أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

وأخيرا...الإعلام الحر يدخل سوريا... الياس س. الياس

استعرضت بنفسي شريطا بثته قناة الدنيا السورية، ليس متابعة للقناة بل بثه ناشطون على قناتهم على يوتيوب، يظهر فيه فرح شديد ومنقطع من قبل المذيعة التي تقرأ الخبر قبل أن تظهر الصور في الشريط المرسل من درعا:
قام وفد إعلامي من "رويترز" بجولة في مدينة درعا حيث التقى قائد الشرطة هناك الذي أطلعهم على الأوضاع الحقيقية القائمة في المدينة... ونزولا عند رغبة الوفد الإعلامي بالتجول وحيدا فقد تركتهم كاميرا الدنيا يتجولون لوحدهم.
النص أعلاه هو ما قدمته القناة المعروف عنها تواجدها في كل مكان يتجمع فيه الشبيحة وقد تم تصويرها في أكثر من شريط بثه الناشطون... على سبيل المثال لا الحصر في دوما وبرزة ولكن لنقل هدوء الشارع وليس لنقل الجنائز التي يطلق عليها النار.
أي إعلام هذا الذي يقبل على نفسه أن يتحول إلى أضحوكة ولعبة بيد نظام فاشي وفقط ليقال أنه ينقل ما يسمى الحقيقة على طريقة حقيقة الدابي؟
لا يحتاج أحد ليفهم التركيبة التي تكتم الأنفاس عند أنظمة الاستبداد، ففي حين يقتل شخص وتفقأ عين بعد التعذيب لمجرد أنه سوري اشتغل على "صحافة المواطن" لنقل فظاعات ترتكب بحق شعبه، نجد أن مراسلين يجوبون مع قوات الأسد لا لشيء إلا ليكونوا زينة وديكورا في مسرحية هزلية وأحيانا مقرفة جدا... المفارقة العجيبة الأخرى أن حسين مرتضى، مراسل العالم الإيرانية، وقس عليه مراسلو وسائل إعلام لبنان (في جانبه الالهي.. والشيوعي من جماعة الرفيق إبراهيم الأمين من الأخبار) وروسيا، يلعبون دور المحقق ويشربون الشاي ويقرقعون المتة وغيرها من السوائل مع قادة برتب كبيرة في مكاتب مكيفة ودافئة ليستمعوا منهم عن الحقيقة... وعلى بعد أمتار يقتل الناس بالرصاص والبرد وقطع الكهرباء... هو العقاب الجماعي الذي كان الرفيق حسن نصر الله يتباكى عليه إن صدر بحق شعبنا الفلسطيني...

المخزي في الأمر أن قناة أوروبية تم دعوتها عبر رجالات المافيا المسماة "جمعيات صداقة سورية......" تدخل سوريا برفقة هؤلاء ومن منحهم الرخصة ويلازمونهم حيث يذهبون ثم: جال وفد إعلامي لنقل الحقيقة عما تتعرض له سوريا من مؤامرات وللإطلاع على عمليات التخريب الواسعة.... هكذا يعرض التلفزيون السوري مهمة الصحفي... ثم لقاء مصور وبالصدفة مع عدسة التلفزيون لسؤال هذا وتلك من الطواقم الباحثة عن الخبر.. ما رأيك بما شهادته في باب توما والقصاع؟ هل كانت الجولة في سوق الحميدية والجامع الأموي جيدة؟

يكتشف متأخرا الكثير من الصحفيين العرب والغربيين ( طبعا غير هؤلاء المقتنعين بأن الإعلام والصحافة دورهما هو دور الدعاية والبروباغندا لنظام المقاومة والممانعة) بأنهم وقعوا ضحية لعبة سخيفة حين يرون أنفسهم وقد تم عرضهم على المواطن السوري من على القنوات السورية وكأنهم يُصورون عن بعد ومن ثم لقاء معهم ليقال للشعب الثائر: أنظر حتى الإعلام يصدق روايتنا عنك أيها الإرهابي الجرثومة...

شاهدت تقريرا لا تحصى عن الغضب الذي اعترى بعض الإعلاميين الذين تم استغلالهم من لوبيات الأسد في أوروبا، فانقلب السحر على الساحر...
المخزي في كل المشهد الإعلامي أن تجد صحفيا يعتبر "عربيا" مراسلا لقنوات عالمية وعربية ممنوعة من العمل الحر في سوريا يقوم بذات الدور الذي تقوم به قناة الدنيا... تقع المسؤولية على القناة التي تعرف أن المراسل ليس أكثر من شخص وافق عليه الأمن السوري قبل تعيينه مراسلا... هكذا هي الأمور... وإسألوا ابراهيم حميدي مراسل الحياة لتعرفوا القصة...
ما معنى أن يقول حنا حوشان: تجولت في الميدان والوضع هادئ... باستثناء خمسة او عشرة أشخاص... وما معنى أن يمعن في استغباءنا على طريقة خالد الديب في طرابلس الغرب حين كان يقول للجزيرة: لا يوجد شيء؟

نعم مطلوب من المراسل والإعلامي نقل الحقيقة بتجرد، لكن أين هي الحقيقة؟ هل نقل لنا عبود وحوشان يوما واحدا من عمر الثورة السورية بعدسة بي بي سي والعربية جنازة واحدة في دوما بريف دمشق؟ ألا يوجد سوى مشفى تشرين العسكري؟ ألا يوجد جنائز غير تلك التي تخرج منها؟

بكل بساطة لا أجد مفاجئة في قول الدابي أن النظام سحب آلياته وخف القتل... لمعرفتنا بالحقيقة... لكنني أشعر بالقرف أن يتم تشويه السلطة الرابعة على طريقة وليد المعلم ومؤتمراته التي يصفق فيها المراسلون الذين لا يسألون بل يبدون رأيا... وأجد من الصفاقة أن يدعي هؤلاء أنهم يشتغلون على نقل الحقيقة وهم ينقلون دعاية نظام يقتل شعبهم...
إنها جريمة بحق الإعلام والصحافة تلك التي ترتكب في سوريا وبأيدي مدرسة جديدة ممن يدعون أنهم إعلاميون: بحثت مئات المرات عن "الإعلامي السوري شريف شحادة" زميل هؤلاء، فلم أجد له ولا حتى سطرا كتبه أو شيئا فعله له علاقة بالإعلام... وهكذا صرت أشعر بأن الجريمة المقترفة بحق عقولنا باتت تتسع ويساهم فيها قول السلطات الديكتاتورية في سوريا، مؤيدة بكلام الدابي: سمح لأكثر من وسيلة إعلامية بالدخول!
أي من القنوات يتابع المواطن العربي؟ هل قناة الصين الشعبية؟ أم قناة الكوثر التي اكتشفنا أن نصابا من العيار الثقيل يعمل مراسلا لها وهو يقوم بالتجسس على المغتربين السوريين في فضاءات الانترنت وعرض نقاشاتهم بشكل مجتزأ وبتفاخر " كشف المستور" طبعا عن المؤامرة الكونية...
هل يمكن أن أنسى منظر مراسل قناة "العالم" حسين مرتضى في جسر الشغور وهو يتلقى بأذنه اليمنى سؤالا من رجل أمن ليطرحه على "الإرهابي المفترض" الذي أقاموا له مؤتمرا صحفيا؟ أو منظر تلك الصحفية الغاضبة من وليد المعلم في مؤتمره حين راحت تقول رأيا وتلوم المعلم على عدم مهاجمته العرب... وهو ما تم لاحقا بفرح شديد حين ارتقى الشعار من "العربان إلى المستعربة"... ومن فلاشة واحدة إلى فلاشات ومن شبيح في كل مكان إلى محلل بدرجة يوسف شاكير....

هل حقا دخل الإعلام بشكل حر إلى سوريا؟ وهل يستطيع حتى هؤلاء المطبلون من الوسائل الموجودة التجوال من خلف الشبيحة في دوما وبرزة وحي الميدان وليس من أمامهم كما تفعل قناة الدنيا وهي متلبسة في جرم لا يمت للمهنة بصلة؟
إنها الفضيحة التي يسجلها الواقع وسيذكرها تاريخ انتصار الثورة السورية... فضيحة تشبه فضيحة طبيب وممرضة يشاركان في تعذيب وقتل ناشط سوري كغياث مطر وتجارة الأعضاء البشرية... يظن هؤلاء أنهم قادرون على مخادعة المشاهد والمتلقي... لكنهم خطأ يقعون به هم ومحطاتهم التي وظفتهم: الأمر مرصود بدقة وكل هذه السخافات ستكون عارا بحق كل صحفي وصحفية يمارس رذيلة التغطية على جرائم قتل الشعب السوري والقفز فوق حقيقة معاناته...

(107)    هل أعجبتك المقالة (107)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي