الدابي... وبلهجة أهل السودان "الثعبان الشرس الذي لايعرف اللين"، الفريق أول أحمد محمد مصطفى الدابي، رئيس فريق لجنة مراقبي جامعة الدول العربية إلى سوريا، من المهام التي قد تكون الأصعب في مسيرته المهنية كضابط محترف وقيادي ودبلوماسي لفترة زمنية تجاوزت الأربعة عقود شهد خلالها السودان والمنطقة الكثير من العواصف والأعاصير المحلية والاقليمية، تبوأ خلالها "الدابي" مناصب مختلفة في قيادة الأجهزة الاستخبارية والقيادية في السودان، بعد مروره في مسارات مهنية متعددة داخل السودان وفي دولة الإمارات العربية المتحدة كضابط معار، كان خلالها موضع تقدير واحترام الجميع.
وبعد مسيرته العسكرية وسنوات مثل خلالها بلاده سفيراً في دولة قطر كان اختياره لترأس اللجنة العربية للمراقبين العرب في سوريا إثر المجازر التي شهدتها المدن الثائرة في وجه النظام السوري وما اعتمده النظام من ستار حديدي في حجب المعلومات واقصاء وسائل الإعلام عن الميدان للرصد والمتابعة، وإطلاق العنان لقنوات التلفزة الرسمية السورية ومن سبح في فلكها، والضرب بعرض الحائط بكل المبادرات العربية والدولية من الأصدقاء وغيرهم وانتهاج سبل الحلول الأمنية التي لايؤمن إلا بها، جاءت المبادرة العربية لحل الأزمة السورية، وبعد مناورات المهل والقبول والرفض ولعب النظام السوري ورهانه على الزمن في وأد الثورة السورية والخروج من المأزق، وتعاظم الخناق الدولي حول رقبة النظام، والمناورات السياسية التي ملأت الآفاق، وغيرها مما كان وراء الستارة جاءت موافقة النظام السوري، بعد شلال الدم والمجازر وجرائم الإبادة بحق السوريين المطالبين بالحرية والانعتاق من عقود ظلم الأب والابن، على البروتوكولات، وركز عندها النظام على البروتوكولات وكأن الأزمة وحلها ينحصر في هذه الوثيقة، وتماهيه مع البروتوكولات ومفرداتها ومتاهات اللغة والمعاني وسراديب السيادة وفزلكات المؤتمرات الصحفية لإرضاء أهواء المنحبكجية، فكان وكأن كل ما في الأمر بروتوكولات، أو وافق الأمر هوى النظام في التلويح بالموافقة حيناً وطلب التعدديل أحياناً أو بقبولها .... إلخ مندوحة النظام، في الوقت الذي يزيد من شراسة الهجمة المسلحة على الأرض في وجه السوريين دون أدنى اعتبار لأي من المناشدات الدولية وتمنيات الأصدقاء، وسط تدبيج الاتهامات بين مسلحين وجماعات القاعدة والمغرضين والمغرر بهم إلى المارقين إلى مسلسل طويل ممجوج وبإخراج غير مناسب "على حد تعبير وليد المعلم".
جاء الاعلان عن تشكيل فريق المراقبين، ورواية "المعلم" بالتعديلات في مؤتمره الصحفي بحجة السيادة واعلان الانتصار المزعوم بقبول المبادرة والتوقيع على البروتوكول بعد الأخذ بما أسموها بالتعديلات السورية، وعاجلهم أمين عام جامعة الدول العربية بأن المبادرة لم تتعرض لأي تعديل في جوهرها، وبين الخلاف والاختلاف في التفسير والاعلان، كان "الدابي" على رأس فريق المراقبين، واستقبله النظام بروايات اتهامية على أنه من المكلوبين في قضايا جرائم ضد الإنسانية في دارفور من قبل محكمة الجنايات الدولية، ما يعكس توجس النظام وتلويحه لـ"لدابي" بملف قد يكون جاهزاً بالطريقة الاستخباراتية التي يفهمها، وفي صبيحة اليوم الأول لوجوده في العاصمة السورية دمشق قدم له رجالات القرار لدى أركان النظام السوري وجبة دسمة من القتل والتفجير المتشابكة الخيوط لخلط الأوراق والتشويش على تفاصيل المشهد وإغراق اللجنة ورئيسها في لجة القتل التي لايجيد النظام الا تقديمها لتدعيم أوهام عواجيز الاستخبارات والمتمسكين بناصية القرار، وسارعوا لترتيب زيارة لرئيس الوفد على الفور إلى موقع التفجير الذي لاتقوى الطيور في السماء النظر إليه من كثرة الحراسة المشددة وكاميرات المراقبة السرية والعلنية المزورعة في أرجاء المكان والقادرة على رصد حركة النمل وما تحت التراب في محيط المنطقة، وتجول رئيس اللجنة محاطاً بفرق الحراسة المعدة سلفاً، وبعد الانفجار وقبل انقشاع سحابة الدخان كانت نتيجة الكشف عن الانفجار والمخططين والمدبرين جاهزة في عهدة تنظيم القاعدة الذائع الصيت على مستوى العالم، في الوقت الذي دون أحد أعضاء اللجنة من موقع ملاحظاته على مسرح الانفجار أن دماء الضحايا المفترضين كانت قانية رغم أنها في بؤرة دائرة العصف الناري، والذي يفترض أنها من المفترض أن تكون هباب فحم لاوجود لها على الأرض، وإصابات الضحايا عليها أكثر من علامات استفهام وليس لها علاقة في مسرح الجريمة المزعوم إلى آخر الاستنتاجات وفق مفاهيم وعلوم مسرح جريمة انفجار بكميات مزعومة من الـ "تي إن تي".
هنا تترقب آلة النظام ورجالاته وتمهد بروايات افتراضية حول شخصية رئيس لجنة االمراقبين "الدابي" لتوظفها لاحقاً كيفما يتطلب الأمر ومواقفه اللاحقة وأداءه للمهمة الموكلة إليه، فهل سيكون "الثعبان" لهم بالمرصاد في كشف ألاعيبهم الصبيانية وردها في وجوه أصحابها ليتوج مسيرته المهنية وتاريخة العسكري والدبلوماسي بخاتمة أقل ما يمكن وصفها بالحياد والنزاهة في وضع النقاط على الحروف ولجم آلة القتل الهمجية للنظام السوري المستأسد في وجه المدنيين العزل، والمول أدباره لحدود جولاننا المباع أو السليب، وللجامعة العربية ونزاهة اللجنة الوزارية ألف سؤال وسؤال....؟؟ وهل سيكتب التاريخ بأحرف من سخام عن ذلك الدور الذي تمادى في إعطاء المهل لنظام استمرأ القتل والتدمير لشعبه واستعجل في نفس الوقت سبل القضاء على الثورة مهما كان من أثمان ليعيد عقود أخرى من العنجهية والتسلط على رقاب السوريين، وتمكين إيران من بسط الهيمنة وتنفيذ مخططها الشيطاني اللعين على المنطقة العربية، ولوأد الدم السوري المراق على مذبح الحرية....؟
أيام قلائل ويستأنف النظام دفع قيحه ومؤامراته الرخيصة من مخططات القتل والتفجيرات والاغتيالات حتى لرموز قريبة من دوائره، وليتباكى أمام اللجنة والعالم أنه المستهدف، والممانعة مستهدفة، أو حتى أن زعبرات المنابر هي مستهدفه، إلى آخر مسلسل الضحك على الدقون، من نظريات الاستهداف المزعومة من مخططات المتآمرين والمرتبطين إلى آخر قائمة الاتهامات الطويلة، وقواميس النظام التي جلد بها السوريين على مختلف مشاربهم وتوجهاتهم، وسيحاول عندها إغراقهم في تلك المستنقعات وعلى أعضاء اللجنة تعلم السباحة "كما أسلف الوليد المعلم" في مؤتمره الصحفي بهذا الخصوص.
"الدابي" إذاً أمام امتحان ليس بالهين، في مواجهة أكثر أنظمة القمع في العالم قدرة على المراوغة الرخيصة والمكشوفة، وعلى كل طرف في تلك المعادلة أن يكون على قدر المسؤولية والأمانة والنزاهة النأي بنفسه عن محاولات الاستمالة والترغيب والترهيب أو حتى وضع أكوام من العراقيل، ونعترف بأن مهمة "الدابي" ليست بالسهلة أبداً فهو أمام نظام أدمن المراوغة والكذب والدجل والتدجيل على رؤوس الأشهاد دون وازع من ضمير، فهل سيكون قادراً على العبور إلى بر الأمان بلجنة المراقبين لأداء مهامها على أكمل وجه وبالتالي وضع حد للمجزرة وتنفيذ ماجاء في المبادرة العربية من وقف حمام الدم وضمان الحريات العامة واستئصال دولة المخابرات واطلاق سراح معتقلي الرأي وإعادة إحياء مؤسسات المجتمع المدني وإطلاق الحريات بعيداً عن تغول دولة المخابرات القمعية، وتسلط الحزب الواحد الأوحد، وتكريس عبادة الشخص الواحد، وقيادة الحزب الأوحد للدولة والمجتمع، وتوظيف كل مقومات الدولة وثروات الوطن لبعض من رموز النظام، واحترام طهر الدم المراق على مذبح الوطن، مايؤدي وبشكل حتمي إلى إسقاط النظام القمعي برموزه ورأسه وكل ما يمثله من حقبة سوداء من تاريخ سوريا....... فهل سيكون "الدابي" على قدر المسؤولية ....؟؟؟؟
* صحفي سوري مغترب
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية