مع وصول المراقبين العرب إلى سوريا بدا واضحا أنّ قدرة
النظام السوري على التصرف بحرية على الأرض قد تدنّت بنسبة عالية.
صحيح أنّ حوالى مئتي مراقب لن يتمكنوا من تغطية رقعة الثورة السورية
بمدنها وبلداتها ومحافظاتها، لكن ما حصل في اليومين الماضيين يدل على ان مجرد وجود
مراقب واحد في كل مدينة قادر على إعطاء دفع للثورة السورية التي عبّرت أثناء وجود
المراقبين في حمص خير تعبير عن القدرة على إعادة رسم المشهد الجماهيري الكبير الذي
حققته لأربعة أسابيع متوالية في حماه، فكانت حمص نموذجا حيث تظاهر اكثر من مئة ألف
سوري في ظروف قاسية لمجرد انهم شعروا ان مراقبين عرب ولو غير فاعلين يتواجدون في
المدينة المحاصرة.
وعلى الرغم من
الهجوم المستمر الذي يتعرّض له فريق المراقبين العرب من المجلس الوطني السوري
وهيئات الثورة السورية والتنسيقيات فإنّ مجرد نجاح الفريق العربي في القدوم الى
دمشق يعكس تغييرا حقيقيا في مشهد الثورة السورية توجزه أوساط دبلوماسية بالآتي:
1 – إنّ دخول المراقبين
العرب لم يأتِ نتيجة لإملاءات النظام السوري، بل اتى بفعل تهديد جامعة الدول العربية
للنظام بإحالة الملف الى مجلس الأمن الدولي، وبالتالي فإنّ وفد المراقبين الذي
باشر مهماته على الأرض لا يعمل تحت ضغط النظام وأجهزته وهو قادر على القيام بمهمته
وعلى صياغة تقاريره الى جامعة الدول العربية، تلك التقارير التي ستكون هي الأخرى
جاهزة للإحالة الى مجلس الأمن الدولي بمجرد انتهاء مهمة المراقبين، علما ان هذه
المهمة متشعّبة ولا تقتصر فقط على توثيق ما يجري على الأرض بل تمتد لتراقب مدى
التزام النظام بسحب الجيش من المدن وإطلاق المعتقلين وعدم استهداف التظاهرات
السلمية.
2 – إنّ دخول المراقبين
مثّل التطوّر الأبرز في مسار الثورة السورية لأنّه كان أول دخول لطرف محايد منذ
بداية الثورة السورية، وهذا الطرف المحايد الذي اصبح في الداخل، قادر على توسيع
مهمته، وعلى إدخال وسائل الإعلام لكي تكون شاهدا على ما يجري.
3 – إنّ مرحلة ما بعد دخول
المراقبين لن تكون بنفس السهولة التي اعتاد فيها النظام السوري قمع المدن الثائرة،
وبالتالي لا تستبعد الأوساط الدبلوماسية ان يكون صمود حمص بوجه النظام صورة مصغرة
عن بنغازي ويمكن ان تتحول الى موطئ قدم لأي تدخل دولي مساند للشعب السوري.
وتتوقف الأوساط
الدبلوماسية عند مؤشرات في غاية الدلالة وسمت مسار الثورة السورية في المرحلة
الماضية حتى دخول أول مراقب عربي الى سوريا وأبرزها:
- صمود حمص التي حاولت
قوات النظام قبل دخول المراقبين الدخول إليها عسكريا وفشلت. وتشير الأوساط الى ان
حمص يدافع عنها اكثر من خمسة آلاف ضابط وجندي منشق، وهؤلاء منتشرون في كل أحيائها
وقد أعاقوا دخول قوات الأمن التي عجزت عن السيطرة على اي من الأحياء الكبرى
للمدينة.
- انخراط الاغتراب السوري
ورجال الأعمال في الداخل والخارج في دعم الثورة بالمال وهذا الدعم يلعب دورا
أساسيا في تأمين حاجات الجيش المنشق من سلاح ووسائل اتصال متطورة ومواد طبية، كما
انه يساهم في التعويض على أهالي المعتقلين والجرحى ودعم المتضررين من توقف الحركة
الاقتصادية.
- بداية حصول تحولات كبرى
في مزاج دمشق وحلب وخصوصا الأجهزة التي بدأت تنخرط بفاعلية متنامية في التظاهرات.
- تأثير الوضع الاقتصادي
والنقدي المتردي على طبقات تعاطفت بصمت مع الثورة منذ بدايتها، هذا التعاطف الذي
يتحول اليوم الى مشاركة ملموسة في دعم الحراك الشعبي واحتضانه، وفي وضع الرهان على
سوريا ما بعد نظام الرئيس الأسد.

تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية