أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

المرأة السورية و سقوط الأسد!.. الياس س. الياس


لا يهم كم يسوق النظام السوري لنفسه: قوي.. متماسك.. منتصر على "المؤامرة" الكونية... لم يقتل أي شبيح أو جندي سوريا واحدا... العصابات تسيطر على المدن المحاصرة... تنتقل من مدينة إلى أخرى..
لا يهم الكذب الذي ساقه أبواق النظام منذ لحظة القتل الأولى في درعا... وسحل النساء والرجال أمام داخلية النظام في المرجة وسط دمشق..
لا يهمني شخصيا إستعراض القوة بالبذاءة التي كشفت قناع هذا "الممانع" وتوصيفه بلسانه ولسان زبانيته لخيرة الشاب السوري الثائر ... لا تلك التي استهزأت بعقولنا: مافي شي .. خلصت... تنشق الملائكة ولا ينشق الجنود عن الأسد...
حتى أنه لا يهمني كثيرا المنظر البائس لمن كنت أحترمهم من شخصيات لبنانية وفلسطينية حين راحوا بداية يصفقون لهدير الثورة التونسية والمصرية و يبشروننا بعالم عربي آخر، فما أن وصلت نسمات الحرية إلى سوريا حتى صارت كل الثورة العربية مؤامرة كونية... كم تشعر بالخيبة وأنت ترى فكر المقاومة الذي تدافع عنه يُداس كرمال عيون "الأسد"... لكأنك أمام مشهد فريد من ثقافة ضياعنا لو سقط الأسد أو تنحى أو مات... هؤلاء يظنون مع كل الأسى والخيبة أن هذا الشاب الأربعيني لا يمكن أن يموت...

أليس الديكتاتور بشر يأكل ويشرب ويتنفس ويشعر بانقباضات وخوف ويحلم ويصاب بكوابيس... ويموت بجلطة دماغية أو قلبية ويمرض بأي مرض عضال؟ أليس الديكتاتور سوى جبان يستقوي بخوف الآخرين وبآلة قمع وتزوير وفساد ومافيا ومخبرين يبثون الاشاعة عن أن الديكتاتور يعرف متى يعاشر الرجل زوجته؟

ولا يهمني كم من "العرب" كشفهم لنا هذا الديكتاتور بصورة مشفقة ولكأنهم ليسوا سوى نسخة عنه... نعم، قد أعتب على ثوار مصر وتونس .. أعتب على وصول نبيل العربي إلى مستوى "مباركي" لا يعبر عن ثورة .. وأعتب على المنصف المرزوقي الذي صدمني وهو يلعق مبادئ الثورة التي بشر بها فصار بشار بحكم صداقة المرزوقي بهيثم مناع ليس بذلك السوء ... الثورة الوحيدة التي استحقت من "سيادة رئيس الجمهورية" المؤقت بفعل ثورة تونس هي الثورة في البحرين لم نراه أمام سفارة نظام عصابات الأسد ولا وجدنا انشغال الحقوقي هيثم مناع بملف جرائم الحرب المقترفة من بشار بحق شعبه، بقدر ما انشغل بملف خليفة في البحرين .. ولا يهمني حقيقة الفرق بين "معارض وحقوقي" وكل هذه المحاولات "التشويشية" و "التهويشية" على مسألة واحدة: التدخل الخارجي!

هل الروس والإيرانيون واللبنانيون ( من طرافة الظرف أن حسن نصر الله اكتشف الحقيقة فابتلعها) أطراف وطنية سورية لتخون سوريين آخرين لمجرد أنهم طالبوا بتدخل دولي لحماية شعبهم؟ لا أفهم كيف يصير سوريا بحاجة إلى ختم وطنية من جماعة عون... ومن جماعة ومفكري حزب الله... يا للسخرية، الجنرال الذي جلب قانون "محاسبة سوريا" والقرار 1559 وقاتل "حماة الديار" ... و "السيد" صاحب الاحتفاليات والمظلوميات للشعوب وصف شعب سوريا بأنه يتآمر على رئيسه المقاوم ويتساءل: أين هي المظاهرات؟ ولم يسأل عن الدبابات وجيش القمع والتشبيح .. ويشكل فرق موت على حدود سوريا الغربية ليلاحق من يعارض الديكتاتور... أقول فعلا يا لها من سخرية مؤلمة لكنها كاشفة لمستور لا يبشر بخير في مستقبل قريب جدا..

التشويش الذي أتحدث عنه هو في الكذبة التي يقولها البعض بأنها استدعاء لتدخل الناتو... ولكأن سوريا تعيش في غابة لا يوجد فيها أمم متحدة ولا قانون دولي ولا يوجد فيها محاكم... فالمناع الذي كنت وما زلت أحترمه كحقوقي وعربي يعرف تمام المعرفة المقولة القائلة " الطغاة يستدعون الغزاة"... فبدل الغزاة طالب الشعب السوري مناع وغيره بفرض القانون الدولي على العصابة التي تحكم تحت جناح الروس والتخبط الذي يفرضه هذا النوع من المعارضة التي تعيش رومانسية أن الأسد يهتم لشأن هيثم مناع إن خاطبه بالدكتور وإن ظل ضيفا دائما على قناة العالم التي تحتقر كفاح الشعب السوري ...

هذا لا يهمني الآن، فكل شيء بين وواضح لمن أراد القراءة بعيدا عن التخندق الطائفي والمذهبي والعاجز عن التأثير بما يجري...

الأم التي تودع ابنها بمرثية بعد أن تقبل قدميه تدعو الرب أن يصاب بشار بما أصابها... أم تكفكف دموع أحفاد فقدوا أبيهم برصاصة قناص بقبلة على جبين الجثمان المودع... زوجة وخطيبة ومشروع خطيبة ترى الشاب مسجى وقد قال عنه تلفزيون الدنيا: تم قتل 7 إرهابيين اليوم..
فكان عائدا من عمل أو طابور خبز وغاز أو من مظاهرة تنشد حرية ويتمايل في رقصة الحرية في أي مكان من أمكنة سوريا الأخرى التي لا تعرفها القنوات الرسمية ولا قنوات لبنانية كانت تنقل لنا من لبنان حرق الإطارات وقطع الطرقات كاحتجاج على عدم توفر خدمة ما كالكهرباء مثلا... في سوريا الأخرى لهذه القنوات، لا يوجد آلاف الشهداء وآلاف القصص والمطاردة ولا يوجد ما يستدعي شيء سوى أن يقف المصور بين الشبيحة وأمامهم ليلتقط مشهد المسرحية الهزلية من دوما وحرستا والميدان...
زووم... الحياة طبيعية... لا يوجد شيء... ظل يردد علينا هؤلاء مع زميلتهم وقدوتهم قناة الدنيا...

في سوريا الأخرى تختمر أشياء ثورية لا يفهمها ديكتاتور يستند إلى فائض القوة، ولا يدركها المغردون بحياة وأبدية بشار... في سوريا الأخرى ثمة حكاية ممنوع أن تروى...
آلاف الناس فقدت أحبتها... وآلاف آخرون شهدوا على فعل القتل والإعدام الميداني المماثل للفعل الصهيوني في الإعدامات الميدانية التي كان يدينها لفظا "الممانع" ... ملايين البشر يعرفون القصة الحقيقية...
ملايين الأمهات... نساء سوريات لهن قلوب وعقول وأحاسيس مثل أم كل شبيح على الأرض أو على التلفاز، بفطرة الأم والزوجة والحبيبة والأخت تعرف كل النسوة من قتل الصغار والكبار ومن يقصف ويروع حياتهم...

خميرة ثورة شعب سوريا هن نساء سوريا... هن حارسات الثورة وهن الشاهدات على عصر آخر من سوريا الأخرى...
يصعب على البعض أن يفهم دور المرأة السورية في ثورة شعب خرج يطالب بحرية وحق تقرير مصير بدون عائلة الأسد... يصعب على هؤلاء فهم أن أحدا في هذا العالم لن يستطيع أن ينقذ ديكتاتورهم في اللحظة التي تقرر فيه نسوة سوريا، حين تختمر المقومات، إسقاط سفاح الشام بنصف ساعة... فمن تقبل قدما ابنها الشهيد ثم تودع الثاني هي ليست وحدها... معها الملايين من نساء سوريا الأخرى التي تغيب عن الشاشة الرسمية... ليس لنضال جنود فقط أم وأبناء... للآلاف من الشهداء والمعتقلين والجرحى والمفقودين والمطاردين والقرى المجتاحة والتي يهان فيها الذكور والإناث كبارا وصغارا... جذور وخلفيات وأسماء... لن ينفع الأسد كل هذه القوة التي تصل حد الابتذال ليعيد كل هؤلاء من شعبه إلى حيث صور له على أنه "معبود الشعب"...

تذكروا شيئا مهما، نساء سوريا قادرات إذ أردن النزول دفعة واحدة أن يسقطوا ليس الأسد فحسب بل كل من وراء الأسد... وسيكتشف هؤلاء متأخرون جدا أية كارثة وضعوا تاريخهم ومستقبلهم فيها... كلما أمعن هؤلاء في الدم السوري والاستهتار بمطالبه كلما جعلوا النهاية أقرب وأكثر دموية ... قد لا يهم هؤلاء سوى إقناع العالم بما يسمى مؤامرة كونية، لكن ما الفائدة من كل هذا إذا كان الشعب يعرف الحقيقة ولا يمكنك أن تقنع أم شهيد وشهيدة بما يسمى المؤامرة والعصابات وسيارات الدفع الرباعي؟ ألا يبدو شيئا مريبا أن كل ما قاله الأسد وأزلامه منذ مارس 2011 من أكاذيب عن الشعب يمارسونها هم بأنفسهم؟
للمرأة السورية دورا سيتجاوز كل ما تتوقعونه وتنتظرونه من نفاق العرب وحاجة دول الإقليم للأسد، فمن أراد ولو التخفيف من أثمان النهاية أن ينتبه لما ستكون عليه نتائج هذه الاستعلائية وحالة الإنكار والامعان في خطاب مدمر عن "الأسد أو لا أحد"... فهذا الخطاب لا يمكن صرفه في الشارع الثائر... ومن يخاف من رفع السلاح في الثورة السورية سيجد كم متأخرا أن الطاغية يتحمل مسؤولية كل الدماء الإضافية التي ستراق في سوريا الأخرى الغير معترف بوجودها...

(105)    هل أعجبتك المقالة (114)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي