أكّد مدير قناة «العرب» الإخبارية جمال خاشقجي «أنّ الأمل الآن هو في حصول تغيير من داخل سوريا». ولم يستبعد الكاتب والصحافي السعودي حدوث تدخّل عسكريّ سعودي ـ أردني ـ تركي في غضون شهرين «في حال انسدّت كلّ أبواب الحلول»، واعتبر «أنّ الجيش السوري مُنهَك ولن يستطيع الصمود».
وهنا نصّ الحوار:
• شكّلت مقرّرات مجلس وزراء الخارجيّة العرب الأخيرة منعطفاً حاسماً في الأزمة السوريّة، خصوصاً لناحية دعوة الرئيس السوري بشّار الأسد إلى التنازل عن صلاحيّاته لنائبه فاروق الشرع، فهل بذلك تمّ نزع الشرعية العربية نهائيّاً عن حكم الرئيس بشّار الأسد؟
ـ هذه مسألة واضحة، فعندما تدعو جامعة الدول العربية الى تنحّي الرئيس فهذا يعني أنّ هناك خللاً واضحا في شرعيته. وعندما يلتقي وزير خارجية دولة مهمّة كالسعودية برئيس وأعضاء المجلس الوطني السوري المعارض الذي يدعو الى تغيير النظام بكامله في سوريا ففي ذلك إشارة من دولة كالسعودية بالإضافة الى الجامعة العربية إلى أنّ شرعية هذا النظام تحتضر. مبادرة الجامعة العربية لا تلغي شرعية النظام السوري بل، تدعوه الى الانفتاح على المعارضة وتشكيل حكومة انتقالية وانتخابات رئاسية شبيهة بالحلّ اليمني، ومؤسّسات الدولة ستبقى ثابتة، ليس كما حصل في ليبيا، ولكنّها تتغيّر الى أن تنتهي بحصول انتخابات وتبقى الدولة السوريّة بمؤسّساتها وتشريعاتها قائمة كما حصل في مصر واليمن. طبعاً الحكومة الانتقالية تقوم بتعديلات لمواءمة متطلّبات الواقع، وفي اختصار، نعم شرعيّة النظام السوري باتت محلّ نظر، وبمرور الوقت سنشهد كثيراً من الانتقاصات في تلك الشرعيّة.
• هل ستعترف السعودية بالمجلس الوطني السوري؟
ـ لا أعتقد ذلك بحُكم معرفتي عقليّة الدبلوماسية السعودية الدقيقة عند الاعتراف بشرعية أيّ نظام بديل، المجلس الوطني حتى الآن هو معارضة، واجتماع الأمير سعود الفيصل معهم هو اعتراف بهم لكنّه ليس اعترافاً بأنّهم الممثل الشرعي للشعب السوري، يمكن أن يحصل شيء آخر، وطالما من المبكر الاعتراف بالمجلس الوطني ممثلاً شرعيّاً فإنّ هذا لن يزيد ولن ينقص من الوضع على الأرض، فعندما يتغيّر النظام يتمّ تشكيل هيئة انتقالية، عندها تعترف بها السعودية.
روسيا وعداوة العرب
• الموقف السعودي كان سبّاقاً، فالرياض أوّل مَن سحب المراقبين من سوريا، ما هي الأسباب التي أدّت إلى وصول العلاقات بين الرياض ودمشق إلى هذا المستوى؟
ـ الواضح أنّ العلاقة انتهت مع النظام السوري، ولا وجود لأيّ خطّ عودة الى الوراء، وهناك اقتناع تشكّل في الرياض بأنّ هذا النظام انتهى، وأنّ عليها الاستعداد لهذا الموضوع، وبالتالي سنشهد دعماً للمعارضة السوريّة لاستصدار قرارات من مجلس الأمن تشمل مزيداً من العقوبات، أو قرارٍ تحت الفصل السابع (من ميثاق الأمم المتّحدة)، عِلماً بوجود صعوبات متعلقة بالموقف الروسي الذي يضرّ بروسيا وعلاقاتها بكلّ العرب. العالم العربي القديم الذي يعتبر أنّ أميركا هي العدوّ قد انتهى اليوم، وأعتقدُ أنّ روسيا في حال تمسّكها بموقفها في ظلّ العالم العربي الجديد، ستكون هي العدوّ للجماهير العربية بسبب مواقفها الغريبة، وعلى موسكو بالتالي دعم أيّ قرار أممي يؤدّي الى إنهاء الأزمة السورية حسبما يطالب الشعب السوري.
تغيير موقف الصين
• هل هناك أيّ محادثات سعودية ـ روسيّة في خصوص الأزمة السوريّة؟
ـ قبل أسبوعين أو ثلاثة نجحت السعودية في خلال زيارة رئيس الوزراء الصيني للرياض في تغيير الموقف الصيني من سوريا، ويبدو أنّ الصينيّين اقتربوا من وجهة النظر السعودية، وهم مستعدّون لتأييد قرار في مجلس الأمن، لأنّ هناك قناعة دوليّة تتزايد بأنّ استمرار الأزمة السوريّة على هذا النحو سيؤدّي الى اقتتال داخلي، وحتى قد تصل الى حدود حروب إقليمية، وبالتالي يجب دعم عملية التغيير من الداخل السوري وفي أقرب وقت ممكن لكي لا تمتدّ النار السورية الى المنطقة، ويبدو أنّ الصين اقتنعت بذلك. أمّا مع الروس فلم أسمع بأيّ شيء جديد، لكنّ معلوماتي أنّ هناك عملاً دؤوباً يقوم به الأميركيون والفرنسيون من أجل إحداث التغيير في الموقف الروسي الحالي من الأزمة السوريّة.
• حسب معلوماتكم، هل تمّ التنسيق مُسبَقاً مع نائب الرئيس السوري فاروق الشرع قبل طرح القرارات العربيّة؟
ـ لا أعتقد، لأنّ النظام واحد، والمسألة مَحض إجرائيّة، الذين صاغوا هذا الإجراء كانت أمامهم الطريقة اليمنية وأرادوا أن يعطوا النظام في الداخل السوري فرصته لكي يتحمّل المسؤولية. قُدِّم له هذا الاقتراح بأن يختار فاروق الشرع نائب الرئيس أو مَن قد يتّفق عليه لكي يقود عملية التغيير.
إنقلاب أو أيّ شيء
• في حال امتنع النظام السوري عن قبول المبادرة العربية، وهذا هو المرجَّح، ما هي الخطوات المستقبلية في رأيكم؟ وما هي وسائل الضغط الممكنة؟
ـ في حال امتناعه، وهو قد امتنع أساساً، لا بدّ لمجلس الأمن من أن يضع يده قبل اتّخاذ أيّ إجراء قد يضع حدّاً لهذه المأساة، أعتقد أيضاً أنّ الجميع يتمنّى أن يحصل شيء ما داخل سوريا، العرب والعالم يفضّلون عدم التدخّل، لذلك يتمنّى الجميع ان يحصل تغيير من الداخل، وربّما هذه الإشارات التي ترسلها الجامعة العربية والسعودية قد تدفع النظام إلى إحداث هذا التغيير.
• تتحدّث عن انقلاب؟
ـ أيّ شيء، إنقلاب أو غير ذلك يؤدّي إلى إنهاء المأساة السوريّة ويريح العالم إلى أن هذه النار لن تستعر ولن تمتد. اذا سعت تركيا او غيرها الى إقامة ممرّات آمنة او مناطق عازلة فسيؤدّي ذلك الى عمل عسكري، كذلك لو سعت الدول الى إقامة حظر جوّي سيؤدّي الى الاصطدام العسكري، الذي لا أحد يعلم الى أيّ حدود قد يصل.
الحلّ العسكري ممكن
• ولكن هل هذا العمل العسكري بغطاء مجلس الأمن ممكن في ظلّ الممانعة الروسيّة؟
ـ أنا لا أستبعد أن تلجأ بعض دول المنطقة (إلى عمل ما) من دون غطاء دولي، وهم طبعاً يفضّلون الغطاء الدولي، لكن تحت عنوان "لنقطف التفاحة السورية قبل أن تتعفّن" ولاحظت أنّ المسألة تطرح بتزايد واضح، وكلّما انتظرنا ازداد الوضع سوءاً، فالنظام سيسقط في نهاية الأمر، ولكن الوضع يكون قد اهترأ إلى حدّ تتجزّأ فيه سوريا وتتقسّم وفق خطوط مذهبية، كحمص الغربية وحمص الشرقية، وهذا كلّه بدأ يحصل، فعلى الأرض هناك مناطق من حمص في يد "الجيش الحر" ومناطق أخرى في يد النظام، والتقسيم يتّخذ أشكالاً طائفيّة للأسف، أملنا في تدخّل ينهي المأساة، وكلّما انتظرنا ازداد الوضع سوءاً، فبالتالي أحد الخبراء الاستراتيجيّين يحاول أن يوازن ما بين تكلفة الانتظار وتكلفة التدخّل المباشر، ولعلّ في النهاية تغلب فكرة أنّ تكلفة التدخّل الآن قد تكون أقلّ من تكلفة الانتظار.
الخيارات كلّها صعبة
• إنطلاقاً ممّا تقول هل هناك موعد زمنيّ أو حدّ زمني لدى الدول التي تتكلّم عنها للتدخّل المباشر في الأزمة السوريّة؟
ـ لا أعتقد ذلك، لا أحد في إمكانه التكهّن بالموعد الدقيق، في رأيي أنّ هناك مسألتين يمكن أن تحرّكا الأحداث، الأولى أن يستخدم النظام السوري تقرير المراقبين العرب لتصعيد العنف، ونلاحظ في الأيّام الماضية كيف تمّ تصعيد العنف، وعندما تصل الأخبار عن ارتفاع حصيلة الضحايا سيخجل العالم ويتحرّك بسرعة، فبمقدار استخدام القوّة سيتضرّر النظام. وأعتقد أنّ النظام عمّم أوامره على وحداته المنتشرة على الأرض بأن لا يتخطّى عدد القتلى حدوداً معيّنة يوميّاً. النظام السوري يملك إمكانية تدمير حمص على من فيها، ولكنّه يخشى من ردّ فعل العالم، وأمامه حوادث البوسنة، وهو يخشى من حصول أيّ مذبحة لأنّها ستؤدّي بالتأكيد الى تدخّل عالمي سريع.
المسألة الثانية هي التحرّكات الحاصلة حاليّاً، وبعد استنفاد كلّ وسائل الدول العربية والعالمية، أي بعد صدور قرارات أمميّة وما شابه، ستجد هذه الدول أنّها وصلت الى حائط مسدود، وذلك سيولّد ضغطاً عليها، ربّما بعد شهرين من اليوم، وبعد عودة وفد الجامعة من نيويورك، وبعد صدور قرار يوافق عليه الروس، وعلى رغم من كلّ ذلك يستمرّ العنف والقتل على يد النظام، عندها لا بدّ من أن يجتمعوا من جديد ويتّخذوا قراراً بالتدخّل، وبعد أن ييأس مَن يراهن على انشقاق أو تغيير داخلي، وأنّ الفرز حصل بين المعارضة والدولة، وهنا يمكن النظام أن يبقى في حالة الحرب هذه سنوات عدّة، وهذه مكلفة جدّاً للمنطقة، مكلفة للسعودية، لتركيا، للاقتصاد، وتفتح الباب للنزاع مع إيران، وحينها سيلجأون الى آخر الدواء وهو الكَيّ. ويجب ان لا ننسى أنّ الجيش السوري مُنهَك حاليّاً، فهو منتشر من القامشلي الى اللاذقية الى درعا، وبالتالي لن يستطيع الجيش السوري المنهك مواجهة أيّ قوات تدخّل الى سوريا، أكانت أردنيّة أو تركيّة أو سعودية أو غيرها، كما أنّ الشعب لن يقف مع الجيش، وما إن يرى الشعب قوّات أردنية أو تركية سيرحّب بها، وهذا يرتّب أن يقصف الجيش السوري المناطق المحرّرة ولكنّه سينهزم في النهاية. الاستراتيجي الأردني، السعودي، التركي يعلم بتكلفة هذا التدخّل، وحتى لو تحقّق النصر في غضون أسبوع أو أسبوعين لكنّه سيكون مكلفاً، واضح أنّ هذا النظام سيحارب حتى الرمق الأخير، ما سيؤدّي الى تعمّق الانقسامات في المجتمع السوري.الخيارات كلّها صعبة، والأمل أن يحصل شيء من الداخل وينهي هذه المأساة.
إخراج إيران من سوريا
• ألن تتدخّل إيران في حال تمّ الدخول عسكريّاً إلى سوريا؟
ـ السعودية في حرب هادئة مسكوت عنها مع إيران، هذه الحرب جبهاتها ثلاث: تجميد حظر تصدير النفط الإيراني ومحاصرة البنك المركزي الإيراني وهذه السياسات بدأت تؤتي ثمارها، إذ إنّ التومان الإيراني منهار في شكل غير طبيعي، فهناك ضغط هائل في الداخل الإيراني. والجبهة الثالثة هي سوريا التي يبدو أنّها دخلت في هذا المشروع الضخم وهو تغيير النظام في طهران أو تعديله، حصول أحد الأمرين، يعني أنّ سوريا أصبحت إحدى أدوات هذه الحرب، وربّما هذا ما يفسّر الموقف السعودي الأخير. إذاً السعودية حسمت أمرها وأدركت أنّ ثمّة فائدة غير المصلحة والمسؤولية الأخلاقية تجاه الشعب السوري، فهناك فائدة تنعكس بإخراج إيران من سوريا وأيضا ان يكون لسقوط النظام السوري وقع في طهران مثل خبر تحرير باريس من هتلر، وهذا ربّما يؤدّي الى تحريك الأوضاع في طهران ودفع النظام الى الاعتدال حتى يتحوّل نظاماً أليفا نستطيع جميعا ان نعيش معه أو نظاماً إيجابيّا وجاراً وصديقاً مثل النظام التركي.
الجمهورية
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية