرثرة التي يتمتع مجتمعنا بمكانة مرموقة بين الأمم فيهلا وهو أي النق ليس معاكسا للقناعة وهو بالتأكيد ليس مرادفا للشكوى والألم لأنك تستطيع أن تكون شاكيا ومتألما بطرق عديدة كالصمت أو الرسم أو من خلال أغنية أو في بيت من الشعر وبالتالي تستطيع أن تجعل من حزنك حزنا منتجا وتستغل الحجارة المرمية عليك في بناء جدران بيتك . فنحن حين نرفض القناعة الرضا فهذا لا يعني أننا ناكرين للنعمة بل محفزين دائما في كل يوم جديد للصعود والسير كل إلى مبتغاه نحمد الله ونسير لا نحمده ونقف ونقول القناعة كنز لا يفنى ، فالوقت عند القانعين كالسيف صحيح سلاح قديم لم يعد يستعمل .
بالنسبة للمقت والحزن المجاني فهو طبع مكتسب خلقته أجواء نهاية القرن الماضي وساهمت بنشره ثقافة الهزيمة وحب الانكسار وتعذيب الذات من سماع أغاني الحزن والجروح والبحث دائما عن حب يعذبنا ويظهرنا بمظهر المظلومين حتى وقت متأخر من شبابنا كنا نعتقد بان الحب الحقيقي هو الحب من طرف واحد. وكنا نحب الأغاني التي فيها تعذيب وجلد للذات وظهورنا بمظهر الضعفاء الخانعين المتعرضين دوما للخيانة ونبدأ نستخدم طقوس ونتبع أساليب تقدمنا بمظهر السواد ويصبح شعارنا ( دايما دموع ) .
ملاحظة :لاحظتها
لا أذكر في أي حارة قرأت على واجهة أحد محلات تسجيل الأغاني عبارة : ليس لدينا هاني شاكر " في إشارة واضحة من صاحب هذا المحل على عدم رغبته في استقبال هذا النوع من الزبائن أصحاب الحزن وميلاد الجروح ولزقات الجروح .
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية