أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

مؤامرة؟ طبعا مؤامرة .... سمير عطا الله

حضرت برنامج «حوار العرب»، الذي تقدمه «العربية» كل شهر. وكان موضوعه «العولمة»، شارك فيه عقل مثير، وهادئ، ومستقبلي، يدعى نجيب ساويرس، وجه النجاح المصري في العقد الأخير. وشارك فيه أيضاً مجموعة من الطلاب. واقترع الطلاب المشاركون على عدد من الأسئلة وبينها، هل «العولمة» مؤامرة أميركية؟ وجاء جواب القادمين من الجامعة ودور العلم، طبعاً، مؤامرة أميركية.

وألقت طالبة أو طالبتان كلاماً ضد أميركا فعلا التصفيقُ. وأنا الذي اقترع ضد سياسات أميركا منذ 47 عاماً، أدهشني أن أهل الجامعات لا يعرفون معنى العولمة ولا يفرقون بين أميركا في الفيتنام أو فلسطين أو العراق، وبين أميركا التي تحاول البقاء كدولة أولى في عالم الاقتصاد.

لم يستطع أحد أن يحدد حتى الآن، كما قال نجيب ساويرس، معنى العولمة. لكنني كنت أتمنى على أساتذة الطلاب الحاضرين أن يشرحوا لهم بأن العولمة ظهرت للمرة الأولى في عصر هارون الرشيد، عندما كان التوقيت العالمي توقيت بغداد، كما هو الآن توقيت غرينتش. وبقليل من المتابعة يمكن للطلاب أن يعرفوا أن أكبر وأضخم شركة في العالم لم تعد «اكسون موبيل»، بل «بترو تشاينا». وأكبر شركة هواتف في التاريخ موجودة في فنلندا التي كانت قبل ربع قرن تعيش على بيع لحم الأيائل. وأكبر شركة سيارات يابانية. وأفخم شركة سيارات ألمانية أو بريطانية.

إننا نتعامل مع «العولمة»، إذا كان هناك شيء اسمه «العولمة»، من منطلق الهزيمة المسبقة، ونتراجع أمامها دون أن نفهم ماذا تعني. ولا نزال نقول أميركا مع أن العالم غارق في بحيرتين: واحدة Made in China، وأخرى صنع في اليابان. وعندما نخلط على طلابنا الموقف بين فظاعات العراق وتحولات الكون واختراع الانترنت، يجب أن نحمي الأكاديميين على الأقل من تعميم الجهل تحت شعار التحليل.

اشتريت أخيراً، بكل حماس ونيّة طيبة، كتاباً وضعه دكتور أو دكتوران، كل واحد منهما يسبق اسمه حرف دال نقطة، نحو عشرين مرة. د. في التاريخ. د. في القانون. د. في الفلسفة. د. في دكتورات الدال. تلهفت لقراءة ما وضعه الدكاترة عن أوروبا. وإذا أوروبا قارة توحدت لهدف واحد وغرض واحد: محاربة العرب والإسلام. هل هي أوروبا التي انحسرت فيها المسيحية بنسبة %80؟. نعم. نعم. هل هي أوروبا التي تراجع فيها معدل الولادات إلى %7؟. نعم. نعم. هل هي أوروبا التي يكاد الزواج فيها يلغى اكتفاء بالمساكنة؟. أجل. أجل. هل هي أوروبا الحروب بين الكثلكة والبروتستانت: حرب المائة عام. حرب الثلاثين عاماً. حرب ايرلندا. حرب ألمانيا وفرنسا. حرب الدوقيات. الحرب العالمية الأولى. الحرب العالمية الثانية. حرب البابوات ضد بيزنطا. هل هي نفسها؟. نعم. لكن ما لنا وللتاريخ. المهم ما يقوله الدكاترة. فإذا قالوا إن أوروبا توحدت فقط من أجل محاربة العرب، فيجب أن نصدق.

الحالة الأكاديمية في العالم العربي، مؤسفة ومزرية، أساتذة وطلاباً. هناك ألف إثبات على تاريخ طويل من حرب أوروبا على الإسلام، ولا أحد في حاجة إلى سخافة سطحية باهتة من نوع أن سبب توحيد أوروبا على مدى نصف قرن هو محاربة الإسلام. فعندما بدأ توحيد أوروبا قبل 50 عاماً. كان العالم الإسلامي في سبات والشيوعية تهدد الكون. سبب توحيد أوروبا كان محاربة الجهل والفقر والارتقاء بمستوى التعليم، وهو الأمر الذي يهدد هذه الأمة.

(123)    هل أعجبتك المقالة (121)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي