أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

سوريا: خلف جدار الخوف، دولة في حالة انهيار بطيء ...إيان بلاك


كانا يحتسيان الشاي في أحد مقاهي دمشق العبقة بالدخان, و قد كان كل من عدنان و ريما يبدوان شخصين عاديين بما فيه الكفاية: غير منزعجين و يمضيان يوما في نهايته في أحد أكثر المدن توترا في العالم.

و لكن كحال الكثير من غيرهم في العاصمة السورية, فهما لا يبدوان على حقيقتهما للوهلة الأولى: في الوضع الطبيعي هو مهندس حاسوب و هي محامية, و الآن, هما ناشطان يعملان بالسر للمساعدة في تنظيم الانتفاضة ضد الرئيس بشار الأسد.

إنه عمل خطر. خلال الأشهر العشرة الماضية قتل آلاف من السوريين – لربما ضعف العدد الذي تقدمه الأمم المتحدة و الذي يقدر ب 5000- و ذلك مع قيام الأسد بالقمع عديم الرحمة و الذي لا يظهر له أي نهاية. و لكن معارضيه هم الآخرون مصرون في المضي إلى النهاية.

إن كلا من عدنان و ريما غير قادرين على العمل أو الاتصال مع عائلاتهم. إن لديهم هويات مزيفة. إن عدنان يغير من مظهره بشكل مستمر. لقد قام للتو بحلاقة لحيته. الأمر يعمل بشكل جيد؛ إن أحد أصدقائه الذين يجلسون بقربه لم يتعرف عليه.

إن معظم أصدقائه يعملون على الهرب من المخابرات. يقول عدنان "لقد اعتدنا أن يكون الأمر مرعبا, و لكننا اعتدنا عليه". لقد حطمت الثورة جدار الخوف. في المدرسة, كنا مجبرين على محبة الرئيس – حافظ- أولا. و لم تتحسن الأمور عندما استلم بشار الحكم. الآن, كل شيء تغير. لقد شوهت صور الأسد في كل مكان و نحن متأكدون بأننا في لحظة ما سوف ننجح في الإطاحة بالنظام".

في ظاهرها, دمشق هادئة. إن خطوط المواجهة الأكثر دموية للثورة موجودة في حمص و حماة و إدلب و درعا, و لكن مظاهر الحالة الطبيعية في العاصمة خداعة. في الواقع فإن مظاهر الخوف و الغضب تقبع مباشرة تحت السطح.

 

وقد قال أحد الأشخاص القياديين للجارديان "إن دمشق حاسمة لبقاء الأسد, و لن يسمحوا أبدا بوجود ميدان التحرير هنا. إذا سقطت دمشق, فكل شيء يكون قد انتهى".

إن مظاهرات عارمة تنظم من قبل التنسيقيات , و هي لجان تنسيق محلية تعقد غالبا في المساء في العديد من الضواحي, و دائما يوم الجمعة. حتى في المركز, فإن المظاهرات الطيارة تستغرق عدة دقائق و من ثم تختفي قبل أن تأتي قوات الأمن, و أسوأها ما يطلق عليه الشبيحة و هم يرتدون زي الجيش و سترات جلدية سوداء و يرابطون في تقاطعات الشوارع و الميادين العامة.

 

المتظاهرون أذكياء: في إحدى الحالات, خلق سائقون متطوعون أزمة سير حول خط الحجاز الحديدي من أجل خلق مساحة يمكن من خلالها تنظيم مظاهرة سريعة.

 

إن الإبداع و السرية أمور حاسمة. في أول يوم في رمضان, صدحت مكبرات صوت في منطقة عرنوس المكتظة بأغنية "يالله ارحل يا بشار" و التي كتبها إبراهيم القاشوش, الذي قتل بعد أن أداها في حماة. وقد قام قاتله بجز حنجرته و اقتلاع حباله الصوتية. 

 

يقول أحد سكان دمشق ممن سمعوا الأغنية "في البداية, كان الناس خائفين" و لكن عندما شغلت في المرة الثانية شعروا بالراحة. "و في المرة الثالثة , شرعوا في الضحك".

لقد تم وضع مكبرات الصوت في مكان مرتفع محاط بالزيت من أجل جعل الوصول إليها و إسكاتها أمرا صعبا.

إن هذه التكتيكات فعالة و لكنها خطرة: أحد الناشطين بدأ بتشغيل الأغنية في تكسي و لكن السائق كان عنصرا من المخابرات قام بتسليم الناشط  إلى المخابرات. جواد, و هو مختص في الكمبيوتر منخرط في إحدى هذه المجموعات, و قد اعتقل لمدة شهرين و تعرض للضرب بشكل متكرر من أجل إجباره على الإدلاء بأسماء زملائه.

كما أن هناك أعمالا غير عنيفة أخرى كان لها رمزية قوية : في أغسطس تم سكب صبغة حمراء اللون في نافورة السبع بحرات وسط مدينة دمشق. كما تم نشر شموع عليها ربطات سوداء من أجل التذكير بغياث مطر, و هو الشهير بتقديم الورود لعناصر الجيش , و قد تعرض غياث للتعذيب و تم قتله في شهر سبتمبر الماضي.

تقول سلمى و هي عاملة في مجال حقوق الإنسان "إن الناس يخاطرون بحياتهم هنا, و لكن في إدلب و حمص فإن المسألة مسألة حياة أو موت, و هذا الأمر لا ينطبق على الوضع في دمشق".

و لكن هناك أشخاص لا يصدقون ما الذي يتجرؤون  على فعله. يقول بسام وهو يعمل في شركة صناعية و في العشرينات من عمره  ضاحكا "أنظر لنا, إننا نستخدم أسماء مستعارة و نقود في الطرق البعيدة من أجل تفادي نقاط تفتيش الشرطة. أول مرة شاركت فيها في مظاهرة, كان الأمر مخيفا, ولكن الأمر مبهج الآن".

لا أحد يعتقد أن الثورة سوف يكون لها نهاية سعيدة في أي وقت قريب. الخطاب الذي ألقاه الأسد الأسبوع الماضي تمت رؤيته على أنه إعلان حرب, و تصميم على حشد المؤيدين. في البث الحي على تلفزيون الدولة بدت الحشود كبيرة, و لكن في الواقع, و في لقطة غير رسمية تم تسريبها ظهر أن هناك ما لا يزيد عن بضعة مئات من الأشخاص في ساحة الأمويين.

 

إن دمشق محاصرة من قبل الفرقة الرابعة من الجيش, و التي يقودها شقيق الرئيس ماهر. كما أن المباني الحكومية محمية بحواجز لحمياتها من الانفجارات. الطرق قرب القصر الرئاسي و وزارة الدفاع مغلقة. في مبنى أمن الدولة في كفرسوسة و هناك حرس يحملون بنادق رشاشة و هم يطلون من مرابض أكياس الرمل.

 

و قد كان هناك قبل يومين من الاحتفال بالميلاد تفجيرين انتحاريين أديا إلى مقتل 44 شخصا و تم إلقاء اللوم فيهما (بعد عشرين دقيقة من الانفجار) على القاعدة, و هو تذكير بالرواية الرسمية التي لا تتغير بأن سوريا تواجه عصابات إرهابية مسلحة, و ليس مظاهرات شعبية عارمة أصبحت رمزا للربيع العربي.

 

في 6 يناير, ضرب الإرهابيون مرة أخرى. في منطقة الميدان , و هي معقل للمعارضة فقد كان هناك ما بدا للوهلة الأولى على الأقل هجوما آخر كالهجوم الأول أدى إلى مقتل 26 شخص. و لكن التفاصيل الأساسية لا زالت ملتبسة.

 

السكان المحليون يتحدثون عن منطقة تمت إحاطتها بالشرطة قبل يوم من الحادث. و قد لاحظ الكثيرون الرد السريع و الملحوظ من قبل الإعلام السوري و أجهزة الطوارئ. و الحشود التي تجمعت بشكل سريع, و الذين لم يكونوا من سكان المنطقة, و الذين هتفوا بشعارات موالية للأسد أمام الصحفيين الذين تم جمعهم من قبل وزارة الإعلام. إن الشكوك بأن الحدث كان عملا مدبرا تبدو معقولة, عوضا عن إلصاق الأمر بنظرية المؤامرة.

 

أبو محمد و هو سائق تكسي ثرثار ينتمي إلى الطائفة السنية, ليس لديه أدنى شك في الموضوع. "لقد كانت مسرحية صرفة, كل الأمور مفبركة, و الفكرة هي لتخويف الناس في دمشق". نادر و هو صاحب متجر كان أكثر فظاظة حين قال "الحكومة تعرف أن السوريين لا يصدقونها. و لكنهم يعتمدون على الناس الخائفين من كسر جدار الصمت". 

حسن عبد العظيم و هو رئيس لجنة التنسيق الوطنية و الذي يتهم عادة بأنه مقرب من النظام, يقول أن لديه "شكوكا جدية" بشأن الرواية الرسمية.

في 11 يناير, ترك مقتل الصحفي الفرنسي جيل جاكيه بقذائف المورتر خلال رحلة منظمة من قبل الحكومة إلى حمص أسئلة مربكة ليس لها جواب. هل كانت رسالة تحذير إلى الإعلام الدولي؟ الاستثنائي حول كل هذه الأحداث هو فرضية العديد من السوريين بأن النظام يمكن أن يتصرف بهذه الطريقة الإجرامية بشكل مزدوج. يقول شخص آخر مناهض للأسد "ليس لدى أي شخص أية أوهام, الناس يعتقدون أن النظام يمكن أن يقوم بأي شيء. و ليس هناك خطوط حمراء".

مناصرو  الرئيس يرون الأمور بطريقة مختلفة تماما. رواية النظام حول المؤامرة الكبرى و المنخرط فيها الولايات المتحدة و الغرب و إسرائيل و عملاء العرب الرجعيين بقيادة قطر تضخ يوميا من قبل إعلام الدولة. و هي تذاع بشكل أكثر عدائية على قناة الدنيا و هي قناة تلفزيونية يمتلكها صهر ماهر الأسد الثري. فوق الجميع تنتقد الدنيا قطر التي تبث من أراضيها قناة الجزيرة و التي تشجع الثورات العربية حيث تقول بأن الجزيرة تقوم بفبركة مظاهرات في أستوديو يشابه المدن السورية. في خطابه أشار الرئيس إلى 60 قناة تلفزيونية كجزء من المؤامرة الكبرى.

يبدو أن الكذبات الكبرى تحرز نجاحا. يقول سائق تكسي ينتمي إلى الطائفة العلوية "أمير قطر يهودي , وهو أسوأ من اليهود, ليس هناك مظاهرات في سوريا, أو أن الأشخاص الذين يخرجون هم من يدفع لهم فقط, و العصابات الإرهابية". ليس من الغريب أن العديد من السوريين يهاجمون الصحافيين الأجانب القلائل الذين يسمح لهم بالدخول إلى البلاد و يطالبونهم بقول الحقيقة.

الموالون للنظام و الذين يتحدثون للإعلام العالمي يدعون أنهم يدعمون الإصلاح السياسي و الحوار مع المعارضة السلمية: هؤلاء الأشخاص هم من مثل مستشارة الرئيس بثينة شعبان و جهاد مقدسي مدير الإعلام في وزارة الخارجية, و هو منخرط في جدل على التويتر مع مؤيدي الانتفاضة. و هو يحذر بأن سقوط الأسد سوف يؤدي إلى نتائج وخيمة.

و لكن رؤساء للأجهزة الأمنية السورية القوية, الذين لا يظهرون لتقديم تقارير أو إجراء مقابلات, يركزون على الخطر المحدق الذي يفرضه المتطرفون السلفيون أو القاعدة, و هم نفس "المقاتلين الأجانب" الذين اعتادت المخابرات على مساعدتهم للعبور إلى العراق من أجل مقاتلة الأمريكان. هناك صور مرعبة تظهر جثث مشوهة عيونها مفقوءة يتم إظهارها كدليل على همجية هؤلاء الإرهابيين. مؤيدو المعارضة لا يدعون أن مثل هذا الرعب مزيف و لكنهم يصرون على أن النظام يتحمل المسئولية عن العنف الحالي.

يقول أحد رجال الأعمال  السوريين المحبطين "بالنسبة لرجال الأمن السوريين, الحل يتمثل الآن في القتل حتى ينتهي الأمر و الانتظار حتى يحدث تغيير ما في موقف الغرب".

كما أن مؤيدي الأسد يتهمون المعارضة بالسذاجة و نسيان ما حدث في بداية الثمانينات, عندما اجتاحت موجة من الاغتيالات و التفجيرات على يد الإخوان المسلمين المتواجدين في مدينة حماة , و التي قامت فيها قوات الأمن بقتل 20000 مواطن على الأقل. و لكن الأمر كان قبل 30 سنة: مثل هذه الوحشية في الحل الأمني تبدو صعبة التكرار في عصر اليوتيوب, و من غير المحتمل أن تنجح في إيقاف الانتفاضة.

كما أن الطائفية تطل برأسها القبيح, مع إلقاء المعارضة اللوم على النظام في إذكاء الطائفية ما بين العلويين الذين يسيطرون على أجهزة الأمن و الغالبية السنية.

في المناخ الحالي, الأمر في غاية السهولة. مضر و هو شاب علوي لديه اتصالات قوية مع النظام يحدث عن ابن عمه المجند في الجيش و الذي قتل و تعرض للتشويه, و من ثم يعرض مقطع فيديو يظهر فيه رجل ملتح قبالة رأس الضحية التي تقوم بالصراخ. 

في منطقة قريبة من المسجد الأموي, تقوم امرأة علوية بزيارة صديقة سنية و تقول بأنها لا تجرؤ على استقلال سيارة تكسي إلى البيت بسبب أن السائق السني قد يقوم بخطفها و يقوم ببيعها لكي تقتل.

الشكاوي التي تثير القلق منتشرة في البلاد. في الربيع الماضي, طالبت مجموعة من وجهاء العلويين الأسد بالاعتذار عن القمع و أن يتبع أسلوبا حقيقيا و أصيلا عوضا عن الإصلاحات الشكلية. و قد حذر زعماء معارضون مخضرمون بأن "العلويين يشعرون بأن مصيرهم مرتبط بعائلة الأسد, و هذا الأمر خطير جدا".

الضغوط تزداد بشكل مضطرد بدون شك. تفيد تقارير بأن رجال الأعمال العلويين يقومون برشوة المخابرات من أجل منع إطلاق موظفيهم للمشاركة في المظاهرات الموالية للنظام. فدوى سليمان, وهي ممثلة علوية, حازت على الكثير من الإعجاب عندما خرجت لتأييد الانتفاضة. و لكنها تعرضت للنقد من قبل أخيها على شاشة التلفاز.

المسيحيون, و هم موالون تقليديون, قلقون أيضا, خصوصا فيما يتعلق بالعناصر السلفية في الانتفاضة, و الكنائس تثبت الدعم الشعبي للأسد. بالنسبة للبعض, و على الرغم من أن الأمور تبدو مختلطة عندما تم تعيين داوود راجحة وهو أرثوذكسي يوناني في منصب قائد الجيش , إلا أنها قد تكون محاولة لضمان دعم المجتمع المسيحي.

 

إشارة أخرى على أزمة سوريا العميقة هي أن الدولة لم تعد تعمل كما يجب. يقول أحد الأشخاص "إنها تتهاوى بصورة بطيئة".  رؤساء الأجهزة الأمنية يخشون من موضوع الرشاوى التي تطلب من أجل إطلاق سراح المعتقلين. نصف الأسلحة التي يمتلكها المتمردون يقدر بأنها اشتريت من قبل أشخاص من الجيش بينما ينظر رجال الجمارك في الاتجاه الآخر عندما تمر  شحنة أسلحة من لبنان. كما أن شائعات تدور بأن فروع أمنية مختلفة من المخابرات تقوم بإطلاق النار على بعضها البعض في عمليات سرية.  ويقال بأن مسئولين يقومون بتدمير وثائق مسجلة حول دفعات تمت الموافقة عليها من خلال مكالمات هاتفية من قصر الرئيس.

كما أن محنة الاقتصاد السوري قد تعمقت خلال الأسابيع القليلة الماضية. قطع الكهرباء لعدة ساعات في اليوم أصبح أمرا اعتياديا. المحال التجارية في شوارع دمشق تعتمد على المولدات الكهربائية على الأرصفة. هناك نقص حاد في البنزين , و يعود ذلك بجزء منه إلى الاستخدام المفرط لهذه المادة من قبل الأجهزة الأمنية, كما أن أسعار غاز الطبخ و التدفئة قد ارتفع بشكل كبير.

النكتة التالية توضح بعض الأمور:  أبو فلان يشتري دجاجة للغداء. يطلب من  زوجته شويها و لكنها تقول: آسفة, ليس هناك غاز. فيرد عليها "معليش" دعينا ننتفها و نضعها في الميكرويف و لكن زوجته ترد " آسفة, ليس هناك كهرباء". هنا تعود الدجاجة بمعجزة إلى الحياة و تهتف : " الله سوريا بشار وبس".

هذا الشعار مستعار بالأصل من ليبيا, حيث تشير الدعاية إلى حاجة الشعب بعد الله و الوطن إلى معمر القذافي – حتى خلعه و مقتله. إنها فأل سيئ بالنسبة للأسد .

لقد كان الرئيس سخيفا عندما بارك نوعية الزيت و القمح السوري في خطابه الأخير – في إشارة منه إلى حالة الاكتفاء الذاتي. حتى لو تذمر الناس العاديون فإن التوقعات بالنسبة للاقتصاد الكلي قاتمة. الاستثمار الخارجي و السياحة انهارتا. الفنادق فارغة . عقوبات الولايات المتحدة أغلقت معظم الحوالات المالية الدولية. كما أن الاتحاد الأوروبي أوقف مشتريات النفط. بطاقات الائتمان لم يعد من الممكن استخدامها. و قيمة الليرة السورية تتراجع بشكل حاد.

 

إن النظام يدرك المخاطر المحدقة و لكن مساحة المناورة تتلاشى أمامه شيئا فشيئا: عندما قام بمنع الواردات الكمالية في شهر نوفمبر, احتج رجال الأعمال السنة. و قد تم إلغاء هذا القرار بعد أيام قليلة.

و من ثم ليس من المستغرب , أن تؤدي هذه الأمور إلى وجود تقارير من الأطباء عن زيادة حالات النوبات القلبية و ارتفاع ضغط الدم و غيرها من الأعراض المرتبطة بالتوتر . كما أن الصيادلة يقومون بتداول نشط على مضادات الاكتئاب . قبل سنتين قامت الحكومة السورية بمنع التدخين في الأماكن العامة, و لكن مكاتب الحكومة و المقاهي و المطاعم لا زالت تشهد سحبا من الدخان. كما أن نسبة الشرب قد زادت فيما بين الناس. يقول أحد الأًصدقاء و هو يضحك "يقول لك الأطباء أن تذهب لتشاهد بعض الأفلام المصرية السخيفة – كل شيء عدا الأخبار".

لدى العديد من الأشخاص خبرة أولية في أجهزة القمع الذي تمارسه الدولة, و يصفون تفاصيل الزنازين تحت الأرض و عمليات الضرب و التعذيب. أصبح من المعروف أن مستشاري الأمن الإيرانيين يقدمون خبراتهم الشريرة في مراقبة الاتصالات و مكافحة الشغب. إن دمشق  تبدو مثل طهران عام 2009 خلال الاحتجاجات التي شهدتها بسبب الانتخابات الرئاسية. 

يقول الاقتصادي رجا عبد الكريم "الأشخاص الذين يعتقلون ليس لديهم صفحات على الفيس بوك. إن أثر المظاهرات و عمليات القتل أكبر بكثير من أن يقوم شخص مثلي بالتعليق عليها "

 أبو أحمد و هو رجل في منتصف العمر أقيل من وظيفته الحكومية بكى و هو يصف وجوده في جنازة في الميدان و هي المنطقة التي حدث فيها آخر تفجير انتحاري حيث كان مع زوجته و أطفاله عندما بدأ الشبيحة بإطلاق النار.

إن إعلام الدولة لا يقوم إلا بنقل صور شهداء الأجهزة الأمنية و مؤيدي النظام. إن الجثث تعود إلى عائلاتها و هي تحمل علامات تعذيب لا يمكن إخطاؤها.

و قد كتبت الناشطة رزان زيتونة على التوتير "لربما كان أسوأ خرق لحقوق الإنسان يرتكبه النظام ضد الشعب السوري هو أنه لا يوجد وقت لرثاء كل شهيد على حدة , لا وقت للحزن على الشهداء".

إن عناصر من المعارضة المناهضة للأسد ليسوا مرتاحين لعملية العسكرة التي تشهدها الثورة التي بدأت سلمية و التي استلهمت أفكارها من تونس و مصر و ليبيا. إن التوقعات هو أن العنف سوف يتزايد مع تزايد حجم الجيش السوري الحر بسبب تزايد حالات الانشقاق داخل الجيش. يقول أحد الدبلوماسيين الغربيين "إذا واصلت إطلاق النار على الناس لعدة شهور, لا يمكن أن تتفاجأ عندما يردون بإطلاق النار عليك".

على كل الأحوال فإن الانقسامات تتعمق في سوريا. يقول بدر و هو محاضر "لمدة 10 شهور, فإن ملايين الناس كانوا في المنتصف, لكن الأسد لم يبق لنا أي خيار".

نكتة أخرى توضح الصورة بشكل أفضل : لقد تم إخبار المواطنين بأن عليهم أن لايرتدوا الملابس الرمادية بعد الآن, المسموح لهم هو الأبيض أو الأسود فقط. 

 

لا يمكن لأحد أن يتوقع بدقة كم ستطول الانتفاضة. من جهة المعارضة, فإن التفاؤل محدود بسبب الإدراك بأنه على المدى القصير فإن توازن القوى ليس في صالحهم و ليس من المتوقع أن يحدث أي تغيير سريع , باستثناء حصول تدخل عسكري أجنبي على غرار ما حصل في ليبيا وهو أمر غير متوقع من قبل الكثيرين. يعلق أحد مناصري الثورة على تويتر قائلا "مستقبلنا في يدنا , أو لن يكون لنا مستقبل".

لؤي حسين وهو كاتب و مثقف علوي مستقل يقول إن الحل السياسي فقط هو الذي يمكن أن يسقط النظام. "الأزمة تسير إلى  طريق مسدود , جميع المؤشرات تشير إلى أننا سائرون إلى حرب أهلية مفتوحة, الأسد لا زال يمتلك الكثير من الدعم. إن الأمر ليس مجرد قمع فقط".

الاقتصادي عبد الكريم يأخذ نظرة أبعد :" ليس لدي شك في أن النظام سوف يسقط. المشكلة في أنه كل ما زاد المدى الزمني كلما أصبح الإسلاميون أكثر قوة. أولئك الذين يدعمون العنف سوف يكسبون أرضية أكبر. إن الأمر يتعلق بالوقت و الكلفة: إن الوقت يضيق ولكن الثمن يزداد كلفة".

منى غانم من حركة بناء الدولة السورية و هي إحدى المنظمات المستقلة غير الحكومية القليلة تتفق مع هذا التحليل المظلم  و تقول :"إننا سعداء بأن هناك تغيير, لقد كنا نعتقد أن التغيير لن يأتي إلى سوريا أبدا. و لكننا نخشى من الكلفة المترتبة على هذا التغيير".

*الأسماء في هذا المقال تعرضت للتغيير. 

الجارديان
(111)    هل أعجبتك المقالة (108)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي