أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حان أوان إسقاط نظام غزة؟ ... فهمي هويدي

بعد الذي حدث في أنابوليس، فإن السؤال حول مصير غزة أصبح مطروحاً بقوة. ذلك أن ابو مازن وجماعته إذا كانوا قد التزموا بنزع سلاح المقاومة وإسكات صوت معارضي الاحتلال الإسرائيلي، طبقاً لما قضت به المرحلة الأولى من خريطة الطريق، فإن السؤال لم يعد عما إذا كان إسقاط نظام غزة سيتم أم لا، وإنما بات منصباً حول التوقيت فحسب، وهل يستحسن أن يتم ذلك في الوقت الراهن أم أنه يفضل أن يؤجل بعض الوقت، بعد أن تهدأ أجواء التفاؤل التي أشاعها انعقاد مؤتمر انابوليس. وبعد أن أصبحت خريطة الطريق هي المرجعية الوحيدة التي يحتكم إليها في مسار الاتفاق مع الإسرائيليين، حتى ذكرت خمس مرات في وثيقة إعلان النوايا، في حين لم يشر بكلمة إلى قرارات الأمم المتحدة ولا إلى مبادرة السلام العربية، فإن أبو مازن صار ملزماً بالوقف الفوري للتحريض والعنف، وإعادة التنسيق الأمني الفلسطيني ـ الإسرائيلي، كما ورد في نص المرحلة الأولى من الخريطة المذكورة وإن بادرت قيادة السلطة بالوفاء بهذا الالتزام في الضفة الغربية، مبتدئة بنابلس، فإن عمليات ملاحقة المقاومين وتجريدهم من سلاحهم وقمع المعارضين الى حد إطلاق الرصاص على مظاهراتهم، انطلقت مثل مؤتمر انابوليس في إشارة إلى أن أبو مازن لن يقصر في أداء «الواجب» الذي دعت اليه الخريطة، وهو العزم الذي رحب به اولمرت وشجعه عليه، حتى زوده ببعض الدبابات والبنادق والذخائر التي تمكن عناصر الأمن الوقائي من أداء مهمتها. وفي الوقت ذاته، فإن التنسيق مع الإسرائيليين مضى بشكل موازٍ سواء على صعيد تبادل المعلومات أو فيما يخص تصفية وجود المقاومين والمطلوبين، الذين كانت قوات الأمن الوقائي تلاحقهم في النهار، في حين يشن الاسرائيليون غاراتهم في الليل بحثاً عنهم.

في هذه الأجواء، فإن وضع غزة أصبح شاذاً في نظر اللاعبين الأساسيين. فاسرائيل تضيق ذرعاً بالصواريخ التي تطلق منها بين الحين والآخر، وأبو مازن صار مشغولاً بتحرير غزة من سلطة حماس أكثر من انشغاله بتحرير فلسطين، خصوصاً أن استمرار وضع غزة يسبب إحراجاً دائماً له لأنه يكشف المدى الذي ذهب إليه في «التعاون» مع الاسرائيليين والأمريكيين. ومن ناحية ثالثة، فإن الأمريكيين يعتبرون أن بقاء غزة في وضعها الراهن يضعف من مراهنتها على أبو مازن، إضافة الى أنه يشكل عقبة في تنفيذ خريطة الطريق.

لقد نشرت «الشرق الأوسط» في 2/12 الحالي تقريراً لمراسلها في تل أبيب، الزميل نظير مجلي تحدث فيه عن الاستعدادات العسكرية الاسرائيلية لاجتياح غزة. ذكر فيه أن اسرائيل قتلت منذ مطلع السنة 250 فلسطينياً في القطاع، ولكن قيادة الجيش في المنطقة الجنوبية تعد عملية كبيرة تستهدف الإجهاز على المقاومة هناك. وتباحث أولئك القادة مع رئيس الأركان الجنرال غابي اشكنازي حول الأوضاع في القطاع، خصوصاً ظروف المواجهة الراهنة ضد التنظيمات العسكرية الفلسطينية. وفي مقدمتها كتائب عز الدين القسام ـ الجناح العسكري لحركة حماس ولجان المقاومة الشعبية، حركة الجهاد الإسلامي. ونقل التقرير عن مصادر عسكرية اسرائيلية قولها إن الاوضاع في القطاع اسوأ مما كانت عليه إبان الاحتلال الاسرائيلي في الجنوب اللبناني قبيل الانسحاب الاسرائيلي من هناك عام 2000 وان إطلاق النار الفلسطيني ما بين القصف المدفعي واطلاق النار من الرشاشات يتم بمعدل مرة كل خمس دقائق في ساعات النهار، وأن المسلحين يقتربون من الجدار المحيط بقطاع غزة مسافة 50 متراً فقط فيطلقون القذيفة ويهربون الى الداخل. جدير بالذكر أنه خلال لقاء اشكنازي مع الضباط كانت قد سقطت قذيفة على بعد أمتار منه فاعتبرها شهادة حية لما قيل له وراح يتباحث معهم حول سبل الرد.

في التقرير أيضاً ان ضباط المنطقة الجنوبية أبلغوا رئيس الأركان أن حماس تعد قوة عسكرية ضخمة في القطاع استعداداً لمواجهة هجوم اسرائيلي بري وكل يوم يمر عليها تزداد قوة، ويصبح التغلب عليها أصعب وطالبوه بالانطلاق الى عملية واسعة تتيح له «تصفية النواة الأساسية للتنظيمات الإرهابية الفلسطينية».

إزاء هذا الموقف من العسكريين نقل على لسان أحد المقربين من رئيس الوزراء أيهود أولمرت القول إنه من غير المعقول أن تنفذ عملية عسكرية واسعة في هذه الظروف حيث أن اسرائيل كسبت نقاطاً عديدة في مؤتمر أنابوليس بوصفها دولة معنية بالسلام ولا يجوز أن نضيعها. ففي 12 ديسمبر (كانون الأول) الحالي ستبدأ اللجان الفرعية عملها، ومثل هذه النشاطات لا تلائم تنفيذ عمليات حربية واسعة. غير أن المصادر العسكرية الاسرائيلية ذكرت أن تأجيل العملية الكبرى لا يحول دون قيام الجيش بعمليات محدودة رداً على أي قصف أو اطلاق رصاص من الجانب الفلسطيني. وأشارت إلى أن الضغوط الأخرى التي تمارسها اسرائيل، خصوصا تخفيض كميات الوقود والكهرباء مع قدوم الشتاء يمكن أن تكون سلاحا فعالاً ضد القطاع: أكثر شجاعة في الوقت الراهن من عملية عسكرية قد توقع أعداداً كبيرة من القتلى في صفوف الاسرائيليين، إذ في ظل ذلك التخفيض المرشح للزيادة، فإنه من بين 150 محطة وقود في القطاع لم يعد يعمل غير 50 محطة فقط.

من الملاحظات المهمة في هذا السياق، انه قبل اسبوع من انعقاد مؤتمر انابوليس، كشف الصحافي الاسرائيلي ناحوم برنيع النقاب عن أن تفاهماً توصل اليه رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود أولمرت مع أبو مازن يقضي بأن تقوم اسرائيل باجتياح قطاع غزة بغرض اسقاط حكومة حماس وتوجيه ضربة قاصمة لبنى الحركة التنظيمية والعسكرية، تمهيداً لتسليم القطاع مجدداً لأبو مازن. وعلى الرغم من أن برنيع يوصف بأنه من الصحافيين القلائل في تل أبيب الذين يتميزون بـ«الأمانة» في النقل والدقة في جلب المعلومات، إلا أنه ذكر أن هذه المعلومة قد لا تكون دقيقة او مبالغاً فيها. غير أن ما جرى في انابوليس أيَّدَ الفكرة التي تحدثت عنها. فالإعلان المشترك الذي تلاه الرئيس بوش على المؤتمر حيث شدد على أن خريطة الطريق هي المرجعية الوحيدة للعملية التفاوضية، فإنه أناط بالسلطة الفلسطينية مسؤولية تفكيك حركات المقاومة الفلسطينية وجمع سلاحها، ووقف التحريض ضد اسرائيل في وسائل الإعلام والمؤسسات الإعلامية والدينية الفلسطينية. وأشارت مصادر المؤتمر إلى أنه في لقائهم الثلاثي، أوضح كل من بوش واولمرت لأبومازن أنه يتوجب عليه الوفاء بهذا التعهد ليس في الضفة الغربية فحسب، وإنما في غزة أيضاً. ولما كانت غزة تحت سيطرة حماس فلا مفر من تدخل اسرائيل لإسقاط سلطة حماس والقضاء عليها، بما يسمح لأبو مازن باستعادة سيطرته على القطاع. في هذا الصدد، ذكرت القناة العاشرة في التلفزيون الاسرائيلي أنه من أجل رفع الحرج عن أبو مازن، وحتى لا يبدو كمتعاون مع المخطط الاسرائيلي بشكل مباشر، فإن الأمريكيين اقترحوا أن تتولى قوات الناتو السيطرة على القطاع بعد انسحاب اسرائيل منه، بحيث تمكث هذه القوات بعض الوقت. وبعد ذلك، يتم توجيه الدعوة لأبومازن والقيادات الهاربة بالعودة للقطاع لملء الفراغ الحاصل. الشاهد الأكبر على أن ثمة مخططا قد طبخ في أنابوليس في ذلك الاتجاه هو ما قاله نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي افيغدور ليبرمن تعليقاً على خطاب أولمرت وأبو مازن أمام المؤتمر في مقابلة أجرتها معه القناة الثانية في التلفزيون الاسرائيلي حين أشار إلى أن أبومازن وفياض متلهفان لأن تقوم إسرائيل بإعادة احتلال القطاع أكثر من سكان سديروت، وهي المستوطنة التي تتعرض للقصف من الفلسطينيين في القطاع».

هذا «السيناريو» إذا قدر له أن يتم فستكون له تداعيات كثيرة، إحداها وأهمها تمكين اسرائيل من تصفية المقاومة في الداخل، تمهيداً لتصفية القضية كلها، الأمر الذي يضع قوى المقاومة الفلسطينية أمام تحدٍّ جديدٍ، وقوى الممانعة العربية ـ او ما تبقى منها ـ أمام اختبار جديد.

(138)    هل أعجبتك المقالة (111)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي