أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

سوريا في زيارة طبيب نفسي ... د. الياس حلياني

جاءتني ، شاحبة الوجه ، مثقلة بالهموم ، أوجاع في الرأس والجذع والقلب ، في كل مكان . آلام فظيعة ، تثير في نفسها شعورا مؤلما بالضيق والانزعاج  داخل بيتها .

 

قلت لها :(( لنفترض أنك مستلقية على أريكتك المفضلة تستريحين لوقت قصير ، ولنفترض أن لمشكلتك لوناً معينًا ، فأي لون تختارين ؟))

فأجابت : (( اللون الأسود )) .

فقلت : (( حسناً ، ولكن ما قد يكون شكله ؟)) .

قالت : (( كتلة سوداء كبيرة تملأ أرجاء داخلي ، أشعر بأنها  تخنقني )) .

ثم لاحظتها وهي تجيبني ، فإذا بيديها تصبح قبضتين شديدتين ، فسألتها : (( ماذا تريدين أن تفعل يداك بتلك الكتلة ؟ )) .

فردت قائلة : (( أريد أن أخرجها من هنا ، فما عدت أتحمل وجودها )) .

عندئذ قلت لها : (( لو أردت أن تطلقي على الكتلة اسماً ، فما عساه أن يكون ؟ )) .

فساد المكان صمت دام ثوان طوال ، وكأن عقلها اللاواعي كان يقوم بمسح دقيق لجميع الأجوبة الممكنة قبل أن يتوصل الى اختيار نهائي .

وبعد قليل بادرت تقول : يبدو أنه حزب !))

قالت ذلك وفتحت عينيها تنظر الي متعجبة ، وأضافت متمتمة : (( أهذا كل ما في الأمر ؟ هل ما أعانيه هو بسبب حزب ؟ )) .

فعقبت عليها : (( هذا ما قاله لنا لا وعيك . وأظن أن لا وعيك كان يعلم بالأمر منذ زمن طويل ، غير أنك لم تعرفي كيف تصغين اليه )) .

وعندما أخذنا نتفحص الاحتمالات عن كثب ، قالت : (( إن حزبي كيان يصعب إرضاؤه ، لقد استأثر بكل خيراتي ، وحرم أولادي من كل شيء جميل ، اختص لنفسه بالنور ، ولأخوته الظلام . له الماء الرقراق النقي ، ولبقية أولادي الماء الآسن . له كل متع الحياة ، ولبقية أولادي كل شقاء الأرض ، له الفضاء الواسع ، ولبقية أولادي الزنازين الضيقة ----)) .

فسألتها : (( وحتى متى ستبقين على الكتلة السوداء الخانقة في حياتك ؟ )) .

فصرخت لوقتها : (( أريد أن أغير الأوضاع على الفور !)) .

عندئذ طلبت اليها : (( أغلقي عينيك واستريحي . لقد اتخذت قراراَ بتغيير الأوضاع . والآن ، أظهري رد فعلك . هل ترين الكتلة ؟ )) .

قالت : (( نعم)) .

أضفت : (( أنت حرة في أن تقومي بكل ما تريدين في عين مخيلتك . فما الذي تقومين به ؟ )) .

فارتسمت ابتسامة على شفتيها ، وقالت : (( إني أتناول مكنسة من الخزانة وأكنس كالمجنونة ))

فسألتها : (( وكيف تسير الأمور ؟ )) .

أجابت قائلة : (( أحتاج الى شيء أكثر صلابة . أستعمل الآن مكنسة كهربائية ، فهي فعالة ، وهذا ما يسعدني )) .

عدت وسألتها : (( ومالذي تفعله الكتلة ؟ )) .

فتجهم وجهها الذي علته علامات النصر ، وقال : (( لا تريد أن تغادر ، ولكني سأجبرها على ذلك )) . ثم أضافت بعد برهة : (( ها قد أخرجت معظمها )) .

فسألتها : (( هل بوسعك أن تستعيني من الخارج بشيء أقوى لتتخلصي من الآثار المتبقية ؟ )) .

أجابت بحزم : ((لا )) ، وفتحت عينيها تنظر الي ، وتضيف : ((لا أريد أن أخرج أكثر مما أخرجته . وأنا أشعر بفرح كبير بالفسحة الجديدة التي خلقتها . لا أريد أن أخرج الكتلة تماما من داخلي ))

فقلت حينئذ : (( لقد أظهرت اليوم شجاعة رائعة ، فأنت واجهت ألمك  ، وتمسكت بحقوق أبنائك البقية بصرامة . ويهمني أن أعلم كيف ستطبقين معرفتك الجديدة وتستعملين قوتك من أجل أن تحسني مستقبل شعبك . ولكني سمعتك تقولين أيضاً أنك ترغبين في أن تبقي على علاقة بحزبك ، علاقة من الطرفين ، لا من طرف واحد ))

فعلقت قائلة : (( هذا صحيح ، هؤلاء أولادي ، وأولئك أولادي ، ولكن لن أدعهم بعد اليوم ، يستغلون أخوتهم ويقمعونهم ويسلبونهم خيراتي . فإن تراجعوا عن غيهم وتسلطهم وجبروتهم ، عندئذ يبقون أيضا في عداد أولادي ))

فعدت وسألتها : ( وماذا لو رفضوا التراجع عن غيهم وظلمهم وقمعهم ؟ )) .

أجابت بدون تردد : (( في تلك الحال ، سيترتب عليهم أن يبقوا وحدهم معزولين  ، حتى يقبلوا بما أريد . فأنا ما عدت أخاف الكتلة السوداء )).

دمشق 29- 8-2007

 

 

بونجور شام
(114)    هل أعجبتك المقالة (116)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي