أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

صديقين ومقهى "الوطن"... اشرف شاهين

وطن لأربعة نساء .. وسيدٍ واحد ... وغفرٍ من الحراس الاشداء واشخاص بلون الهواء ولون الماء .. ورائحة الخـبز .. وصيفٍ من مواسم الارض الطيبة ... واحلام كالزغب تتطاير وتضيع ... 
كناّ نرتاد ذاك المقهى " الوطن " ... 
نرتشف قهوته صباحاً ومساء .. اتلذذ بمرّها .. و يتلذذ بزيادة سكّرها ... 
نطرق على كل باب ليفتح لنا قصة تحاكينا 
اونغلق ابواباً سردت ما عندها حتى اصبحت لا تعنينا..
احياناً نحاول طرق ابواب تحوم حولها هالات من الرهبة والغرابة ...
لكننا ولضعفنا كنّا ننصرف عنها ونرمي بهواجسنا في سلة العبث و النسيان .. 
كنّا صديقين ؟؟
وكان وحده الوطن المثخن بهمومنا .. يردّد في سره ملحمة رثاء ومعلقة للمجـد .
كنّا صديقين ..
يفرقنا الوطن الى بلاد غريبة ويقربنا حين نشتاقه الى احضانه البعيدة .. 
وكنّا وكانت حكاياتنا كثيرة ... في الغربة في العودة ... في احلام صغيرة ... 
بعد 15/ اذار / 2011 اصبح الوطن هاجساً وصارخاً ... مجروحاً وعابساً ..
وكنّا صديقين ..
نتقاسم همّ البشر وهمّ الحجر لكنّنا لا نغوص في الالم ... 
الان وبعد هذا التاريخ المسكوب من حريق الذهب ...
نقول كلاماً ما اعتدنا على سرده ولا فضحه في ايام خلت .. 
كنّا فيما مضى نكتم سرّاً موجعاً لا نفرّط بافشائه .. خوفاّ ..
نلتفّ على احلامنا المقبوض عليها ... بأوهام ٍ نعلقها على شمّاعة القدر .. 
منذ ذاك التاريخ الهارب من قبضة الحراس
والوقت بات يجري مذعورا ً .. متعرجاً ... جريحاً ...
لكنه حراً طليق ..
كان يجري ذاك الوقت المولود من رحم الخوف والهزيمة القاسية بأعماقنا ...
نحو نهاية ما لوطن كم عشقناه جميعاً .. 
صديقي الان .. يحب الوطن كما احبه انا ..
لكننا اصبحنا على ضفتين .. وجهين لوطن واحد ..
اصبح يقطعنا هذا الوادي السحيق من الصراع ...
صراخنا يملؤ الوادي .. والمسافة بيننا تبتعد .. 
والوطن غارق في همومنا ونزيفنا .. 
وما زال الجرح يتسع ...
فجأة كل شيء تغيّر وتبدّل ...
واصبحت النفوس نافرة كالشوك .. 
والورد الذي نبتت بيننا ذات يوم ..
ذبل و رحل في خريف طويل ... 
قد اعتدنا فيما مضى بأن الوطن مقهى ..
نرتشف قهوته .. ندخن اركيلته ..
نتبادل اطراف الحديث مستعجلون .. 
نقهقه قليلاّ .. نحزن .. نشتم الايام لما صنعت بنا .. 
نتذكر الوطن كأنه قصيدة جميلة وعتيقة فقط .. 
ننتهي من سردها ونحن مخمورين من شدة الوهم الذي نحب .. 
اليوم .. كل شيء انتهى .. 
لم يعد الوطن يطيقنا .. 
لم يعد يطيق صمتنا المطبق على صدره اوهرجنا الهزيل .. 
اليوم الوطن يعرّفنا عن حقيقته وعن حقيقة انفسنا .. 
الوطن ليس مقهى .. 
الوطن ليس حروفاً تخرز فوق السطور كي لا يسقط .. 
الوطن ليس وسادة للنوم ..كي نتركها صباحاً ..
الوطن ليس حكاية واحدة .. يسردها الملل على مرّ السنين.. 
الوطن ليس قنديل نشعله في العتمة كي نبحث عن احذيتنا ... 
الوطن ليس اجيراً لدى ارباب السلطة ...
الوطن ليس ملكاً لأحد .. ولا سيداً للوطن .. ولا عشقاً يعلو فوق عشق الوطن .. 
الوطن ليس ذاكرة قديمة يقتاتها الشوق والحسرة .. 
الوطن ليس قبور وبيوت .. او شوارع لها اسماء .. ومدن تحشر في الحاجة والمنفى دون ارادتها .. 
كنّا صديقين ..
جمعتنا الغربة بعد ان تفرّقنا عن الوطن ..
وفرّقنا الوطن في غربتنا لأننا لم نجتمع على خلاصه وخلاصنا ..
كنّا صديقين .. وارجو ان نعود بعد حين صديقين ... 
اه .. يا وطني .. ما اعظم حزنك ..
واه .. ما اصغر احلامنا ... 

(112)    هل أعجبتك المقالة (109)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي