
الأتارب مدينة .. لا يأفل حضورها .. ثائرة كغيرها من المدن المتمردة على ظالمها ، لا تنطفئ جذوة شعلتها ، ولا تلين عزيمة ثوارها ، ولا تكل أو تمل سواعد أحرارها برفع رايات الحرية والكرامة والمجد خفاقة في ساحاتها وشوارعها ، وحناجرهم تصدح بتراتيل و ترانيم الحرية بشعاراتها وأشعارها .
مدينة .. صامدة في وجه جلاوزة النظام وأعوانه .. اتخذت شعارا من يعيش في خوف لن يكون حراً أبدا .
أستمد أحرارها من تلها الأثري رسوخاً و صموداً وثباتاً ، ومن عدالة قضيتهم إيماناً واستمراً وانتصاراً ، ومن مؤازرة إخوانهم واجباً أخلاقياً ودينياً ووطنياً ، ومن ظلم وإجرام الطغمة الفاسدة الحاكمة والعصابة المجرمة دافعاً و تحد إما تكون أو لا تكون.
مدينة .. أبت نفوس أحرارها منذ بواكير الثورة المباركة أنها لا تنام على الضيم ،
فكان شبابها على موعد مع الحرية المنشودة منذ سماع أول صيحة وصرخة خرجت من الجنوب فتلقفها آذان عشاق الحرية في الشمال ، ولبت نداء أخواتها ، وناصرت قضيتهم ،وشدت على يد هم لثباتهم على موقفهم في وجه هامانات القصر الذين تجرئوا على إهانة علية رجالها في عقر دارهم ،فأعطت صداً جغرافياً أمتد إلى مسامع كل مدافع عن الكرامة وطالب للحرية ، واتخذوا من أبيات جدهم الشاعر عمر أبو ريشة مرجعية :
في سـبيل المجد والأوطان نــحيا ونبيد
كــلنا ذو همــة شـماء جبـــار عنيــــد
لا تطيق السادة الأحرار أطواق الحديد
إن عيش الذل والإرهاق أولى بالعبيد
مدينة .. أحرارها يتابعون حال إخوانهم من خلال الوسائط الممكنة ، ومنها المنتديات الالكترونية يتواصلون للتنسيق فيما بينهم .. قلقون على وطنهم رغم صغر سنهم من هذه العصابة الحاكمة فكانت الجاهزية الأولى والاستنفار التام، بالرغم من شح المال في جيوبهم ، لا يدخرون أي جهد لاستمرار الثورة لكي لا توأد في مهدها من خلال الآلة القمعية اللا أمنية التي يضربون بها بالطول والعرض على رقعة الأرض السورية المنتفضة لاعتقاد القتلة أن باستطاعتهم عبر خداعهم وجرائمهم و أزلامهم وشبيحتهم ونبيحتهم أنهم قادرون على بسط السيطرة وشل القدرة في أي وقت تحت حملة التخويف والتخوين والمداهمة والاعتقال ، وأزيز رصاص بنادقهم ، أوفي ظلمة معتقلاتهم ، ولا يعلمون أنهم قد قتلوا الخوف في نفوس أباتها ، وذلك منذ أول رصاصة قد أطلقت على صدر أول شهيد سقط على مذبح الحرية .
مدينة .. أقسمت فبرت بقسمها فتقاسمت مع أخواتها من المدن والبلدات الثائرات شيئاً مما يتعرضون له ، وقطعت عهدا أن تستمر بمناصرتهم حتى تتحقق أهدافهم المصيرية والمشتركة مستندين إلى الحديث الصحيح " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر " .
مدينة .. تفخر أن أحرارها يعتبرون أول من خرج إلى الشارع في ريف حلب الغربي .. وكانوا ملفتاً للأنظار ومضرباً للأمثال .. تظاهروا واعترضوا ونددوا لسلوك المسؤولين الأمنيين ،و هتفوا للحرية ومناصرة مدينة درعا الأبية عندما كان البعض لا يصدق ما يرى ويسمع " يا درعا حنا معاكي للموت ، وبالروح بالدم نفديك يا درعا " درعا المدينة الباسلة التي تعرضت للانتهاك من ثلة مجرمة لا هم لها سوى الاستقواء بالقوة والبطش والتنكيل من خلال تكميم الأفواه و سرقة البلاد وقهر العباد .
مدينة .. تعرض شبابها للاعتقال والاهانة والمداهمة والملاحقة وتنغيص المنامة ، ومنهم إلى الآن لا يجرؤون أن يبتون مع أسرهم أو يذهبون إلى عملهم خشية من الزبانية الفجرة التي لا تعرف الرحمة فجاً تصل إلى مشارف عقولهم وإنسانيتهم .
مدينة .. انقسمت إلى مؤيد وآخر معارض وتكالب المؤيدون على المعارضين المتظاهرين فضيقوا عليهم إلى أن تفهم العاقلين من الفريق الآخر بأن الطوفان عندما يأتي لا يميز بين مؤيد ومعارض ، وبقيت ثلة نفعية وأخرى لم تصل إلى عقولهم الصورة الحقيقية فبقيت تدافع عن النظام ، والناس تنظر إليهم بازدراء ودونية ، والثائرون أقسموا على بقاء شعلة الحرية منارة لمن يهتدي إليها ، فالتحقوا بإخوانهم لحضهم على الخروج والتظاهر، فمنهم من التحق بالمدينة كمحرضين ومنشطين رغم تعرضهم للاعتقال والاهانة في شهباء سورية لكن للأسف قد خيبت آمالهم حتى أذن الله بخروج بعض أحرارها ، ومنهم من أنطلق مؤازرا الجوار من قرى ريف إدلب أهمها تفتناز وبنش وحزانو وكللي ،ومنهم من شجع باقي القرى التابعة لها للخروج من خلال مساندتهم ودعمهم لهم ،وكسر حاجز الخوف إلا أن غزالة الشبيحة قد لعبت بالامتيازات التي منحت إليهم من قبل النظام لعرقلة التنسيق وشق الصف لكن الشباب لم تنطلي عليهم ألاعيبهم وخبثهم فتحدوهم بالخروج ونقلوا الصور خارج الحدود بالرغم من قلة الخبرة عندهم بنقل المظاهرات عبر وسائل الإعلام لاعتقادهم بأن الأمن يراقب جميع الاتصالات لا سيما من يريد التواصل عبر إرسال ملفات فيديو حتى تم التنسيق مع تنسيقيات أخرى وأصبح العالم يرى الحشود الغفيرة على الهواء.
مدينة .. وطأتها أقدام غزاة الديار من حماة سيدهم بشار بحملة إرعابية وإرهابية وجاسوا وداسوا الديار بجولة استعراضية في فجر ليلة صيفية ،ولا أنسى صبح ذاك اليوم حينما اعتقلوا الخيرة من شبابها وأهانوهم بطريقة بربرية ، وكتبت في حينها مقال تحت عنوان " صناعة الخوف " جسدت فيه ما استطعت جمعه من مشهد تمت فصوله بين ظهرانينا ليبقى حاضرا في الذاكرة وشاهداً على عربدة وبطش عبدة المال والكرسي يسمون نفسهم مجازا حكامنا .
مدينة .. لم تحرم من نيل شرف الشهادة لأبنائها وقدمت ثلاثة شهداء ليبقوا مشاعل للحرية الوليدة و ناراً تحرق بلهيبها طغاة سورية ومجرميها .
تحية من أحرارها إلى كل أحرار سورية الغالية ، والرحمة للشهداء ، والشفاء للجرحى ، والحرية للمعتقلين .
الأثاربي .
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية