أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عجبا يتحدثون عن سوريا.. حزب الله يغرق في الدم السوري... الياس س. الياس

اقترح الحماصنة ذات يوم صيفي أن يُخرج الشباب مظاهراتهم وهم يرتدون المايوهات .. ربما لأن الحجم التاريخي للتزوير فاق المتخيل عن "العصابات المسلحة".. تصدى أهل سوريا لقوات الأسد المدرعة ببعض التهكم والاستهجان: هنا ليست الجولان!
ظن ثوار سوريا أنهم يواجهون نظاما " وطنيا" يملك مؤسسات دولة، قبل أن يكتشفوا ومعهم العالم بأن ما تم توريثه لبشار الأسد ليس أكثر من تحالف مافيات وبنية عصابات مستعدة لكل شيء في سبيل البقاء والحفاظ على الامتيازات.
الواقع أن مصطلح الشبيحة لم يكن بعيدا عن بال من خرج طالبا حريته، لكن أن تكون الدولة السورية قائمة على حماية مؤسسات المافيا بمجموعة من الجنائيين وأصحاب السوابق والمحكوميات فهذا لعمري أحط ما يمكن أن تصل إليه أية دولة لا تسمح نظريا للدعارة بالانتشار بينما مروجيها هم حماة النظام وقسم لا بأس به من الشبيحة هم من الفئة التي تظن أن مدير مخفر أو متنفذ ما يمكن أن يغض الطرف عن ممارساتها المشينة إن هي تفانت في خدمة النظام.

في مرات كثيرة كنت أطالع صحفا لبنانية قريبة من حزب الله وكانت تغرق في الأخلاقيات التي تهم قيادة الحزب والعقوبات التي تطال من يرتزق من أموال المقاومة والشهداء وعوائل الجرحى، جيد كنت أقول : لدينا منظومة تحترم على الأقل ذكاء القارئ، أو قل دغدغة مشاعره الإنسانية الرافضة للسرقة وللكذب باسم "المقاومة".
هذا الحزب وتوابعه من الأحزاب اللبنانية وقف في خضم الثورة السورية ليلقنا درسا عن الأسد و "سوريا الأسد" والممانعة والمؤامرة التي قام بها أطفال درعا وليس عاطف نجيب. هذا الحزب وتحالفاته ظل يتحدث عن خطط الأسد الإصلاحية حتى وصل عدد الشهداء إلى آلاف مؤلفة ومئات آلاف المعذبين والمحرومين واللاجئين والمعتقلين، فلم نكتشف ومعنا العالم ( داخل سوريا وخارجها) سوى إمعانا في احتقار قيمة الدم ومظلومية الشعب السوري المطلوب منه "العودة إلى بيت الطاعة والخوف من المخابرات".. كان يمكن لهذا الحزب، لو كان حقيقة غير ما هو عليه أن يتجنب إنكشافه وحرق صور حسن نصر الله وتذكير مئات آلاف السوريين له عن 2006 واستقبال "اشرف الناس" في بيوتهم .. إلا إذا كانت تلك أيضا دعاية سمجة بحيث لم يكن هناك لا عائلات مهجرة ولا هم يحزنون ..
ظل أهل القصير وتلكلخ وبقية المدن السورية يتوسمون خيرا بنقل جرحاهم وأطفالهم إلى لبنان، هربا من التشبيح الذي طال بمعرفة السوريين انفسهم مشافيهم وفيول التدفئة والأغطية والممتلكات والإجهاز على جرحاهم .. القصة أبسط من أن يتم التعمية عليها من قناة المنار وصحيفة الأخبار .. بل شخصيا لم أفهم كيف فسر مراسل الجزيرة في بيروت وعلى الهواء مباشرة، يوم كان الجيش السوري يقصف القرى الحدودية السورية- اللبنانية، بأن طاقم الجزيرة أو مراسلها دونا عن كل محطات لبنان الوصول إلى الشمال: بدون موافقة أمنية تحتاج إلى 10 ايام للاستحصال عليها.. 
المراسل الحربي الذي كان يجول بين اجدابيا وبنغازي وقف عاجزا عن اقناعنا بالسبب الحقيقي لغضبه من سؤال عن القتل الذي يطال السوريين الملتجئين لاخوتهم في لبنان .. فعلي هاشم يعرف تماما أن تمرير مثل هذه الرسالة الإعلامية لن تمر عند أبسط الناس في سوريا .. لكنه مررها وبدون مراجعة دقيقة من الجزيرة المدهوشة من إختلاط الإعلامي بالتموضع الغير مرئي .. للبعض على الأقل .. فلماذا في عز الحرب الأهلية الطاحنة كانت الفاكهاني ملجأ لكل مدعي "ثورية ومعارضة" بينما بيروت اليوم ، لولا الياس خوري وبضعة مثقفين، لتم تسميتها الحديقة الخلفية لشبيحة ومافيا الأسد .. لا حاجة لنا هنا لنذكر بعمر ادلبي وبقية الناشطين الذين تم خطفهم وتصفيتهم وتسليمهم "لسيد الوطن السوري" ..
الناس العرب ليسوا بهذا الغباء والسذاجة حتى لا يدركوا هذه التموضعات التي تثير الشفقة أكثر مما يثيرها شريف شحادة وقناة الدنيا في رصدها للنشرة الجوية عند قناة العربية، رهاب المؤامرة وصل حدا لا يطاق!

هنا في الناصرة العربية اتهم الصهاينة العشرات من الناس العاديين والسياسيين والناشطين الفلسطينيين بالعمل كجواسيس لمصلحة حزب الله في حرب 2006، منهم عزمي بشارة وأحمد الطيبي وغيرهم.. لكن وبكل مهزلة راقبوا كيف صار عزمي بشارة "صهيونيا" في أدبيات وإعلام حزب الله وقناة الدنيا ومشعوذو التحليل السياسي الاستراتيجي من "أبو فلاشة" إلى " المشخصاتي" ..

لو كان حسن نصر الله قبل سنتين سئل عن أحمد الجلبي لكان له رأي آخر .. لو سئل عن بائع المسابح في السيدة زينب لكان قال شيئا مختلفا .. لكن التموضع يشي بما لا يسر لا حزب الله ولا مستقبله .. فالطلب من الشعب السوري العودة إلى "سوريا الأسد" يعني احتقارا لإرادة الناس .. وتكرارا ببغائيا وكاذبا ومفضوحا لقصة المؤامرة على إصلاحات الأسد .. 
يعرف حسن نصر الله الآن ومتأخرا جدا بأن المؤامرة ليست حقيقة بقدر ما هي استماتة لوصف الثوار السوريين عبر حملة تشويش ضخمة يتعرض لها خيرة الشباب السوري الذي كان يرى فيه مقاوما ويرتدي تي شيرت مطبوعة عليها صورته.. ويعرف أن المغتربين العرب والسوريين كانوا يرفعون علم حزب الله نكاية بالقوانين الأوروبية التي تتهمه بالإرهاب ووقف معه حين منعت المنار من البث .. يعرف ذلك وغيره، لكن تخوين السوريين في مغترباتهم صار عارا على الحزب وصار مثار سخرية هؤلاء الذين لم يستطيعوا الصمت على المذبحة اليومية في سوريا .. إن شخصا مثل برهان غليون المعادي للصهيونية قبل ولادة حزب الله لا يحتاج لشهادة بالوطنية والقومية من نصر الله وغيره .. كما لم يحتج أمير قطر المحتفى به في بيروت والجنوب في 2006 وبعد إعمار القرى المدمرة لكل هذا في محاولات اقناعنا بأنه رأس حربة المؤامرة على سوريا والممانعة، مثلما لم يحتج أهل درعا والرستن وغيرهما لاتهامات تافهة عن أنهم يقفون حجر عثرة في "معركة التحرير والممانعة" .. ولا يحتاج أهل عرسال اللبنانية إلى تشبيح يضاهي تشبيح ممارس بحق رنكوس والمعضمية والصنمين وسقبا وعربين .. وكل الغوطة التي منها مر السلاح إلى نصر الله ..

وحتى لا نطيل كثيرا في سرد ما هو قائم: ألم يكن إيلي حبيقة متهم كمجرم حرب؟ 
كيف صار " أبو علي" ووريثه في الزعامة يحضر مهرجانات "الانتصار" في الضاحية الجنوبية؟

ألم تسلخ جلود بعض أعضاء حزب الله على أيدي قوات وأمن الأسد في لبنان ومسالخ سوريا؟
فلماذا كل هذا الإنكار عن سلخ جلد الناشطين السوريين في سوريا؟

ألم يقل حزب الله أن عماد مغنية تم قتله في كفرسوسة بدمشق؟
فلماذا يستغرب وينفي الحزب قتل غياث مطر والمئات مثله في داريا وغيرها من المدن السورية، وتسليم جثثهم لأهاليهم بواسطة المخابرات الجوية التي تكسر اي معنى من معاني الممانعة؟

هل الممانعة والمقاومة محصورة ومسجلة باسم بشار الأسد؟؟
هذا إذا ذهبنا بعيدا في تصديق الروايات التي تركت غزة تحرق وعين الصاحب تقصف وموقع الكبر يدمر وتصفية عماد مغنية ومحمد سليمان .. وإذا صدقنا أن السوري كان مسموح له المقاومة في لبنان والجولان والانضمام إلى فصائل فلسطينية مقاومة بدون أن يتم محاسبته في مسلخ يسمى "فرع فلسطين"!

يدرك حزب الله ومراكز الابحاث التابعة له مثل هذه الحقائق وغيرها مما لا يمكم ذكره في هذه العجالة، لكنه اختار تموضع آخر يتهم به الآخرين وهو غارق حتى أذنيه فيه .. كانت أمام نصر الله فرصة مكونة من : الصمت على الأقل. لكنه اختار مثل بعض العرب الموصوفون في الثقافة القومية عند البعث بـ " العربان" وتحت سيمفونية "لا عرب ولا عربان فلتحيا إيران" .. يراد من العرب إما أن يقبلوا رواية أن الثورات العربية لا تخرج عن إطار المؤامرة حين دقت بوابات المدن السورية .. أو القبول بما يسمى "إصلاحات" تحت سقف "الأسد" على وزن الانتخابات "المحلية" المخجلة في التمثيل والإخراج!

أخيرا، سواء شارك حزب الله في قمع السوريين أم لم يفعل وسواء ارسل بخبراته أم لم يفعل فقد حدث الشرخ المستند على مجموعة من العوامل التي ساهم بها الحزب وامينه العام في تلطيخ صورته أمام مجتمع سوري ثائر ما عاد يهمه حجب الحقيقة في قناة المنار ولا في حجب صورة مخرج يعمل للقناة في حمص وهو يرى طفل مضرج بالدماء وقد قتله جنود وشبيحة "الممانعة" وهو فيلم منتشر عبر الانترنت .. 
كما في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا لم تخرج الناس شاهرة سيوفها على الشعارات القومية ولا على شعارات الممانعة ولا حتى على كل السياسة الخارجية .. وكلما أمعن ديكتاتورا وطاغية في قمع شعبه ارتفع السقف ودخلت عبارات جعلت من مبارك عميل للاميركي بميدان التحرير وبن علي كذلك للفرنسي الذي لم ينسى التونسيين مواقفها من دعمه ودفعت وزيرة فرنسية ثمنا لتلك.. كان القذافي يرجو عبر سماسرة الدم والسلاح أن يتم انقاذه من مصير محتوم من خلال الصهاينة .. ذهب رامي مخلوف يرسل الرسائل .. لم يبخل عاموس جلعاد في مد انبوب الاوكسجين لنظام بشار ولم يتردد مبعوثي الأسد للقاءات في عواصم غربية مع اعتى متطرفي اللوبيات الصهيونية.. بظني أن حزب الله يعرف ما هو دور عماد مصطفى في الطبخة المحروقة .. الطبخة لا يطهوها عقاب صقر ولا بندر ولا الحريري .. بل في الصحف العبرية التي لقناة المنار ولحسين باع طوبل في قراءتها وترجمتها ويعرف ما يقولونه عن رغبتهم ببقاء نظام الأسد ..
الخلاصة، كل الهراء الممتد من اليمن إلى تونس مرورا بسوريا ومصر عن الإسلاميين والمتطرفين والذي يتم تكراره في قنوات "الممانعة" يدل على نقائض قاتلة حقا .. فمن جهة يحتفي المرشد بطهران بالربيع العربي تحت مسمى "الصحوة الإسلامية" بينما ملتحون من حزب الله يرونها " مؤامرة" .. لم تقم في سوريا "ثورة سنية" ولم تقم "فتنة" الناس خرجت تنادي بالحرية " واحد واحد واحد .. الشعب السوري واحد".. الطغاة وتوابعهم يرون ويسوقون كذبا وتملقا وتدليسا ما لا يقوله الشارع .. الحديث الطائفي يجب التفتيش عنه في حملات الإهانة والاذلال للرجال والنساء والأطفال: بدكن حرية؟ الركل والدوس على رؤوس البشر وشتم أعراضهم واخضاعهم وترداد تافه لشعارات "الاسد أو لا أحد" و قل " لا إله إلا بشار" هذه تسهم في تقديم رواية لم يخترها السوريون حين خرجوا شاهرين سيف الحرية مقابل العبودية .. لا داعي لسرد كل الممارسات والكتابات التي تغطي جدران وبيوت القرى والمدن التي "ينتصر فيها" شبيحة وفرق الموت التابعة لنظام الأسد ..

كان بإمكان حزب الله وأحمد جبريل ووسائل التزوير كلها أن تقف مع نفسها قبل فوات الأوان وتسأل نفسها السؤال التالي:
ألم تنجب نساء سوريا غير آل الأسد؟

لكن الوقت يمضي واشك في أن هؤلاء الذين اتهموا الشعب السوري في صميم وطنيته وقوميته في وارد التراجع إلا حين يدركون أن معركتهم خاسرة .. خاسرة لسبب بسيط جدا يكمن في الفرق بين العبودية والحرية .. العبودية لا تنتج مقاومة ولا ممانعة بل خنوع واستسلام قدري ومكتسب .. الحرية وحدها الكفيلة بأن يقال لفيلتمان وغيره: هذه بلادنا وهذه حرية تقرير مصيرنا .. نطلب الاحترام والندية ..
غير ذلك من الشعارات الفارغة ستبقى ممانعة ومقاومة الثرثرة وتبادل الخدمات لحماية مؤخرة الغزاة وحربهم على "الارهاب" مثلما فُعل بطائرات السي اي ايه حين كانت ترمي حمولتها في المسالخ السورية.. ومنهم ماهر عرار يا سيد حسن وليتك تقرأ من هو ماهر عرار وتطالع "القوقعة" لمصطفى خليفة لتعرف شيئا عن المسيحي المقاوم ايضا في زنازين " الممانعة بالثرثرة"... رغم أني متيقن أنك غطست في مغطس دموي يصعب عليك مراجعة الحجم الذي غرقت به .. فأنت تعرف أنك بالنسبة لهم لن تكون أعز من الزعبي ومن محمد سليمان وعماد مغنية ومن علي حبيب وغازي كنعان وكل مثقفي سوريا الذين تم قتلهم قهرا وسما! 

(104)    هل أعجبتك المقالة (108)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي