'حتى فحص البول يأخذ نصف ساعة'، فكيف تعلن الحكومة السورية أن من يهاجم الأهداف الأمنية والمدنية هي القاعدة؟
محمد اللمداني
بدأت منذ بعض الوقت عمليات تفجيرية ضد أهداف محددة في سوريا، وقد قالت آلة النظام الإعلامية: "إن هناك مجموعات إرهابية تنتمي للقاعدة هي من قامت بهذا العمل الذي وصفته بالإرهابي". لم يمضِ وقت طويل، حتى قامت المعارضة السورية وأعلنت أن النظام السوري وآلته التدميرية من الشبيحة والأمن هم من قام بالتفجيرات.
من البديهي أن يكون هناك اتهام متبادل بين الطرفين، ولكن الحقائق ستكشف غمن هو وراء هذه التفجيرات؟
قبل عدة أسابيع صرح وزير الدفاع اللبناني "أن جزءاً من منطقة البقاع اللبناني قد تم اختراقه من قبل مجموعات مسلحة تتبع للقاعدة".
بعد هذا التصريح بعدة أيام، وافق النظام السوري على دخول بعثة من المراقبين العرب إلى سوريا. وما إن وصلت البعثة، حتى تم الإعلان عن مقتل العشرات وجرح المئات جراء عملية انتحارية جرت بالقرب من مركز للمخابرات في منطقة كفرسوسة المعروف عنها بأنها قلعة أمنية.
الغريب في الأمر أنه في نفس المكان وقبل عدة سنوات، تم اغتيال عماد مغنية المسؤول العسكري في حزب الله اللبناني، والمعروف عنه بأنه مطلوب للأميركيين وللإسرائيليين منذ سنوات طويلة بسبب نشاطه ضدهم.
طبعا كالعادة.. فور الإعلان عن مقتل "الحاج رضوان" وهو الاسم الحركي لعماد مغنية، تم توجيه الاتهام لإسرائيل.
إذا كانت إسرائيل قادرة على الوصول إلى القلعة الأمنية في كفرسوسة، فهذا يعني أنها قادرة على الوصول إلى أي مكان في سوريا، وإذا كان من قام بالتفجيرات الأخيرة هو من جماعة القاعدة فهذا يعني أن هذه الأخيرة قادرة على قلب النظام والفتك به بأسرع وقت ممكن.
وإذا كان هذا الاتهام صحيحا ضد القاعدة، فأين الـ 15 جهازا أمنياً الذي يحكم سوريا، وأين عشرات الآلاف من رجال الأمن الذين يحرسون كل مكان وكل شخص، فكيف غاب عن هؤلاء جميعا تواجد جماعة القاعدة في سوريا.
ولماذا قامت القاعدة بتفجيرها مع قدوم المراقبين العرب؟ هل هي غبية لهذه الدرجة حتى تُوجه أصابع الاتهام لها بكل بساطة، أم هي غلطة الشاطر؟
الغريب في الأمر أن اتهام القاعدة جاء بعد 15 دقيقة من التفجير، وكما قال أحدهم "إن تحليل البول يحتاج إلى نصف ساعة"، أم أن النظام اعتاد على تلبيس التهم لم يريد دون أي سند؟
الأشد غرابة، أن التفجير الانتحاري الثاني جرى في منطقة "الميدان" وهذه المنطقة معروف عنها أنها وقود الثورة السورية في دمشق، وأن التفجير جاء مع "جمعة التدويل" وهي الجمعة التي تطالب بالمجتمع الدولي أن يأتي لحماية الشعب السوري من القتل.
عندما قام الشعب السوري بالمظاهرات قبل عشرة أشهر، جاء خطاب الرئيس السوري موجها إلى أن هناك مؤامرة خارجية، وتطورت هذه المؤامرة بشكل كبير لتشمل ما أسماه النظام الجماعات السلفية الإرهابية، وأخيرا تم تحديد العدو باسم القاعدة.
إذا، الحصيلة النهائية للنظام السوري، هي أن تنظيم القاعدة هومن يقوم بالعمليات الإرهابية ضد النظام، وأن هذه الجماعات الإرهابية يصل أعدادها إلى عشرات الآلاف، فهي وراء المظاهرات في حمص، اللاذقية، حلب، إدلب، جسر الشغور، درعا، السويداء..الخ.. فإذا تقريبا غالبية الشعب السوري هو من الجماعات الإرهابية.
طبعا، عقد وزير خارجية سوريا وليد المعلم مؤتمره الصحفي، واتهم الجماعات الإرهابية، وتبين أن الجماعات المتهمة هي "موجودة في طرابلس في لبنان". كما ذكرنا تهم جاهزة، واستغباء قاتل للشعب السوري.
حتى الرئيس السوري بشار الأسد أنكر في حواره مع القناة الأميركية أن يعرف القاشوش. وهذا الأخير هو مواطن سوري من حماة، سُمي ببلبل الثورة، اعتقلته قوات الأمن السوري واقتلعت حنجرته بعد أن غنى أغنية ينتقد فيها بشار الأسد ونظامه وعائلته.
بعد كل ما تقدم، علينا أن نتساءل "منْ يقتل منْ". من المؤكد حسب وجهة نظر النظام أن القتلة هم من القاعدة، وهو تنظيم متشدد عالمي، تُقر الولايات المتحدة الأميركية أنه عمليا انتهى بعد مقتل زعيمه أسامة بن لادن، لكن بالنسبة للنظام السوري سيبقى هذا التنظيم هو المسؤول عن كل القتل في سوريا كالقنص، والتفجيرات عن بعد، وقصف الأحياء وتعذيب الأطفال، وخطف المحجبات وقتل النساء إلى آخره من قائمة الأحداث في الثورة السورية، وستبقى مسؤوليته لحين خروج تنظيم جديد على شاكلة جند الشام وفتح الإسلام، فكلمة الإسلام ضرورية لكي يتم الحصول على الدعم الغربي وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية أن هذه الجماعات هي إرهابية.
المعارضة السورية تبقى ضعيفة لأنها مغيبة عن الساحة منذ وقت طويل، وأنها رهينة بنشطاء الداخل الذين يزودنها بالمعلومات، وكما كتبت سابقا، فإنه لا يُستبعد أن تكون المعارضة السورية نفسها مُخترقة بدليل وجود عدة جهات تقول عن نفسها أن تمثل الثورة السورية، حتى أن رفعت الأسد المسؤول عن مجزرة حماة تجرأ وأسس مجموعة تقول أنها تُمثل الثورة السورية.
إن الطرف الأقوى في المعادلة هو حزب البعث وآلة القتل وهي أجهزة الأمن السورية، فهم يمتلكون مقومات الاستمرارية من مال وإعلام وسلاح ورجال، فلذلك كل شيء سيبقى على ما هوعليه، لحين تجرؤ أشخاص هامون في الأمن والجيش على قول الحقيقة والانشقاق عن النظام.
ولحين ذلك الوقت سيبقى السؤال من يقتل من؟ رغم أن الحقيقة واضحة أن النظام السوري هو من يقتل شعبه.
صحفي وكاتب - كندا
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية